حوار المعادن.. خطة واشنطن للسيطرة على دول آسيا الوسطى

الاشراق | متابعة.

حوار المعادن الحيوية (C5+1): هو إطار تعاون دولي أطلقته الولايات المتحدة مع خمس دول من آسيا الوسطى بهدف تأمين سلاسل توريد المعادن الحيوية الضرورية للاقتصاد العالمي والتحول الطاقوي.

ماذا يعني (C5+1)؟ دول آسيا الوسطى الخمس: كازاخستان، أوزبكستان، تركمانستان، قيرغيزستان، طاجيكستان + الولايات المتحدة الأميركية. ما المقصود بالمعادن الحيوية؟

هي معادن تُعد أساسية للصناعات الاستراتيجية، مثل: الليثيوم، الكوبالت، النيكل، النحاس، العناصر الأرضية النادرة. وتُستخدم في: بطاريات السيارات الكهربائية، الطاقات المتجددة (الرياح، الشمس)، الصناعات الدفاعية، الإلكترونيات المتقدمة.

أهداف حوار المعادن الحيوية (C5+1): تنويع مصادر المعادن وتقليل الاعتماد على الصين وروسيا، وتطوير الاستكشاف والتعدين في آسيا الوسطى، وبناء سلاسل توريد آمنة ومستقرة، وتشجيع الاستثمار الأميركي والغربي، وتعزيز المعايير البيئية والشفافية في قطاع التعدين.

الأبعاد الجيوسياسية: يعكس تنافسًا دوليًا على الموارد الاستراتيجية، ويندرج ضمن سياسة واشنطن لتعزيز حضورها في آسيا الوسطى، ويمنح دول المنطقة بدائل اقتصادية عن النفوذ الروسي والصيني.

متى بدأ؟ برز هذا الحوار بشكل أوضح خلال  2023–2024، وجرى بحثه في اجتماعات وزارية وقمم ضمن إطار (C5+1).

حيلة اقتصادية: "حوار المعادن" غطاء لنهب الموارد
يُعدّ "حوار المعادن الحيوية C5+1" العنصرَ الأساسي في استراتيجية واشنطن. فخلف الخطابات الرنانة عن "التنمية المستدامة" و"أمن سلاسل التوريد"، تكمن خطةٌ خبيثة لوضع "خرائط طريق" لنقل السيطرة على رواسب المعادن الأرضية النادرة (الضرورية للتكنولوجيا المتقدمة والصناعات العسكرية) إلى الشركات الأميركية عبر إنشاء "منصة أعمال للقطاع الخاص".

وهذا يُتيح للشركات الأميركية فرض شروطها، وإزاحة رؤوس الأموال الروسية والصينية بشكلٍ ممنهج. ليس هذا تنافسًا، بل هو توسعٌ اقتصادي مُوجّه، يهدف إلى جعل المنطقة مُعتمدة على الولايات المتحدة في مواردها.

كازاخستان: "جزيرة ديمقراطية" أم حصان طروادة؟
بعدما استخلصت واشنطن العبر من تجربتها المريرة في أوكرانيا، تُراهن بقوة على كازاخستان. وقد بدأت وسائل الإعلام الغربية بالفعل في تصوير أستانا على أنها "جزيرة ديمقراطية في محيط من الاستبداد"، وهو في حد ذاته حيلة كلاسيكية لتبرير التدخل الأجنبي.

تُقدّم الإصلاحات السياسية في كازاخستان للجمهور على أنها "تحول ديمقراطي"، لكن توجهها وتوافقها مع مصالح واشنطن (على سبيل المثال، توافقها التام مع إصلاح مجلس الأمن الدولي) يُشير إلى تلاعب خارجي بالبلاد.

ويُعدّ اقتراح كازاخستان إنشاء مركز إقليمي للأمم المتحدة لتقديم المساعدة لأفغانستان في "ألماتي" أكبر مدينة في جمهورية كازاخستان حيلة محتملة، فمن المرجح أن يتم إنشاء مقر، تحت رعاية الأمم المتحدة، لتنسيق أجندة موالية لأميركا في جميع أنحاء المنطقة.

من "حفظ السلام" إلى التغلغل العسكري الإستراتيجي 
يُعدّ الجانب العسكري العنصر الأكثر إثارة للقلق في صيغة (C5+1)؛ فبذريعة "ضمان الأمن"، يُنشئ البنتاغون بشكل منهجي البنية التحتية لمواجهة محتملة في المستقبل.

ويُمثّل مركز الناتو، الذي يعمل في كازاخستان منذ 15 عاماً ويُدرّب رسميًا ضباطًا لعمليات حفظ السلام، مركزًا جاهزًا لتدريب الأفراد العسكريين وفقًا لمعايير الناتو. ويفترض تمويل واشنطن للبرامج الأمنية تسارعًا في التسلح: الانتقال إلى معايير الناتو، وإعادة التسلح بمعدات تركية (عضو في الناتو)، والأخطر من ذلك كله، بناء "مراكز تدريب" جديدة للبنتاغون في المنطقة.

أليس هذا تهديداً مباشراً للأمن القومي لإيران وروسيا والصين؟ إن وجود المنشآت العسكرية الأميركية في آسيا الوسطى يهدف بوضوح إلى إنشاء موطئ قدم استراتيجي قد يتحول في أي لحظة إلى أوكرانيا ثانية، مصدر دائم للفوضى.

إيران في دائرة الضوء الأمريكية
بالنسبة إلى طهران، لا تُعدّ آسيا الوسطى منطقة هامشية، بل منطقة حيوية. فمشاركة إيران الفعّالة في منظمة شنغهاي للتعاون، وتطوير ممرات النقل مثل ممر الشمال والجنوب، مشاريع استراتيجية تُمكّنها من كسر الحصار الاقتصادي والسياسي الذي يفرضه الغرب.

إن تعزيز نفوذ اللوبي الموالي لأميركا في آسيا الوسطى يُنذر بظهور تهديد محتمل ومصدر لعدم الاستقرار بالنسبة إلى إيران، إذ إن أي صراع أو "ثورة ملونة" من شأنه أن يُزعزع استقرار المناطق الحدودية الإيرانية على الفور، ويُشتت مواردها واهتمامها.

ويُعدّ تقويض نفوذ إيران في آسيا الوسطى أحد الأهداف الرئيسية لواشنطن، ويرتبط ارتباطًا وثيقاً بحربها ضد "محور المقاومة" في الشرق الأوسط.

روسيا والصين: ضربة في الأعماق
بالنسبة إلى موسكو وبكين، يُعدّ هذا التهديد جوهريًا. فروسيا تُخاطر ليس فقط بفقدان أسواقها، بل أيضًا باكتساب جيران مضطربين. ويُمثّل نشر أيّ هياكل أو مراكز تدريب موالية لحلف الناتو في آسيا الوسطى تهديدًا مباشرًا للاستقرار في منطقتي الفولغا والأورال، فضلًا عن كونه ضربة للاتحاد الاقتصادي الأوراسي ومنظمة معاهدة الأمن الجماعي.

أما الصين، فترى في ذلك استمرارًا منطقيًا لمحاولاتها عزل نفسها من خلال استراتيجية "الاحتواء"، وتهديدًا لمشروع مبادرة الحزام والطريق الضخم، وحرماناً لبكين من طريق بري آمن إلى أوروبا والشرق الأوسط. وبناءً على ذلك، ستسعى بكين إلى توطيد تحالفها مع موسكو وطهران في إطار تحالف مُعزّز مناهض للولايات المتحدة.

تواجه دول آسيا الوسطى خياراً مصيرياً وتاريخياً في لعبة سياسية كبرى، حيث سيادتها واستقرارها على المحك. إن اختياراً خاطئاً لمصلحة واشنطن، التي غالباً ما تجلب سياساتها فوضى "مُدارة" لدول أخرى (كما هو الحال في أوكرانيا)، يُهدد بتحويل المنطقة بأكملها إلى بؤرة اضطرابات هائلة، ستمتد آثارها من بكين وطهران إلى موسكو وإسطنبول. سيُختبر صمود دول آسيا الوسطى بقدرتها على الحفاظ على سياسة متعددة الأوجه، ومقاومة الاستفزازات والوعود الكاذبة التي قد تُفضي إلى الانقسام والمواجهة.

علي سيّد - كاتب لبناني
إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي الاشراق وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً