لماذا تتعثر جهود التنوير في الثقافة العربية؟
الاشراق | متابعة.
تسعى الدكتورة منى أبو سنة، أستاذة الأدب الإنجليزي بجامعة عين شمس، إلى تحديد أسباب تعثر جهود التنوير في الثقافة العربية في حقب زمنية سابقة عبر كتابها «العلمانية وبؤسها» الصادر عن «الهيئة المصرية العامة لقصور الثقافة»، ضمن سلسلة «الفلسفة».
توضح أن مفهوم العلمانية يعاني في المجتمع العربي على وجه العموم من الالتباس الشديد، حيث تم الترويج له من قبل تيار الفكر المتشدد باعتباره مضاداً للدين ومرادفاً للإلحاد، وأن الغاية منه هي القضاء على الأديان، فضلاً عن أن كثيرين ينظرون إلى هذا المفهوم في أحيان أخرى كأنه دعوة إلى فصل الدين عن الدولة.
وتشير المؤلفة إلى أنه في حقيقة الأمر، فإن العلمانية «بفتح العين لا بكسرها كما هو شائع» مشتقة من العالم، وبناءً عليه فهي في جوهرها لا علاقة لها بالسياسة ولا بالمجتمع ولكن بالعالم وما يشتمل عليه من كائنات وظواهر، هي بطبيعتها نسبية ومتغيرة لأنها تستمد طبيعتها من طبيعة العالم الذي نحيا فيه ومن الأرض التي نسكنها وندور معها.
واستناداً إلى الأصل اللغوي للفظ العلمانية وما ينطوي عليه من معاني النسبية والتغير، صك الفيلسوف المصري الدكتور مراد وهبة تعريفاً غير مسبوق للعلمانية هو «التفكير في النسبي بما هو نسبي وليس بما هو مطلق». وفي تقدير أبو سنة، فإن هذا التعريف من شأنه أن يزيل الالتباس العالق بمفهوم العلمانية حيث إنه ينقل العلمانية من المجالين السياسي والديني إلى المجال المعرفي، أي مجال العقل الإنساني في تناوله لكل ما يواجه من قضايا ومشكلات.
لقد تعثرت جهود المثقفين في طرح مفهوم العلمانية كمفهوم حضاري وليس مفهوماً سياسياً عبر خطاب يتوجه إلى الجماهير من أجل تغيير ذهنيتها وتحويلها من التفكير الأسطوري إلى التفكير العقلاني الناقد، بهدف القضاء على التعصب بكل أشكاله، خصوصاً التعصب الديني الذي يفرز الطائفية ويؤدي إلى الصراع الديني والعرقي ومن خلال العنف والإرهاب، كما يقود إلى عدم الاستقرار الاجتماعي والسياسي.
ولكي تنجح جهود التنوير، حسب المؤلفة، فلا بد أن ينشغل المثقفون بالتنظير للعلمانية كمفهوم حضاري وليس مفهوماً سياسياً، بحيث تسهم في صيرورة التقدم والحراك العام عبر الدخول في علاقة عضوية مع رجل الشارع بحيث يكون على وعي ليس فقط بإيجابيات العلمانية، لكن بسلبيات الأصوليات الدينية التي هي نقيض العلمانية، كما أنه من المهم جداً حسب منى أبو سنة الخروج من الدائرة الضيقة لأسوار الجامعة والكتاب ومخاطبة الجمهور العام عبر البرامج التلفزيونية الأكثر انتشاراً، فضلاً عن التوظيف الجيد لمنصات التواصل الاجتماعي.
وتلفت أبو سنة إلى وجود مصطلح آخر يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالعلمانية هو «التنوير» الذي يجب أيضاً تحريره مما علق به من التباس، سواء بحسن أو سوء نية وتقديمه للناس في معناه الأصيل كما أطلقه الفيلسوف الألماني إيمانويل كانط (1724- 1804) في مقاله «ما التنوير». وفي هذا المقال الشهير يذهب كانط إلى أن التنوير هو خلاص الإنسان من حالة الكسل العقلي التي فرضها على نفسه، ليس لعلة في عقل هذا الإنسان لكن بسبب عدم قدرته على الحسم وعدم جرأته في إعمال عقله دون معونة من الآخرين، ومن ثم أطلق كانط شعار التنوير: «كن جريئاً في إعمال عقلك».