"ذا إنترسبت" .. "تيك توك" بات تحت رحمة المعادين للفلسطينيين

الاشراق | متابعة.

موقع "ذا إنترسبت" الأميركي ينشر تقريراً يتناول التهديد الذي يواجه حرية التعبير والنقاش حول القضية الفلسطينية في الولايات المتحدة نتيجة صفقة بيع "تيك توك". 

التقرير يحلل كيف أن نقل السيطرة على "تيك توك" إلى مستثمرين أميركيين مؤيدين لـ "إسرائيل" يؤثر سلباً على حرية التعبير والمناقشة المفتوحة حول الانتهاكات الإسرائيلية في غزة، ويشير إلى صراع بين المصالح السياسية والحقوق الرقمية للمستخدمين.

أدناه نص التقرير منقولاً إلى العربية:

تُشكّل صفقة "تيك توك"، التي أُعلن عنها مؤخراً، تهديداً جوهرياً للنقاش الحرّ والنزيه حول الإبادة الجماعية المستمرة التي ترتكبها "إسرائيل" بحق الفلسطينيين في غزة. فبموجب هذه الصفقة، ستنقل شركة "بايت دانس" (ByteDance) الصينية، المالكة لتطبيق "تيك توك"، السيطرة على خوارزمية التطبيق وعملياته الأخرى في الولايات المتحدة إلى تحالف جديد من المستثمرين بقيادة شركة "أوراكل" (Oracle) الأميركية للتكنولوجيا. وستمنح هذه الصفقة، التي طال انتظارها، عضوَي مجلس إدارة "أوراكل" المليارديرين، لاري إليسون وسافرا كاتز، المؤيدين للرئيس ترامب، سلطة فرض أجندتهما المعادية للفلسطينيين على المحتوى الذي يشاهده مستخدمو "تيك توك". 

وقد تجاهلت معظم وسائل الإعلام الأميركية الرئيسة التي غطت صفقة "تيك توك" بشكل كامل الأجندة المعادية للفلسطينيين بشكل صريح لأكبر مستثمريها الغربيين. إذ لعب تطبيق "تيك توك" دوراً هاماً في مساعدة مئات الملايين من المستخدمين على رؤية الواقع المرير لحرب الإبادة الجماعية الإسرائيلية في غزة. لكن أصحاب المليارات، الذين يحظون بدعم ترامب وسيتولون إدارة عمليات "تيك توك" في الولايات المتحدة، يمتلكون أجندة موثقة لقمع الأصوات المنتقدة لـ"إسرائيل" ودعم "الجيش" الإسرائيلي نفسه الذي قتل عدداً كبيراً من المدنيين الفلسطينيين. ومن دون وجود ضمانات، من المحتمل أن تصبح عمليات "تيك توك" في الولايات المتحدة قريباً مجرد محاولة لمنع المستخدمين من رؤية الجرائم ضد الإنسانية التي يرتكبها حليف أساسي للولايات المتحدة والتفاعل معها.

يتمتّع كل من إليسون وكاتز بسجل موثق في دعم "إسرائيل" و"جيشها". إذ يُعد إليسون من كبار المتبرعين للـجيش" الإسرائيلي؛ ففي عام 2017 تبرع بمبلغ 16.6 مليون دولار لمنظمة "أصدقاء جيش الدفاع الإسرائيلي" (Friends of the Israel Defense Forces)، وهو ما كان آنذاك أكبر تبرع فردي للمنظمة غير الربحية على الإطلاق، كما أنه يُعد من المقربين لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. أما كاتز، الذي تنحى عن منصبه كرئيس تنفيذي لشركة "أوراكل" في أيلول/ سبتمبر، فكان صريحاً للغاية بشأن الأجندة الأيديولوجية للشركة. وقال الملياردير الإسرائيلي – الأميركي خلال تدشينه مركز بيانات جديداً لشركة "أوراكل" في القدس عام 2021: "أحب موظفيّ، وإذا لم يتفقوا مع مهمتنا المتمثلة في دعم إسرائيل، فربما لسنا الشركة المناسبة لهم. أنا ولاري ملتزمان علناً تجاه إسرائيل ونكرس وقتاً شخصياً لهذا البلد، ولا ينبغي لأحد أن يتفاجأ بذلك". كما نقلت عائلة إليسون أجندته المؤيدة لـ"إسرائيل" إلى شبكة "سي بي إس نيوز"، حيث عيّن ديفيد إليسون، نجل لاري، مؤخراً باري فايس، المنظّرة المعادية للفلسطينيين، رئيسة للتحرير.

لقد لعب تطبيق "تيك توك" دوراً هاماً في التحول الجذري للرأي العام الأميركي تجاه "إسرائيل"، لا سيما بين الشباب. ولهذا السبب، أدان مجلس العلاقات الأميركية - الإسلامية (CAIR)، وهي المنظمة التي أعمل بها، عملية البيع باعتبارها محاولة "يائسة" لإسكات الشباب الأميركي. وهذا الأمر لا يقل أهمية عن قدرة الناخبين الأميركيين على الاستمرار في رؤية ما يفعله "الجيش" الإسرائيلي بالفلسطينيين. ففي حين ركز عدد من وسائل الإعلام الرئيسة على تغطية حرب "إسرائيل" في غزة بما يتماشى مع وجهة نظر الحكومة الإسرائيلية، شاهد مستخدمو "تيك توك" مقاطع فيديو غير منقحة تُظهر الهجمات الإسرائيلية المروعة على المدنيين الفلسطينيين.

وهذه التأثيرات لا يمكن إنكارها؛ فقد أظهر استطلاع للرأي أجرته مؤسسة "بيو" (Pew) للأبحاث في آذار/ مارس ارتفاع نسبة عدم الرضا عن "إسرائيل" بين الجمهوريين الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و49 عاماً من 35% إلى 50%، في حين ارتفعت هذه النسبة بين الديمقراطيين من نفس الفئة العمرية بنحو 10 نقاط مئوية لتصل إلى 71%. وفي استطلاع آخر أجرته صحيفة "نيويورك تايمز" بالتعاون مع جامعة سيينا في أيلول/ سبتمبر، تبين أن 54% من الديمقراطيين أبدوا تعاطفاً أكبر مع الفلسطينيين، في حين أعرب 13% فقط عن تعاطف أكبر مع "إسرائيل".

وقد أوضح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أنه يدرك عواقب الوصول إلى وسائل التواصل الاجتماعي غير الخاضعة للرقابة. ووصف مؤخراً عملية بيع تطبيق "تيك توك" بأنها "أهم صفقة شراء تحدث... آمل أن تتم الصفقة لأنها قد تكون بالغة الأهمية". ويرى نتنياهو، الذي يواجه مذكرة توقيف من المحكمة الجنائية الدولية بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية في غزة، أن السيطرة على تطبيق "تيك توك" يُعد جزءاً من الاستراتيجية العسكرية الإسرائيلية. وقال: "يجب أن نقاتل بالأسلحة المناسبة لساحة المعركة، ومن أهمها وسائل التواصل الاجتماعي".

في عام 2024، وقّع الرئيس جو بايدن تشريعاً يُلزم شركة "بايت دانس" ببيع عملياتها في الولايات المتحدة. وقد أجبر هذا القانون على بيع "تيك توك" تحت طائلة التهديد بحظره نهائياً، ودخل حيز التنفيذ لفترة وجيزة في كانون الثاني/ يناير 2025. أما "الاتفاقية" الجديدة، التي يُقال إنها ستُبرم في 22 كانون الثاني/ يناير، فستؤدي إلى إنشاء مشروع مشترك جديد ومنفصل لتطبيق "تيك توك" سيتحكم في العمليات الأميركية وبيانات المستخدمين الأميركيين وخوارزمية التطبيق. وسيملك مستثمرون، من بينهم "أوراكل" ومجموعة "سيلفر ليك" (Silver Lake) للاستثمار المباشر وشركة "إم جي إكس" (MGX) التي تتخذ من أبوظبي مقراً لها، ما يزيد قليلاً عن 80% من أسهم الشركة الجديدة التي تحمل اسم "TikTok USDS Joint Venture LLC". وستحتفظ "بايت دانس" بحصة قدرها 19.9%.

وركّزت الحجج الرسمية لإجبار بيع التطبيق على منع الحكومة الصينية من مراقبة مستخدمي "تيك توك"، لكن بعض المسؤولين الأميركيين المنتخبين كانوا أكثر صراحة. ففي منتدى معهد ماكين (McCain Institute forum) في أيار/ مايو 2024، قال السيناتور ميت رومني في ذلك الوقت: "يتساءل البعض عن سبب هذا الدعم الساحق لإغلاق تيك توك وغيره من التطبيقات المماثلة. إذا نظرنا إلى المنشورات على هذا التطبيق وعدد الإشارات إلى الفلسطينيين، مقارنةً بمواقع التواصل الاجتماعي الأخرى، فسنجد أنها حاضرة بقوة في بثوث تيك توك".

ولهذا السبب، يجب على المدافعين عن حقوق الإنسان وحرية الصحافة العمل على التصدي لهذه الرقابة الحكومية وإلغاءها. وهذا يعني دعوة أعضاء الكونغرس الحاليين والمستقبليين، وكذلك الإدارات الرئاسية القادمة، إلى إلغاء هذا الاحتكار الإعلامي الخطير. إنّ سيطرة عائلة إليسون على "تيك توك" و"باراماونت" (Paramount)، وربما غيرها من المؤسسات الإعلامية الضخمة في المستقبل، تُشكل تهديداً للنقاش العام الحر والمفتوح حول السياسة الخارجية الأميركية، ولا سيما الدعم العسكري الأميركي لـ"إسرائيل". 

وقد بدأ بالفعل قمع الأصوات المعارضة. فحتى قبل  إقرار قانون 2024، شرعت منصة "تيك توك" في اتخاذ خطوات لإسكات المستخدمين الذين انتقدوا "إسرائيل". وفي تموز/ يوليو 2025، عيّنت "تيك توك" إريكا ميندل، وهي جندية إسرائيلية سابقة ذات سجل موثق في معاداة الفلسطينيين، لمراقبة خطاب المستخدمين على المنصة. وبالنظر إلى سجل "الجيش" الإسرائيلي الطويل في الدعاية وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، وخاصة تجاه الفلسطينيين، فإنه لا ينبغي منح أي جندي إسرائيلي سابق سلطة مراقبة كلام مستخدمي تطبيق "تيك توك". 

ومع ذلك، لطالما أظهر مستخدمو وسائل التواصل الاجتماعي الأذكياء قدرةً على التنظيم والتحايل على الرقابة المفروضة على هذه الوسائل، متنقلين بين المنصات بغض النظر عما حاول فعله أصحاب المليارات الغربيون أمثال إيلون ماسك ومارك زوكربيرغ. وستستمر هذه التحديات بأشكال جديدة، كما يتضح من حملة #TakeBackTikTok campaign التي أُطلقت مؤخراً. وتدعو هذه الحملة إلى "ثورة مستخدمين" يتحدى فيها مستخدمو "تيك توك" الأميركيون استحواذ "أوراكل" على الشركة، وذلك عبر إغراق المنصة بمحتوى يدعم تحرير فلسطين. وقد بدأ المنظمون عرض قضيتهم في نهاية الأسبوع الماضي باستعراض ضخم على مكاتب "أوراكل" في المملكة المتحدة.

وهذه مرحلة حاسمة. فنقل خوارزمية "تيك توك" من "بايت دانس" إلى "اوراكل" يعني أن محتوى المنصة سينتقل من سيطرة شركة خاضعة لنفوذ حكومة صينية ترتكب إبادة جماعية ضد الإيغور إلى سيطرة مستثمرين أميركيين يسعون لإسكات معارضة مستخدمي "تيك توك" للإبادة الجماعية التي ترتكبها "إسرائيل" في غزة. وبمجرّد أن يسيطر المستثمرون وأصحاب الأيديولوجيات المعادية للفلسطينيين من أصحاب المليارات على منصة "تيك توك"، سيحتاج مستخدموها المنتقدون لـ"إسرائيل" إلى بذل جهد أكبر وابتكار أساليب أكثر فعالية لتجنب قمع حرية التعبير. واليوم، يدعم ملايين المواطنين الأميركيين إنهاء الدعم الدبلوماسي والعسكري غير المشروط لـ"إسرائيل". ويدرك أصحاب المليارات المعادون للفلسطينيين، أمثال إليسون وكاتز، هذا الأمر تماماً، ويقع على عاتقنا التصدي لمحاولاتهم لتقويض إرادة الشعب.

نقلته إلى العربية: زينب منعم.

إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي الاشراق وإنما تعبّر عن رأي الصحيفة حصراً