"فورين بوليسي" .. اتفاقيات السلام الزائفة التي أبرمها ترامب خطيرة!

الاشراق | متابعة.

مجلة "فورين بوليسي" الأميركية تنشر مقالاً يناقش فشل إدارة دونالد ترامب في تحقيق السلام الدولي، مركّزاً على أنّ مزاعمه بشأن إنهاء الحروب عالمياً لم تُثمر نتائج حقيقية، وأنّ جهوده غالباً ما كانت شكلية أو دعائية. كما يستعرض المقال عدة مناطق وصراعات عالمية (غزة، أوكرانيا، السودان، الكونغو، الهند وباكستان، نهر النيل بين مصر وإثيوبيا) كمثال على عدم فاعلية سياساته أو وساطاته.

أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية:

مع حلول موسم الأعياد، تُعدّ هذه مناسبة مثالية لتذكير القراء بأهمية السلام والخطوات التي ينبغي اتخاذها لتعزيزه وجعله أكثر استدامة. وقد لاحظتُ سابقاً أنّ قادة الولايات المتحدة في الآونة الأخيرة قد قلّلوا من الحديث عن السلام بالقدر الكافي (وأقلّ بكثير من أسلافهم)، وهو أمرٌ مُثير للدهشة بالنظر إلى اهتمام الولايات المتحدة الواسع بعالمٍ أكثر سلاماً.

ويُعتبر الرئيس الأميركي دونالد ترامب استثناءً في هذا الصدد. فهو يتحدث كثيراً عن السلام، غالباً ليُصرّ على استحقاقه لجائزة نوبل للسلام (إضافة إلى تلك الجائزة الغريبة التي منحه إياها مؤخراً رئيس الفيفا جياني إنفانتينو). وقد ادّعى أنه أنهى 8 حروب على الأقل؛ ولكن للأسف، هذا الادعاء لا يقلّ زيفاً عن فكرة أنّ "جامعة ترامب" كانت مكاناً جيداً لتلقّي التعليم. فبدلاً من إنهاء الصراعات بشكلٍ حقيقي، يُركّز ترامب على خطة سلامٍ شكلية: "اتفاق" رمزي يُعلن عنه بضجةٍ كبيرة ثم ينهار سريعاً.

في غزة، على سبيل المثال، لم تُنهِ خطة السلام ذات العشرين بنداً، التي أشاد بها ترامب واصفاً إياها بأنها "ليست نهاية حرب فحسب، بل نهاية عهد من الإرهاب والموت"، العنف في قطاع غزّة. بل على العكس، سهّلت هذه الخطة احتلال "إسرائيل" التدريجي للضفة الغربية ومعاملتها الوحشية للفلسطينيين هناك.

قُتل ما يقرب من 400 فلسطيني منذ التوصل إلى وقف إطلاق النار (إلى جانب عدد قليل من الجنود الإسرائيليين) في تشرين الأول/أكتوبر، ولا تزال المساعدات الإغاثية محدودة وغير كافية، ولم تُشكّل قوات حفظ السلام التي كان من المفترض أن تشرف على المراحل اللاحقة من وقف إطلاق النار. وهل يعتقد أحد بجدية أنّ اللغة المبهمة عمداً في الخطة، والتي تتحدث عن "مسار نحو دولة فلسطينية مستقبلية"، حقيقية أو يُرجّح أن تُفضي إلى أي نتيجة؟ لم تكن الخطة خطوة نحو سلام حقيقي، بل كانت مجرد ستار لجهود متواصلة لإنشاء "إسرائيل الكبرى" ومحو الفلسطينيين في نهاية المطاف ككيان سياسي ذي قيمة.

وبالمثل، فقدت مزاعم ترامب بإنهاء الحرب الحدودية بين كمبوديا وتايلاند مصداقيتها بفعل أحداث عديدة: فقد استأنفت الدولتان القتال مؤخراً، ورد رئيس الوزراء التايلاندي أنوتين تشارنفيراكول على مكالمة هاتفية لاحقة مع ترامب برفض دعوات وقف إطلاق النار، مصرحاً: "ستواصل تايلاند القيام بعمليات عسكرية حتى لا نشعر بأي أذى أو تهديد لأرضنا وشعبنا".

ويتكرر النمط المأسوي نفسه في جمهورية الكونغو الديمقراطية، حيث استأنفت ميليشيا حركة "23 مارس" المدعومة من رواندا هجماتها على القوات الكونغولية ووسعت نطاق سيطرتها على الأراضي. حتى أنّ وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو أقرّ بأنّ هذا "انتهاك صارخ" لوقف إطلاق النار الذي يُفترض أن ترامب توسط فيه.

وفي السودان، باءت الجهود الأميركية لإنهاء الحرب الأهلية الوحشية هناك بالفشل.

وفي الهند، فنّد رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي مزاعم ترامب بوقف بعض المناوشات الحدودية القصيرة بين الهند وباكستان (ما أثار غضب ترامب).

وأيضاً، لا تزال مصر وإثيوبيا على خلافٍ بشأن مشروع سدٍّ مثيرٍ للجدل على نهر النيل، رغم تدخلات ترامب المتقطعة.

وفي جميع هذه الحالات، فإن مزاعم ترامب بتحقيق السلام ما هي إلا دعايةٌ لا أساس لها.

وينطبق الأمر نفسه على أوكرانيا: خلال حملته الرئاسية، تفاخر ترامب بأنه سينهي الحرب هناك "في غضون 24 ساعة"، وهو ادعاء كان سخيفاً حين أطلقه، ولم تُثمر جهوده المتقلبة لإقناع الطرفين بوقف القتال.

ولا ننسى أنّ هذه الجهود السلمية غير الفعّالة تُصاحبها أعمال تُؤجّج نيران الحرب في أماكن أخرى. فقد تحالف ترامب مع "إسرائيل" عندما هاجمت إيران؛ وأمر بشن غارات جوية أو صاروخية في أفغانستان ونيجيريا والصومال وليبيا والعراق وسوريا واليمن؛ وترتكب إدارته عمليات قتل خارج نطاق القضاء بحق مشتبه بهم في تهريب المخدرات في منطقة الكاريبي، في انتهاك صارخ للقانون الأميركي والدولي. كما يُهدد ترامب باستخدام القوة العسكرية لإطاحة حكومة الرئيس نيكولاس مادورو في فنزويلا. هذه ليست سيرة ذاتية تُؤهله لوصف "صانع سلام".

إنهاء الحروب وإرساء سلام دائم ليسا بالأمر الهين، وعادةً ما يتطلب ذلك انتصاراً حاسماً لأحد الطرفين (يتبعه تسوية معقولة تثني الطرف المهزوم عن محاولة تغيير النتائج) أو اعترافاً متبادلاً بأنه لا جدوى من استمرار القتال. في الحالة الأخيرة، يجب على كلا الطرفين تقبّل حقيقة أنهما لن يحصلا على كل ما يريدان، والتركيز بدلاً من ذلك على الحصول على ما يكفيهما من مقومات الرضى.

في كلتا الحالتين، ثمة تفاصيل عديدة لا بد من تحديدها، تشمل مواقع الحدود، والتعويضات المحتملة، وإعادة السجناء إلى أوطانهم، واستئناف العلاقات الدبلوماسية، والضمانات الأمنية بمختلف أنواعها، وآليات (مثل نشر قوات حفظ سلام محايدة) لمراقبة بنود الاتفاق وتخفيف "مشكلة الالتزام" (أي احتمال تراجع أحد الطرفين عن التزاماته مستقبلاً). ومن المأمول أن يمهد اتفاق السلام الطريق نحو مصالحة طويلة الأمد، وهي عملية تستغرق عادةً وقتاً طويلاً. ويمكن لوسطاء محايدين من أطراف ثالثة تيسير كل هذه الخطوات والمساعدة في ضمان التزام الاتفاق.

ترامب صانع سلام فاشل لأنه وفريقه يتجاهلون كل هذه المتطلبات. ترامب نفسه معروف بنفاد صبره وعدم اهتمامه بالتفاصيل. ترامب ليس راغباً ولا قادراً على بذل الجهد ووضع مقترحات مبتكرة لسد الفجوات بين المتحاربين. ولأنه لا يولي اهتماماً يُذكر، يعلم خصومه أن بإمكانهم ببساطة انتظاره والعودة إلى القتال بمجرد أن ينتقل إلى موضوع آخر.

لا يُعدّ التدخل الرئاسي المباشر شرطاً أساسياً، بالطبع، شريطة أن يُعيّن الرئيس ممثلين أكفاء لتولي زمام الأمور نيابةً عنه. لسوء الحظ، يُفضّل ترامب الاعتماد على دبلوماسيين هواة، مثل ستيف ويتكوف أو جاريد كوشنر، بدلاً من الدبلوماسيين المحترفين ذوي الخبرة اللازمة، ولا يثق بقدرة المسؤولين ذوي الخبرة على تحديد جدوى أي اتفاق مُحتمل. هنا، تُعتبر عداوة ترامب تجاه الدولة العميقة جرحاً ألحقه بنفسه، لأن المشورة الخبيرة قيّمة للغاية، ويميل الدبلوماسيون المحترفون إلى التفوق على المعينين سياسياً. وكما قال جوناثان مونتن من جامعة كوليدج لندن مؤخراً: "يريد [ترامب] أن يُنظر إليه على أنه في قلب الأحداث... لذا فإن جودة الإعداد، وجودة الخبرة، وجودة المفاوضات الدبلوماسية، جميعها متدنية للغاية".

حتى المدافعون المُحتملون عن "دبلوماسية ترامب المُتهوّرة" أقرّوا بأنه "إذا بُني السلام على اتفاقيات جوفاء، على أوراق مُسطّحة بنقاط مُلخّصة يُلوّح بها في حديقة البيت الأبيض، فقد لا يدوم السلام طويلاً".

علاوة على ذلك، لم يتسم ترامب وبعض مبعوثيه بالحياد. ونتيجة لذلك، لا يثق بهم بعض الأطراف المتحاربين، ومن المرجح أن يسعى الوسطاء إلى حلول أحادية الجانب لا طائل منها أو تنهار بعد توقيعها بفترة وجيزة. وقد برزت هذه المشكلة بشكل جليّ في الشرق الأوسط، نظراً لتعاطف ويتكوف وكوشنر والسفير الأميركي لدى "إسرائيل"، مايك هاكابي، مع "إسرائيل"، كما تتجلى أيضاً في ازدراء ترامب لأوكرانيا وإعجابه بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

ويُحسب لترامب أنه يبدو حذراً حقاً من الصراعات العسكرية الكبرى، ولا سيما تلك التي تتطلب استخدام القوات البرية أو غيرها من المخاطر الجسيمة، ويبدو أنه يُدرك أن الحرب مكلفة وتُعيق إبرام الصفقات التجارية المربحة. هذه غرائز سليمة، لكن الأمر يتطلب أكثر من ذلك لحل النزاعات الكبرى وتجنب زرع بذور المشاكل المستقبلية.

لو سألتموني عن الهدية التي أتمناها في موسم الأعياد هذا، لقلتُ نهجاً لصنع السلام لا ينظر إليه كتمرينٍ للعلاقات العامة أو كاستعراضٍ رئاسي، بل كتحدٍّ صعبٍ يستحق مع ذلك بذل جهدٍ جاد.

وكما كتبتُ سابقاً، فإن السلام العالمي يصبّ في مصلحة الولايات المتحدة، لأن الصراعات الكبرى من الأمور القليلة التي قد تُلحق ضرراً دائماً بمكانة الأمة الآمنة والمتميزة. كما أن السلام أفضل من الناحية الأخلاقية، لأن الحرب تُخلّف معاناةً إنسانيةً كبيرة. قد لا يُنهي أخذ صنع السلام على محمل الجد جميع الصراعات القائمة أو يمنع نشوب صراعات جديدة، ولكنه سيزيد من احتمالية إنهاء بعضها على الأقل. في موسم الأعياد هذا، ستكون هذه هديةً في غاية الترحيب.

إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي الاشراق وإنما تعبّر عن رأي الصحيفة حصراً