أجساد مبتورة وأحلام محطّمة: حصار الاحتلال يضاعف المأساة في غزة
الاشراق | متابعة.
تعرّض أكثر من 42 ألف شخص في قطاع غزة لإصابات غيّرت مجرى حياتهم، إثر الاستهداف المباشر من قبل جيش الاحتلال الإسرائيلي خلال جريمة الإبادة الجماعية المستمرة في قطاع غزة منذ أكثر من عامين، من بينهم 6000 شخص تعرّضوا لإصابات بتر في الأطراف، وسط انعدام شبه كامل لمستلزمات الأطراف الصناعية والتأهيل الطبي.
وعبّر داوود عيد (19 عاماً) عن حزنه الشديد على الوضع الصحي الذي وصل إليه إثر إصابته التي حرمته من السير على قدميه، وقال «في الخامس والعشرين من آب 2025 توجهتُ لتفقد منزلنا الذي استهدفه جيش الاحتلال الإسرائيلي علّني أجد فيه ما يسد احتياجاتنا من ملابس وأغطية».
وأضاف: «أثناء محاولتي استخراج بعض الفراش من بين الركام، وإذ بانفجار يهزّ المكان، تبيّن أنّه كان من مخلفات الاحتلال الإسرائيلي، ما أدّى إلى استشهاد ابن عمي على الفور بينما فقدتُ إحدى الأرجل في المكان، بينما بُترت الأخرى بعد خمسة أيام من محاولات الأطباء الحفاظ عليها».
ويواجه الشاب داوود صعوبات جمّة في حياته إثر الإصابة وفقدان أقدامه، «فقد أثّرت بشكل كبير في حياتي النفسية والاجتماعية والمستقبلية»، وقال: «قبل حرب الإبادة كنت أدرس الثانوية العامة وكان حلمي أن أكمل دراستي خارج البلاد، بينما الآن أصبح حلمي أن أجد العلاج المناسب لصحتي وتركيب طرف صناعي».
وناشد الشاب داوود «العالم، أن ينظروا إليّ بعين الرأفة والرحمة ويساعدوني في السفر وإكمال العلاج كي آخذ حقي في العيش مثل أي شاب يكمل دراسته ويواصل حياته بعزة وكرامة».

وفي مركز الأطراف الصناعية التابع لبلدية غزة، حضر الأربعيني أبو محمد كي يسجّل في المركز علّه يحظى بفرصة تركيب طرف صناعي أو الحصول على عربة كهربائية أو متحركة يتمكن عبرها السير في شوارع غزة المدمرة.
وبصوت يمتزج بالحزن والألم، قال أبو محمد وهو يشير إلى ركبتيه اللتين يتكئ عليهما: «أنا أتألم بشكل كبير ومتواصل لأنني أمشي على ركبتي بعدما بُترت أطرافي من أسفل الركبة، رغم أنّ المشي عليهما يؤذيهما ويؤخر في علاجهما»، مشيراً إلى أنّ معاناته لا تتوقف عند الأطراف، «ما بلاقي مسكنات أو أي علاج مهدئ للآلام نتيجة الجروح والإصابات التي في جسدي»، وطالب المؤسسات الدولية بالعمل على فتح المعابر وتسهيل خروجه للعلاج «حتى أتمكن من العودة إلى أطفالي وإعالتهم بدلاً من أن أصبح عالة عليهم».
أرقام وإحصائيات
في السياق، قالت منظمة الصحة العالمية، في بيانٍ، إنّ نحو 42,000 شخص في قطاع غزة يعانون من إصابات غيّرت مجرى حياتهم بسبب حرب الإبادة الجماعية.
وأوضحت المنظمة أنّ ربع تلك الإصابات حدث بين الأطفال والذين يقدَّر عددهم بـ21 ألف طفل، بينما بلغ عدد النساء ما يقرب من 2500 امرأة أثرت الإصابة في حياتهن إلى الأبد.
وأشارت إلى أنّه بالإضافة إلى آلاف حالات الإصابة بالبتر، تنتشر إصابات شديدة أخرى، بما فيها إصابات الذراعين والساقين، وإصابات الحبل الشوكي، وإصابات الدماغ، والحروق الكبرى، ما يزيد الحاجة إلى خدمات جراحية متخصصة وإعادة التأهيل، ويؤثر بعمق في المرضى وعائلاتهم في جميع أنحاء قطاع غزة.
ولفتت المنظمة إلى أنّ عدداً من إصابات الوجه والعين المعقدة تنتشر بين المصابين، خاصةً بين المرضى المُدرجين للإخلاء الطبي خارج غزة، و«هي حالات غالباً ما تؤدي إلى تشوه وإعاقة ووصم اجتماعي».
بدورها، أكّدت وزارة الصحة الفلسطينية في قطاع غزة أنّ أوضاعاً صادمة تعصف بالجرحى المبتوري الأطراف في قطاع غزة، مشيرةً إلى أن 6000 حالة بتر بحاجة إلى برامج تأهيل عاجلة طويلة الأمد، 25% منهم من الأطفال الذين سيواجهون إعاقات دائمة في سن مبكر.
وأوضحت الوزارة، في تصريحٍ صحافي، أنّ عدد المعاقين في القطاع قبل الحرب كان يقدر بـ55 ألف معاق، 53% منهم ذكور و18% أطفال، مستدركةً: «نسبة الإعاقة ارتفعت بعد الإبادة الإسرائيلية على قطاع غزة، حيث أضيفت أكثر من 7 آلاف إعاقة جديدة، من بينها 6 آلاف حالة بتر».
ولفتت الوزارة إلى أنّ «1200 حالة من ذوي الإعاقة بحاجة إلى التحويل للعلاج في الخارج، لكن الاحتلال الإسرائيلي بمنعه فتح المعابر يمنع هؤلاء من العلاج ويقضي على أملهم في الحياة».
من جانبه، قال المتحدث باسم بلدية غزة، حسني مهنا، إنّ ما يزيد على 3000 حالة بتر سُجلت لدى مركز الأطراف الصناعية الذي تشرف عليه بلدية غزة، «تعاملنا مع أكثر من 1700 حالة خلال العامين الماضيين رغم نقص الموارد والمواد الخام».
وأشار المتحدث باسم بلدية غزة إلى أنّ المركز يعاني نقص المعدات اللازمة لتصنيع الأطراف الصناعية، «ما أدّى إلى التأخر في تزويد آلاف المصابين الذين يسعون إلى تركيب طرف صناعي علّهم يستعيدون شيئاً من حياتهم في ظل واقع مؤلم ودمار كبير في البنية التحتية».
وطالب مهنا المؤسسات الدولية والمعنية بالضغط على الاحتلال الإسرائيلي وإدخال الأطراف الصناعية والمواد الخام اللازمة لصناعتها حتى يتمكن المصابون من العيش بكرامة كغيرهم من الناس.