قراءة في نص الطلب: أيهما يطلب العفو من الآخر… نتنياهو أم الدولة؟

الاشراق | متابعة.

غيدي فايس هذه هي أكثر الأيام صعوبة التي عرفها المتهم رقم واحد منذ بدأت محاكمة ملفات الآلاف. الجلسات في الأسابيع الأخيرة التي استكمل فيها التحقيق المضاد في الملف ألف، وبدأ التحقيق فيها المضاد في الملف 4 آلاف، ورطته في شبكة مليئة بالأكاذيب والتناقضات. كل من يقرأ النصوص من المحكمة ويعرف الدلائل في الملفات يدرك أنه ما من قوة يمكنها إنقاذ نتنياهو من الإدانة، على الأقل في عدد من الجرائم المنسوبة له. وحتى ليس تشكيلة القضاة الرحيمين والشفوقين الذين يناقشون قضيته.

 في طلب العفو الذي قدمه نتنياهو لرئيس الدولة إسحق هرتسوغ لا يوجد ذكر لذلك. الوثيقة التي وقع عليها عميت حداد هي طلب العفو الأكثر وقاحة في تاريخ مؤسسة الرئاسة. نتنياهو لا يأخذ على عاتقه أي قدر ضئيل من المسؤولية عن أفعاله، ولا يعتذر، وغير مستعد لدفع أي ثمن مقابل بادرة حسن النية المأمولة. الطلب يشير إلى منظومة إنفاذ القانون كمنظومة مجرمة، والمتهم كضحية لها. “التحقيقات الجنائية بشأن رئيس الحكومة رافقها سلوك استثنائي، مخالف للقانون، من قبل سلطات إنفاذ القانون”، كتب في الطلب.
الشخص الذي فكك المجتمع الإسرائيلي بصورة منهجية إلى درجة إيصاله إلى حرب أهلية باردة، والذي جلب على الإسرائيليين 7 أكتوبر – لا نريد التحدث عن الاتهامات الموجهة إليه – يوصف كمن أنقذ إسرائيل من أعدائها. أحد العناوين الثانوية في الطلب هو “الإسهام العظيم لرئيس الحكومة لدولة إسرائيل والمجتمع الإسرائيلي”. حسب رأيه، الدولة هي التي كان يجب عليها طلب العفو من الرئيس. وليس عبثاً ذكر طلب العفو الذي أعطاه الرئيس الأمريكي جيرالد فورد لسلفه ريتشارد نيكسون، الذي “رفض بصورة واضحة الاعتراف بكل تهمة من جانبه”؛ وليس عبثاً عدم الإشارة فيه إلى أن نيكسون استقال من الرئاسة بسبب تورطه في قضية “ووتر غيت”.
لا نية لنتنياهو للتصرف مثله. العفو مطلوب كي يستطيع “تكريس كل وقته وإمكانياته وقوته للمضي بدولة إسرائيل في هذه الأوقات الحاسمة”، وأن “العفو سيمكن من رأب الصدوع بين أقسام الشعب المختلفة”. مؤسس آلة السم المفترسة، التي سحقت ونغصت حياة المحققين والشهود والقضاة والمراسلين الذين اعتبرتهم تهديداً، يعمل الآن على رأب الصدوع التي أحدثها هو نفسه. ويخطط أيضاً لـ “التعامل مع قضايا أخرى مثل منظومة العدالة والإعلام” – أي العودة إلى مسرح الجريمة التي نتج عنها آلاف القضايا. سيكون العفو أكبر هدية للشخص الذي شن إرهاباً مستمراً ضد من اعتبرهم المسؤولين عن محاكمته. إن الرسالة الموجهة للمتهمين أصحاب الامتيازات – اقتحموا مؤسسات الدولة بلا رحمة، واهربوا من تهديد العدالة – هذه رسالة سيدوي صداها لسنوات قادمة.
نتنياهو يعرف أن من يجلس في مقر الرئيس شخص انتظر هذا الطلب بفارغ الصبر. في الواقع، تسلسل الأحداث كلها – بدءاً بالضغط الذي استخدمه وزراء الليكود على الرئيس ومروراً بطلب ترامب وتلميح هرتسوغ (“المحاكمة تثقل على المجتمع الإسرائيلي”) وانتهاء بالطلب الرسمي – تنبعث منه رائحة ثقيلة من التنسيق. صحيفة “هآرتس” كشفت مؤخراً أن هرتسوغ عمل على العفو قبل انتخابه لهذا المنصب. والرئيس نفى ذلك، ولكنه للأسف لا يقول الحقيقة. لقد أيد الفكرة بشدة عندما كان زعيم المعارضة، (ثم كرئيس الوكالة اليهودية)، بل وناقش الأمر مع سلفه رؤوبين ريفلين. في العام 2019 عندما قال غانتس إنه لا يستبعد العفو عن نتنياهو إذا اعتزل الحياة العامة، فرح هرتسوغ، وقال لأحد أتباعه: “ممتاز، تصريح مهم جداً”. هو يدعي بشدة بأنه لم يكن أي اتفاق بينه وبين رئيس الوزراء بشأن دعم ترشحه مقابل العفو. البعض يتذكره عشية الانتخابات الرئاسية، وهو يكرر عبارة “أعرف كيف أحل الأسرار المعقدة”، وهذه رسالة وصلت إلى مؤيدي نتنياهو. شخص يعرف رئيس الوزراء جيداً يقول: “ربما كان يعرف عن موقف هرتسوغ من العفو، وأنه كان المرشح الأمثل لمنحه إياه – شخص من المعسكر السياسي المعارض وكان يتنافس معه على رئاسة الوزراء”.
وعلى فرض أنه لم تكن هناك صفقة صريحة بينه وبين نتنياهو، فإن سلوك هرتسوغ الغريب في هذه العملية يثير الشك الجدي حول حكمه على القضية. ومثلما كشفت صحيفة “هآرتس”؛ بينما كان التحقيق جارياً قام بزيارة الشاهدة الرئيسية هداس كلاين، وطلب منها وضع الهواتف جانباً، وقدم لها رواية المشتبه فيه في القضية ألف. وقالت كلاين عن هذا الموقف: “جاء ليعبث برأسي”. كان من المفروض التحقيق معه، وبالتأكيد كان عليه الابتعاد عن أي انشغال في هذا الأمر. كان عليه على الأقل أن يرد على نتنياهو على الفور: “لست العنوان، خصوصاً الآن. أرسل محامي دفاعك إلى النائب العام من أجل التوصل إلى اتفاق إقرار بالذنب، وعندها ستفتح أمامك طريق طلب العفو. ولكن في إسرائيل 2025، لم يعد هناك أي شيء يؤخذ على محمل الجد، والآن الكرة في ملعب الرئيس”.
في حينه، تعهد هرتسوغ لرجال قانون كبار، من بينهم رئيس المحكمة العليا السابق اهارون براك، بأنه لن يقوم بخطوة استثنائية جداً خلافاً لموقف غالي بهراف ميارا، وأن العفو سيكون مقروناً بنزول نتنياهو عن المنصة. في المقابل، الطريقة التي عمل فيها منذ انطلاق الانقلاب النظامي، أوضح بأنه مستعد للذهاب بعيداً من أجل نتنياهو وشركائه. إلى أي درجة هذا البعد؟ سيتبين هذا في الفترة القريبة القادمة.
ناحوم برنياع
هآرتس 1/12/2025

لا تتبنى الاشراق بالضرورة الاراء والتوصيفات المذكورة.