ويتقاتلون على جثة الطريدة!

الاشراق | متابعة.

التنازع على سوريا الجريحة في أوجّه بين القوى التي تحالفت لنشر «الديموقراطية» في الشام. تاريخياً، كانت سوريا عرضة للتدخلات والأطماع، سواء من القوى الغربية الاستعمارية أو من المحاور العربية المتنازعة بعد الحرب العالمية الأولى. وخلال سيطرة قوى الاحتلال الفرنسي والبريطاني، شهدت بلاد الشام صراعاً بين القوتين المحتلتين لسيطرة إحداهما على المنطقة بصورة أحادية. واجه الفرنسيون محاولات عدة لاقتلاعهم من سوريا بتنسيق بين الجنرال سبيرس وونستون تشرشل الذي كان يكنّ كرهاً شديداً للجنرال ديغول قائد فرنسا الحرة.

ما بعد «الاستقلال» دخلت الولايات المتحدة الأميركية حلبة الصراع على بلادنا، وهو الصراع المتواصل حتى الآن ويتخذ أشكال التهديد المباشر والدعم المطلق غير القابل للنقاش لصالح المشروع الصهيوني الذي يقول قادته علناً إنهم سينفّذون الحلم الصهيوني من النيل إلى الفرات.

بعد نكبة فلسطين عام 1948، أطاحت المخابرات الأميركية في 30 آذار 1949، بتخطيط من ريتشارد ميد الملحق العسكري الأميركي في دمشق، بالحكم الوطني في سوريا، وكان الأداة الضابط حسني الزعيم، وسبب الإطاحة بالحكم كان رفض سوريا الاعتراف بإسرائيل، والأهم هو رفض التوقيع على مرور خط التابلاين في الأراضي السورية نظراً إلى كون عائدات الخط كما عرضته شركة التابلاين ضئيلة جداً. حُكم حسني الزعيم انتهى في 14 آب 1949 بانقلاب مضاد. لكنه في فترة حكمه القصيرة سارع في التوقيع على اتفاقية التابلاين في 16 أيار، أما الاعتراف بدولة إسرائيل، فقد استمات حسني الزعيم للقاء دايفيد بن غوريون، كما يذكر وزير الخارجية السوري عادل أرسلان في مذكراته، ولكن بن غوريون كان يحتقره ويرفض اللقاء به.

ذلك المشهد يتكرّر اليوم. الصهاينة على أبواب دمشق، وسلطة «القاعدة» تستميت لإنجاز اتفاق أمني مع المحتل، لكن للصهيوني شروطه. في ظل هذه الدوامة وحالة الفوضى التي تعيشها سوريا اليوم، تتنافس الأطراف التي أسقطت دمشق للحصول على حصة من الغنيمة السورية والتي أنفقت مليارات الدولارات من أموال النفط لاصطياد الطريدة كما ذكر رئيس وزراء قطر ووزير خارجيتها حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني.

في طليعة المتنافسين الطامعين بالأرض والثروات الطبيعية السورية، العدو الصهيوني. سقوط دمشق بأيدي تنظيم «القاعدة» وتدمير الجيش السوري وقواعده العسكرية، وثكناته ومطاراته ومخازن الأسلحة ومراكز البحوث العلمية وتسريح عناصره، ترافق مع تقدّم للجيش الصهيوني في الأرض السورية. جميع مرتفعات جبل الشيخ الاستراتيجية أصبحت تحت السيطرة الصهيونية لأول مرة منذ بدء الصراع مع إسرائيل.

مصلحة إسرائيل بالنسبة إلى الأميركيين فوق كل مصلحة، وفي الوقت نفسه سيطرة الأميركيين على الأطراف المتنافسة هي التي تقرّر في النهاية كم من الحصص ستنالها كل دولة

وتحدّث نتنياهو من قمم جبل الشيخ محاطاً بضباط قائلاً: «لن نرحل من هنا، ونريد جنوب سوريا منزوعاً من السلاح». وتم احتلال كل الجولان ومساحات واسعة من الجنوب السوري الذي يعتبر سلة غذائية لدمشق، والدبابات الإسرائيلية أصبحت على بعد كيلومترات من دمشق. يضاف إلى ذلك إعلان الصهاينة أن دروز جبل العرب أصبحوا تحت «حمايتهم». تم كل ذلك بهدوء دون طلقة واحدة من «الجهاديين» ثوار «الناتو». من ناحية أخرى، العلاقات الإسرائيلية مع التنظيمات الكردية قوية ومتينة، إذ أعلن الصهاينة أن الأكراد مثل الدروز هم تحت «حمايتهم» أيضاً.

لم يقتصر الأمر على ذلك، فالعدو له رأي في تركيبة السلطة الجديدة في دمشق. أثناء المفاوضات المباشرة بين الصهاينة وحكام دمشق للتوصل إلى اتفاق أمني، قال الضابط الصهيوني موشيه إلعاد المشارك في المفاوضات إنه «نوقش خلال المفاوضات موضوع الجيش السوري، حيث استفسر السوريون عن رأي إسرائيل بإقامة جيش سوري». وتابع قائلاً: «إسرائيل ردت بصورة واضحة أنه لن يتم إنشاء جيش سوري في سوريا إنما سيتم إنشاء شرطة قوية فقط». وأفاد إلعاد بأن تل أبيب «لن تسمح بتاتاً بإنشاء جيش في سوريا ولن تسمح بإقامة قوات يمكن أن تشكّل خطراً على إسرائيل في يوم من الأيام».

وتكتمل كماشة الأطباق على سوريا من الشمال، فالأتراك يريدون حصتهم من الطريدة كونهم كان لهم الدور الرئيسي في التسليح وتأمين وصول «الجهاديين» من مختلف أنحاء العالم إلى سوريا. كما كان المال العربي يتدفق على خزائنهم لمواصلة حرب التدمير وما رافقها من إقامة غرفة عسكرية في لواء الاسكندرون المحتل باسم «درع السلام» للإشراف والتنسيق الميداني بين الفصائل «الجهادية». يضاف إلى ذلك، وهو الأهم، نهب جميع المصانع الضخمة الموجودة في المدينة الصناعية في حلب ونقلها إلى تركيا. وكما اقتلع الصهاينة في جنوب لبنان أشجار الزيتون المعمرة ونقلوها إلى فلسطين، مارس حلفاؤهم الأتراك ذلك أيضاً.

إنّ الأتراك الذين يدعمون بكل قوة الحكم القائم اليوم، يدّعون أنهم يريدون إقامة جيش سوري جديد، لذلك حذّرهم الصهاينة من هذه الخطوة وعمدوا إلى قصف بعض الثكنات العسكرية التي تم نقل بعض المعدات التركية إليها. على أي حال، التنافس الصهيوني - التركي على سوريا لن يتعدّى التصريحات العلنيّة، فالمايسترو الأميركي كفيل بإزالة جميع العقبات. كما إن القطريين أيضاً يريدون حصة كونهم كانوا في صدارة القوى التي موّلت عملية إسقاط النظام السابق، وقد يضمن لهم التركي بعض الحصص.

اللاعب الآخر، السعودي، الذي أطلّ برأسه وأرسل وفوداً ووعداً بمساعدات اقتصادية ضخمة، أعلن عن بعضها مثل إنشاء برج ضخم في دمشق. فالسوريون المشرّدون والفقراء الذين كانوا ضحايا الحرب تحققت أمانيهم وزال الغم عن قلوبهم ببناء البرج. يتنافس السعوديون مع الأتراك وقطر على الحصول على حصة من سوريا. والصراع لا يزال محتدماً حتى اليوم، ولكن مهما كانت نتائج هذا الصراع، فالمايسترو الأميركي كفيل برص الصفوف والتوافق بين الحلفاء.

والمضحك/المبكي، حتى النظام الأردني، الذي استضاف غرفة «الموك»، يريد أيضاً حصة ونفوذاً في الجنوب السوري. وخاصة في مجال الثروة المائية. وهذا ما ستؤمّنه للنظام الأردني الإدارةُ الأميركية.

في هذا المشهد المتداخل، يبقى للأميركيين القول الفصل. حتماً مصلحة إسرائيل بالنسبة إلى الأميركيين فوق كل مصلحة، وفي الوقت نفسه سيطرة الأميركيين على الأطراف المتنافسة هي التي تقرّر في النهاية كم من الحصص ستنالها كل دولة أسهمت في إسقاط سوريا.

إلى أن يتم القيام بتسوية نهائية بين جميع الأطراف، تتواصل عمليات القتل والخطف والاستيلاء على الأملاك الخاصة بالقوة. وتحاول السلطة القائمة تلبية مطالب الغرب بالانتهاء من ظاهرة «الجهاديين» الأجانب الذين استعملوهم في القتال، واليوم جاء زمن التخلّص منهم. حمام الدم متواصل يومياً لكن «الثورة انتصرت»، أليس كذلك؟

تقرير للكاتب بدر الحاج.