خلاف على التسريب لا على الجريمة .. إسرائيل تجلد فاضحيها!
الاشراق | متابعة.
انفجرت في إسرائيل، في الأيام القليلة الماضية، قضيّة المدّعية العسكرية، يفعات تومر يروشالمي، التي أُجبرت على الاستقالة، واختفت لاحقاً، تاركةً وراءها رسالة تشير إلى نيّتها الانتحار، قبل أن يُعثر عليها حيّة بعد عملية بحث واسعة، ويتم اعتقالها وإخضاعها للتحقيق.
وتدحرجت القضيّة المتعلّقة بالتحقيق الدائر حول تسجيل مصوّر جرى تسريبه من قِبَل المدّعية العسكرية في عام 2024، يُظهر خمسة جنود إسرائيليين وهم يعذّبون شاباً فلسطينيّاً من قطاع غزة، ويقومون باغتصابه بأداة حادّة، في معتقل «سديه تيمان»، السيّئ السمعة. على أن الجدل المُثار في إسرائيل، ليس حول الجريمة ووحشيتها، بل يتّصل بتسريب المقطع، خصوصاً أن تلك الجريمة ليست إلّا واحداً من آلاف الانتهاكات التي جرى توثيقها بشهادات الأسرى في السجون وداخل قطاع غزة. وتُعدّ المدّعية العسكرية التي سرّبت المقطع، متواطئة مع الانتهاكات، ذلك أنها لم تفتح تحقيقاً في ما جرى خلال فترة عملها، في حين أن العالم الذي تابع الإبادة في غزة على الهواء مباشرة، لم يكن يرى ما يجري داخل السجون وفي معسكرات الاعتقال، على مدى عامَين، إلا من خلال شهادات مَن خرجوا منها، والتي تكشف عن فظاعات ارتُكبت بحقهم، منها على سبيل المثال ما أشارت إليه أكثر من 10 شهادات مُسجّلة لدى «نادي الأسير» من قبل أسرى تعرّضوا للاغتصاب، بعضهم بكلاب بوليسية.
وعلى رغم محاولات طمسه، فإن تسريب تسجيل «سديه تيمان» الذي أثار قضيّة المدّعية العسكرية، هزّ حكومة بنيامين نتنياهو، إذ سرعان ما قرّر وزير الأمن الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، إقالة يروشالمي، وتجريدها من رتبها العسكرية، بعد تحميلها مسؤولية التسريب. وقال كاتس: «هذه قضيّة خطيرة أحدثت إهانة فاضحة لجنود الجيش في أنحاء العالم، فكلّ مَن ينشر افتراءات دموية عن جنود الجيش الإسرائيلي لا يستحقّ ارتداء الزيّ العسكري»، في حين اعتبر نتنياهو، التسريب «أكبر هجوم إعلامي تتعرّض له إسرائيل منذ تأسيسها»، مشيراً إلى أن بثّ مشاهد الاعتداء «شكّل ضربة قاسية لصورة إسرائيل أمام العالم».
وكانت المدّعية العسكرية استقالت من منصبها عقب إعلان الجيش فتحَ تحقيق جنائي على خلفية تسريب المقطع المُشار إليه - في آب 2024 -، والذي يُشتبه في تورّط يروشالمي فيه، وتغاضيها عن التحقيق في الأمر، وكذبها في شأنه على رئيس أركان الجيش و»المحكمة العليا». وبسبب ذلك، كان من المُقرّر استجوابها في الأيام المقبلة، لاحتمال ارتكابها «جرائم تتعلّق في الاشتباه في عرقلة إجراءات التحقيق، ونشر موادّ سرّية، والإدلاء ببيان كاذب».
وفي التعليقات، وصف رئيس الوزراء السابق، نفتالي بينيت، قضية يروشالمي «بالحادثة الخطيرة للغاية والتي تؤدّي إلى تقويض ثقة الإسرائيليين بقادة الجيش الكبار»، داعياً إلى «الإسراع في التحقيق في الواقعة، والوصول إلى جذورها من البداية حتى النهاية، وتقديم كل المتورّطين إلى المحاكمة»، فيما اعتبر زعيم حزب «أزرق أبيض» المعارض، بيني غانتس، أن المدّعية «فشلت فشلاً ذريعا»، زاعماً أن «الأفعال المنسوبة إليها تتناقض تماماً مع قيم الجيش الإسرائيلي»، و»تضرّ بثقة الجمهور في النظامَين العسكري والقضائي». ومن جهته، قال عضو «الكنيست»، موشيه سعادة، المقرّب من نتنياهو، إن «تسريب المقطع بعلم يروشالمي وتشجيعها، يُمثّل جريمة... إنها مجرمة»، في حين طالب عضو «الكنيست» عن حزب «الليكود»، أفيخاي بوارون، كاتس بإلغاء رتبة المدّعية العسكرية على الفور وحرمانها من جميع حقوقها، لأن «الشخص الذي أضرّ بالسمعة الطيبة لدولة إسرائيل، والذي شوّه سمعة جنود الجيش في جميع أنحاء العالم، يجب طرده».
وفي آخر تطوّرات القضية، مدّدت محكمة الصلح في مدينة تل أبيب، أمس، اعتقال يروشالمي، والنائب العام العسكري السابق، لغاية الأربعاء، بينما أفيد بأن الأسير الفلسطيني الذي تعرّض للتعذيب، تحرّر بموجب صفقة التبادل الأخيرة. وتتّهم شرطة الاحتلال، المدّعية العسكرية بـ»التشويش» على مجريات التحقيق في قضيّة تسريب التوثيق، في حين خلصت المحكمة في قرار تمديد الاعتقال، إلى أن «الشبهات المنسوبة إلى المدّعية العسكرية، هي الاحتيال وخيانة الأمانة، واستغلال المنصب بشكل سيّئ، وعرقلة مجرى القضاء وتسريب معلومات من قِبَل موظف عام».
ووفقاً لمصادر عبرية، فإن عمليات البحث على شاطئ تل أبيب عن الهاتف الخلوي للمدّعية العامة العسكرية، استمرّت أمس، حيث يُعتقد أنها ألقته في البحر خلال محاولة انتحار مفتعلة قبل أيام، لإخفاء أدلّة تتعلّق بالتحقيق معها في القضيّة. وفي هذا الجانب، اعتبر المحلّل السياسي في صحيفة «يديعوت أحرونوت»، ناحوم برنياع، أن ما فعلته المدّعية العسكرية بتسريب شريط الفيديو وتقديم تصريح كاذب إلى «المحكمة العليا» «لا يبرّر اعتقالها، لكنه يبرّر إقالتها والتحقيق ضدّها»، لافتاً إلى أن «تسريب شريط الفيديو ليس الأمر الأساسي هنا. ونتنياهو يستخفّ بسامعيه عندما يقول إن التسريب كان الهجوم الإعلامي الأصعب الذي شهدته دولة إسرائيل منذ قيامها. يجب القول لنتنياهو، إن الهجوم الإعلامي الأشدّ الذي شهدته إسرائيل لم يولد في سديه تيمان. لقد وُلد في التصريحات المنفلتة لوزرائه وتصريحاته». وكتب برنياع أنه كان حاضراً في تظاهرة عائلات الجنود المتّهمين بتعذيب المعتقل الفلسطيني، وأفاد بأن عناصر اليمين المتطرّف من أنصار الحاخام الفاشي، مئير كهانا، أحاطوا بعائلات الجنود، وقالوا لهم: «آمنوا بأن الجنود الذين نفّذوا التعذيب، ورأوا في التهم المنسوبة إليهم دلالات جيّدة على حصولهم على وسام».
للكاتب أحمد العبد