حرب كيّ الوعي .. «السلام» بجرعات كبيرة!

الاشراق | متابعة.

ينتقل الإعلام اللبناني المهيمن إلى مرحلة حربٍ مفتوحة، متبنّياً السردية الأميركية في التحريض على المقاومة وتخويف المجتمع. بعد إغلاق قناة «الحرّة»، تكرّر القنوات المحليّة خطابها، من التهويل بالحرب إلى تغذية الانقسام الطائفي، متجاهلةً ضحايا العدوان ومكرّسةً البروباغندا الأميركية بلباسٍ لبنانيّ

لا يمرّ يوم من دون أن يحرّض الإعلام المهيمن على المقاومة ويسوّق للتطبيع مع العدوّ تحت شمّاعة «السلام». حتّى يمكن القول إنّ مقدّمات نشرات الأخبار باتت بيانات «خبط لزق» لوزارة الخارجية الأميركية. الأمر كان متوقّعاً منذ إغلاق محطّة «الحرّة» التي شكّلت منذ غزو العراق أداة الحرب الناعمة للدولة العميقة الأميركية وتسميم عقول ملايين العرب.

أبواق «الحرّة» في كل مكان

 هكذا، انتقل ما كانت تنسجه «الحرّة» من غسل دماغ إلى وسائل الإعلام المحلّية، بما فيها القنوات اللبنانية. ويبدو أنّ لكلّ واحدة منها «اختصاصاً» محدّداً. فواحدة تتمثّل بسوريا الجديدة وتعلن أنّ «أميركا ومعها إسرائيل انتصرتا» و«ليس بإمكاننا سوى الخضوع»، وأخرى تدخل في النعرات وتلميع صورة أطراف معيّنة مقابل تشويه صورة آخرين وتستضيف شخصيّات مثيرة للجدل، والثالثة تعتبر نفسها الاستقصائي الذي «يفضح» المقاومة ويوشي بـ«أسرارها» للعدوّ، وهكذا دواليك.

على أنّ المشترك بينها جميعها التهويل المستمرّ بحرب إسرائيلية جديدة على لبنان، تماماً كما يفعل الإعلام العبري، رغم أن لا شيء مؤكّد، ولا يمكن التنبّؤ بما قد يقدم عليه العدوّ. هي بذلك تشارك في الحرب النفسية المقصودة.

تبنّي سردية العدو
لا يهمّ، فهذه القنوات تتبنّى سردية عدوّ لبنان نفسه، وتعلن أنّ المقاومة «تخالف اتّفاق وقف إطلاق النار»، مدركةً تماماً أنّها مجرّد ذريعة لشنّ حرب محتملة. وهي تبرّر فعلتها بأنّ «إسرائيل لا تحتاج إلى ذرائع لشنّ حرب»، رغم أنّها ذاتها «تطحن رؤوسنا» يوميّاً بوجوب «نزع سلاح» المقاومة من أجل «سحب الذريعة من العدوّ»! علماً أنّها بالكاد تأتي على الحديث عن الشهداء اليوميّين، إلّا إذا كان التعتيم عليهم يؤثّر في صورتها، فعندها تدّعي الاهتمام.

وبين الحين والآخر، تُحوّل قضيّة معيّنة إلى خلاف طائفي. من خلاف «تقريب الساعة» ومحاولة حظر فيلم «باربي» قبل سنتَين، إلى إضاءة صخرة الروشة وقضيّة مياه «تنّورين» أخيراً، يجنح الموضوع دائماً إلى الطائفية، وغالباً ما يكون الإعلام المهيمن أوّل المشاركين، غير آبه بأيّ نتائج محتملة، وهي بنسبة عالية كارثية لما قد تسبّبه من اقتتال داخلي. وفي الأيّام الأخيرة، استُغلّت دماء الشابّ إيليو أبو حنّا لبثّ خطاب عنصري ضدّ كلّ الفلسطينيّين، كأنّهم لا يعانون أيضاً من المظاهر المسلّحة في مخيّماتهم.

غياب المسؤولية الأخلاقية
المشكلة ليست في شجب ما حصل، وما حصل مرفوض في طبيعة الحال، بل في تهوّر الإعلام عند تناول قضايا مشابهة، مصحوباً بفظائع منصّات التواصل الاجتماعي. في حالات كهذه، يجب التنبّه إلى أنّ الحملات العنصرية قد تتسبّب في اقتتال داخلي كما حصل سابقاً، وسيكون ضحيّته المزيد من الأبرياء اللبنانيّين والفلسطينيّين سويّاً!

حتّى دعوة الجيش إلى التحرّك سيكون مثل رمي عناصره في النار من دون الاكتراث لمصيرهم. علماً أنّ الإعلام الذي يحرّض تجاه مآل كهذا يعرف تماماً أنّ المعضلة سياسية وتُحلّ بالسياسة بسهولة. إلّا أنّه فضّل استغلال غضب الناس المبرَّر، لمصلحة أجندات غير مبرَّرة ولا تخدم لا لبنان ولا فلسطين، بل عدوّهما.

في الأيّام الأخيرة، استُغلّت دماء الشاب إيليو أبو حنّا للتحريض وبثّ الفتنة


لقد كتبنا الكثير عن الإعلام المهيمن وطرقه في السنوات الماضية، وباتت الدعوة إلى قانون عصري للإعلام وتحمّل السلطات مسؤوليّاتها أشبه بمَن يصرخ في الوادي. لذا، فعندما نبقى على رصد موبقاته، إنّما نقوم بذلك من باب إبقاء الرأي العامّ يقظاً لعدم الانجرار خلف ما لا تُحمد عقباه. صحيح أنّ هوليوود درّجت إضافة أجزاء على الأفلام لا تعدو كونها نسخاً تجارية مبتذلة مكرّرة، إلّا أنّنا لم يعد بإمكاننا تحمّل فيلم أميركي طويل جديد.

mtv وحملاتها
كالعادة، تتولّى mtv دفّة التحريض على المقاومة. لا يكاد يمرّ يوم من دون أن يكون ملفّ «حصر السلاح» في مقدّمة نشرة أخبارها.

تدّعي منذ مدّة أنّها الوحيدة التي فتحت ملفّ الأسرى اللبنانيّين لدى العدوّ، وأنّ الإعلام المؤيّد للمقاومة «يتجاهلهم لأنّهم لا يخدمون سردية الحزب»، علماً أنّ الإعلام المؤيّد للمقاومة غالباً ما ذكّر بالأسرى اللبنانيّين طوال السنة الماضية، بما فيه قناة «المنار»، حتّى إنّه سُئل الأمين العام للحزب عنهم في مقابلته الأخيرة على القناة. كما بثّت mtv قبل أيّام تقريراً «يفضح» كيف أنّ «حزب الله» «يغسل دماغ الأطفال» عبر الكتب المدرسية، مستندةً إلى تضمينها موادّ مؤيّدة للمقاومة.

فوق ذلك، تُوجّه النقد إلى الحكومة والعهد «لتقاعسهما» أو «مماطلتهما» في «حصر السلاح»، وهي بذلك تردّد بشكل ببّغائي ما تمليه القوى الخارجية على لبنان. علماً أنّ القناة لا تخفي ذلك، بل تصوّره على أنّه «مطلب المجتمع الدولي». حتّى إنّها تضخّم من تصريحات المسؤولين الأميركيّين حول الموضوع على اختلاف مناصبهم، بمَن فيهم المبعوثة مورغان أورتاغوس التي حطّت في لبنان في الأيّام الماضية.

 تقرير للكاتب نزار نمر.