أميركا - الصين: هدنة سنة

الاشراق | متابعة.

في لقاء هو الأول من نوعه بينهما منذ ست سنوات، توصّل الرئيسان الأميركي دونالد ترامب، والصيني شي جين بينغ، إلى اتّفاق جنّب بلديهما - وإنْ مؤقّتاً - خطر اندلاع حرب تجارية شاملة. والاتّفاق الذي شبّهه بعض المراقبين بـ«دبلوماسية الاشتراك»، في إشارة منهم إلى أن ترامب «اشترى لنفسه (اشتراكاً) لمدّة عام»، يتيح لهذا الأخير استكمال ولايته، أو بعض منها، من دون المخاطرة بحرب تجارية من شأنها أن تثقل على الاقتصاد الأميركي، علماً أن ذلك يختلف تماماً عن المعاهدات التقليدية «المُستدامة» التي يتم إبرامها عادةً بين القوى العظمى.

وعلى الرغم من احتفاء ترامب باللقاء الذي عُقد في مدينة بوسان في كوريا الجنوبية، ووصفِه بـ«الرائع»، وإعطائه علامة «12 من 10»، لكنّ القمّة لم تحمل تغييرات «جوهرية» في ما يخصّ بند العلاقات التجارية الأميركية - الصينية، بل إنها، في أفضل الأحوال، «حدّت» من التبعات الدراماتيكية التي تسبّبت بها تعرفات ترامب الجمركية، من مثل رفع القيود عن صادرات المعادن الأرضية النادرة الصينية، واستئناف بكين لمشترياتها من فول الصويا، وغيرها من منتجات المزارعين الأميركيين، لمدّة عام كامل. وبصورة أعمّ، فإنّ أبرز ما حقّقه الرئيس الأميركي، أمس، تمثّل في العودة إلى الوضع الذي كان قائماً منذ ما قبل حربه التجارية، التي كانت تهدف، أساساً، إلى انتزاع تنازلات «كبرى» من الصين.

مع هذا، بدا ترامب «سعيداً» بالنتائج، مرجّحاً أن يُوقَّع الاتفاق «قريباً جدّاً»، على أن يتم التفاوض في شأنه كل عام، نظراً إلى عدم وجود «الكثير من العقبات»، على حدّ تعبيره. من جهته، اكتفى شي بالقول إن الولايات المتحدة والصين توصّلتا إلى «توافق في الآراء»، وفقاً لما نشرته وسائل الإعلام الرسمية الصينية. وممّا لفت، في بداية اللقاء، حديث ترامب إلى الصحافيين، عن تفاؤله بأن «الاجتماع سيكون ناجحاً جدّاً»، ممازحاً شي بالقول إنه «مفاوض صعب للغاية، وهذا ليس جيّداً».

وفي مؤشّر واضح إلى أن عدداً لا يستهان به من التجار الصينيين فقدوا، بالفعل، ثقتهم بالولايات المتحدة، وباتوا يبحثون، بشكل متزايد، عن بدائل، نقلت وكالة «بلومبرغ» عن هوانغ لون، مدير المبيعات في شركة تجزئة مقرّها غوانجو، تبيع الملابس من خلال «أمازون» «وتيمو» و«شي إن»، ترحيبه بالإعلان، قائلاً: «خفض التعرفات الجمركية يمنحنا المزيد من الوقت!»، مستدركاً بالقول إن التجّار سيكونون قادرين على جني المزيد من الأرباح، «إلى حين انتقالهم إلى الاستثمار في أسواق أخرى والتوسّع».

ويبدو أن خفض التعرفات لن يسهم في تغيير التجّار الصينيين استراتيجيتهم «الأوسع»، وفق ما أكّده هوانغ، مشيراً إلى أن «التوسّع إلى أسواق أخرى، هو السبيل الوحيد للحدّ من المخاطر التجارية على المدى الطويل». من جهته، قال باري شان، نائب رئيس مصنع مقره جيجيانغ، إن ما حصل «غير مهمّ كثيراً، نظراً إلى أن لدينا مصانع في الخارج وفي الصين»، مضيفاً: «لم نَعُد خائفين من الصعود والهبوط في معدّلات التعرفات الجمركية».

ومن ضمن المجالات المختلفة التي توصّلت بكين وواشنطن إلى اتفاق على الحدّ من استهدافها لمدّة عام، الرسوم المتبادلة على الشحن؛ إذ كانت الولايات المتحدة بدأت، في الـ14 من الجاري، بفرض رسوم خاصّة على السفن المرتبطة بالصين التي ترسو في الموانئ الأميركية، كجزء من «تحقيق أوسع نطاقاً يجريه مكتب الممثّل التجاري الأميركي» في مجال بناء السفن الصينية وهيمنتها البحرية. وقالت وزارة التجارة الصينية، أمس، إن واشنطن ستعلّق الآن أيّ إجراءات ناجمة عن هذا التحقيق لمدّة عام.

على أن الخلاف المُشار إليه، هزّ بالفعل الشحن العالمي، ما أدّى إلى ارتفاع تكاليفه وتأجيج التوتّرات في قطاع بالغ الأهمية للتجارة العالمية، في وقت تحاول الولايات المتحدة إحياء صناعتها الخاصة، وتسعى إلى الحصول على مساعدة حلفائها، أي اليابان وكوريا الجنوبية، لتحقيق ذلك.

كذلك، أعلنت وزارة التجارة الصينية، في بيان حول الاتفاق الإطاري، أن الصين ستعلّق قيودها على تراخيص المعادن النادرة لمدّة عام على الأقل، بعدما كان الخبراء توقّعوا أن تلك المعادن ستكون بمثابة عامل رئيسيّ يُكسب بكين نفوذاً في المفاوضات التجارية مع واشنطن، ولا سيما أن «الجمهورية الشعبية» تسيطر على حوالى 70% من إمدادات العالم من المعادن، والتي تُعتبر حيوية للقطاع العسكري وأشباه الموصلات والسيارات في الولايات المتحدة.

وقبل وقت قصير من لقاء ترامب - شي، أفادت تقارير بأن الصين اشترت شحنات من فول الصويا الأميركي، للمرة الأولى هذا الموسم، بعدما كانت جمّدت كلّ الطلبيات الجديدة، ما نتج منه «ضرب المزارع» في جميع أنحاء الولايات المتحدة، بحسب مجلة «تايم» الأميركية. وعلى الأغلب، سيتيح الاتفاق للصين، أيضاً، شراء شرائح كمبيوتر متقدّمة من الولايات المتحدة، شكّلت نقطة حسّاسة إضافية بين البلدين. وقال ترامب إن بكين ستتحدّث إلى الرئيس التنفيذي لشركة «إنفيديا»، جنسن هوانغ، في هذا الصدد، فيما لن تشمل المناقشات شريحة «بلاكويل» الأكثر تقدُّماً.

وعلى غرار ما توقّعه الكثير من المراقبين، فإن أهداف ترامب التجارية، طغت على المسائل الأمنية؛ إذ اكتفى الرئيس الأميركي بالإشارة إلى أنّه اتّفق مع نظيره الصيني على العمل معاً لـ«إنهاء الحرب في أوكرانيا»، فيما لم يناقش الزعيمان «أمن تايوان»، طبقاً لما أكّده ترامب نفسه، لافتاً أيضاً إلى أن المحادثات مع شي لم تركّز على النفط الروسي، بل على التعاون لإنهاء الحرب، علماً أن الصين كانت أكبر مشترٍ للنفط الخام الروسي العام الماضي، وهو ما لم تخفِ واشنطن، سابقاً، امتعاضها منه.