اتخاذ القرارات على معدة فارغة فكرة سيّئة؟
الاشراق | متابعة.
تبدأ القصة بجملة قد تكون سمعتها طوال حياتك: «لا تتخذ أي قرار وأنت جائع». نصيحة أمّهات كثيرة، وغالباً ما تعاملنا معها كتحذير مبالغ فيه… لكن يبدو أن العلم يقف إلى جانبهنّ اليوم.
فقد كشف بحث حديث صادر عن جامعة دندي، ونقلته Times of India، أن اتخاذ القرارات على معدة فارغة لا يغيّر فقط ما نضعه في عربة المشتريات، بل يغيّر بالفعل طريقة تفكيرنا وتقييمنا للأمور.
الدراسة المنشورة في مجلة Psychonomic Bulletin & Review توضح أن الجوع يجعلنا أقل صبراً وأكثر ميلاً إلى تفضيل المكافآت الصغيرة الفورية على المكافآت الأكبر المؤجّلة، وهذا يشمل القرارات المالية والشخصية أيضاً.
الجوع… وكيف يقود إلى قرارات خاطئة
قد تبدو هذه التجربة مألوفة لك: تذهب إلى السوبرماركت جائعاً، فتعود بأصناف لا علاقة لها بما خرجت من أجله. لكن الدراسة تشير إلى أن المشكلة لا تتوقف هنا. البحث يحذّر من اتخاذ أي قرار مهم يخص المستقبل أثناء الجوع.
في التجربة التي أجراها الدكتور بنجامين فنسنت وفريقه، طُلب من المشاركين الإجابة عن أسئلة تتعلّق بالطعام والمال والمكافآت الأخرى في حالتين: بعد تناول وجبة، ومرة أخرى بعد تخطي وجبة.
وكانت النتيجة واضحة تماماً: المشاركون الجائعون فضّلوا مكافآت صغيرة وسريعة، حتى عندما كانت المكافآت الأكبر تستحق الانتظار.
المثير للاهتمام أن هذا التأثير طال المكافآت غير المرتبطة بالطعام أيضاً، أي أنه تغيّر أعمق في التفضيلات والسلوك، وليس مجرد استجابة للرغبة في الأكل.
كيف يؤثر الجوع في تفضيلاتك من دون أن تشعر؟
يشير الدكتور فنسنت إلى أن الجوع قد يغيّر ميولنا بطرق غير متوقعة. والمقلق أن هذا التأثير قد يكون أكثر حدّة لدى الأشخاص الذين يعانون من الجوع المرتبط بالفقر، ما قد يقودهم إلى قرارات تزيد من صعوبة تحسين وضعهم.
ويقول فنسنت: «وجدنا أن الجوع يغيّر تركيز الناس جذرياً من المدى الطويل إلى المدى القصير. وهذا جانب من السلوك يمكن للمسوّقين استغلاله».
ويضيف أن الأمر لا يقتصر على الطعام: «حتى التحدث مع مستشار تقاعد أو رهن عقاري وأنت جائع قد يجعلك تهتم بالإشباع الفوري على حساب مستقبل أفضل».
أين يذهب الصبر عندما نجوع؟
في جزء آخر من الدراسة، اختبر الباحثون 50 مشاركاً مرّتين: مرة بعد تناول الطعام، ومرة بعد الامتناع عنه.
النتائج كانت صارخة:
* الأشخاص الذين يشعرون بالشبع كانوا مستعدين للانتظار 35 يوماً للحصول على مكافأة مضاعفة.
* الجائعون قبلوا الانتظار 3 أيام فقط!
يقول فنسنت إن هذه النتائج تؤكد أن الجوع يجعل اتخاذ القرار أكثر اندفاعاً وتركيزاً على الحاضر، ليس فقط في ما يتعلق بالطعام، بل بالقرارات اليومية والمالية أيضاً.
ويشير إلى أن الجوع حالة شائعة جداً بين أطفال يذهبون إلى المدرسة من دون إفطار، وحميات قاسية، وصيام ديني، وهو ما يزيد أهمية فهم تأثيراته الخفية في التفكير.
خلاصة: ليس مجرد جوع… بل تحوّل في طريقة اتخاذ القرار
تشير دراسات أخرى، من بينها بحث نُشر عام 2021 في *Springer Nature*، إلى أن الجوع يدفع الدماغ نحو أنماط تعلّم بدائية تعتمد على المكافآت السريعة، بدلاً من التفكير البعيد المدى.
لذلك فإن اتخاذ القرارات الكبيرة، مهنياً، مالياً، أو حتى عائلياً، على معدة فارغة قد يكون أسوأ توقيت ممكن.
الدرس النهائي بسيط وقديم: كُل/ي أولاً… ثم قرّر/ي!