«شفرة العلمين»... يوميات قائد عسكري راحل

الاشراق | متابعة.

برغم أنها العمل الإبداعي الثاني فقط لمؤلفها مدحت نافع الذي حقق شهرة وانتشاراً كأحد المحللين الاقتصاديين، فإن رواية «شفرة العلمين» الصادرة عن دار «الشروق» بالقاهرة تحمل نفساً سردياً قوياً وقدرة على تقديم حبكة درامية متماسكة مع بناء يجمع بين العمق والتشويق على هامش معركة «العلمين» الشهيرة التي دارت بصحراء مصر الغربية في أثناء الحرب العالمية الثانية بين قوات الحلفاء بقيادة برنارد مونتغمري وقوات المحور بقيادة إرفين روميل.

يقوم الحدث الرئيسي على اكتشاف مذكرات حرب مفقودة وحروف غامضة بين صفحات يوميات قائد عسكري راحل، تثير فضول «آرثر» باحث التاريخ الشاب، فيندفع في رحلة مثيرة بحثاً عن حقيقة مدفونة في رمال مدينة «العلمين» تعيده لعام 1942 حيث تتكشف قصة حب مستحيلة ومؤامرة دولية تهدد بقلب الموازين.

تعود الأحداث إلى حقبة الأربعينيات لترصد تبعات لقاء عابر في مدينة الإسكندرية الساحلية على نحو يشعل شرارة حب بين «حسن علي» عالم الكيمياء المصري النابغة الذي يعمل سراً مع البريطانيين لتطوير تركيبة مذهلة و«أدريانا» الفتاة الإيطالية الساحرة التي تجبرها الظروف على التجسس عليه، إذ سرعان ما يتحول هذا الغرام إلى صراع مدمر بين الواجب والرغبة، وبين الخيانة والولاء.

على ضوء ذلك، تسعى الرواية لإعادة رسم التاريخ بهدف قراءته من منظور مختلف، كما تستهدف إثارة أسئلة حول مفهوم الحقيقة وثمن النصر عبر دراما رومانسية محفوفة بالخطر والموت في زمن الحرب.

ومدحت نافع كاتب وأكاديمي مصري حاصل على درجة الدكتوراه في الاقتصاد، كما يشغل عدة مناصب منها «أستاذ الاقتصاد المهني» بجامعة «النيل» وعضو مجلس إدارة المركز القومي للبحوث والدراسات الاجتماعية والجنائية. صدرت له رواية «شعيب» عام 2016.

ومن أجواء الرواية نقرأ:

«في نحو مائة وخمسين صفحة من القطع المتوسط كانت يوميات هارولد شديدة الصرامة والتنظيم، تخلو من لمسات البلاغة والمحسنات والصور، فهو رجل عسكري يسرد أحداثاً وكأنه يمليها على أحد جنوده كي يبرقها إلى القيادة العامة للجيش، أو هو يدفعها دفعاً من ذاكرته كأنما يريد أن يتخلص من قيدها ويتركها لمن يحمل عنه أمانتها. لولا هذا ما ترك مذكراته بين أكوام من الأوراق الأقل أهمية في غرفة مكتبه. لم تخل الأحداث المروية مع ذلك من الإثارة والارتباك، حتى كسرت بسخونتها سياج كلماته المتراصة في سطورها الجامدة كالجند في طابور العرض».

الصفحة الأولى مثلاً خلت من أي تقديم أو إهداء فقد بدأت بتاريخ هو 1 يونيو (حزيران) 1942 عندما تلقى البريجدير هارولد أوامر القيادة العامة للجيوش بالتحرك بقواته من طبرق إلى الشرق لتعزيز القوات البريطانية في مصر وتحديداً في الشمال الغربي بموقع يبعد 15 ميلاً شرق مرسى مطروح. يذكر هارولد في حاشية الصفحة بحبر مختلف يبدو أنه لم يُكتب في ذات تاريخ التدوين الأصلي أنه من المحتمل أن القيادة قد شعرت بدنو سيطرة قوات المحور على طبرق وكانت تخشى من سقوط مصر في يد قوات رومل.

في الصفحة الثلاثين يسرد هارولد بتفصيل ممل أحداث يوم عادي جداً مر به في منتصف يونيو، كيف تفّقد القوات لرفع معنوياتهم ونقل تقدير تشرشل الخاص لهم، كيف تسلم البرقيات وأشرف على فك شفراتها وكيف وجد جنوده صعوبة في معالجة آبار المياه العذبة بعدما غور بعضها بسبب الرياح المحملة بالأتربة الكثيفة لكن مخزون المياه كان كبيراً بما يكفي لأسابيع.

بينما تنقل الصفحة رقم أربعة وخمسين مثلاً يوماً عبوساً سقط فيه مئات القتلى جراء قصف جوي إيطالي في نحو أربعة أسطر فقط.