مراثي الأيام العشرة
الاشراق | متابعة.
قرأتُ في روايةِ الآلامِ
ما كنتُ قد خبرتُهُ مع الأيامِ
في عرفاني
كأنّما الوجودُ في ظِلِّهِ حكايةً
تُروى على مسامعِ الآفاقِ
ويُعادُ نشرُها في كتبِ الأغاني
لكنّما أحسستُ حين انتهيتُ من قراءةِ الرّوايةِ
أنَّ الذي خطَّ في سطورِها الآياتِ
استعارَ لغةَ الإفصاحِ من لساني..
٢
من يذوقُ الأزمنةَ الصعبةَ
يشهدُ أنَّ الطّرقَ إلى اللهِ بعددِ الأنفاسِ
ذاكَ هو الرّندُ الواثقُ
أنَّ ثمةَ لهذا العالمِ من يُدبِّرُ أمرَ عنايتِهِ
وأنَّ خلافةَ آدمَ تمضي إلى زمنِ القيامِ
قلتُ لصاحبي وقد أنْهكهُ البحثُ عن منافذَ لإدراكِ العقلِ
إنَّ الأزمنةَ الصّعبةَ
تمضي في مَطاوي الغيابِ..
٣
سوف يكونُ ما تُريدُ
تُرْعَدُ السّماءُ
ويُزْبِدُ البحرُ
وكلُّ أمرٍ ممكنِ الحدوثِ
يصيرُ
أيُّها المريدُ المؤيَّدُ بالعشقِ
هوَذا السّرُّ الفاطميُّ
هو المصيرُ
٤
حضارةٌ
مُلقاةٌ على وجهِ المياهِ
وتسبحُ في رحمِ الوجودِ
تنتظرُ زمنًا لائقًا بالظّهورِ
تكونُ الأرضُ أقربَ للسّماءِ
في سرِّها الخفيِّ
كيف نرى طَلْعةَ النّورِ
في قميصِ الوَلي ِّ
٥
لو تُلَغِّمُ السّماءُ
الأرضَ
ما الذي يحدثُ
يقولُ رازا
تُغرِّدُ بلابلُ شيراز
ويرقصُ الشّجرُ
متى تَستفيقُ من هجعةِ الغيمِ
أيُّها المطرُ
٦
الأنينُ الذي يصعدُ من الأرضِ
تذروهُ الرّياحُ فوقَ سطحِ المحيطِ
ويصعدُ إلى الجزيرةِ الخضراءِ
ليس بعدَ أزمنةِ الظّلمِ والجورِ
سوى انتظارِ الغُرَّةِ الحميدةِ السَّمْحَاءِ..
٧
لا أدري لماذا أحسبُ أنَّ للصاروخِ نَفْسًا وحواسًا
وله أجنحةٌ تملكُ عقلًا
لكنْ، ليس يملكُ قلبًا
لأنَّ صوتَ زواجِ النّارِ مع الحجارِ
يصيحُ صراخاً
ويُصبحُ ناراً
ولا يخفقُ نبضاً
للصاروخِ ما يشاءُ من عددِ ضحاياه
لا يعرفُ كيف تكونُ أسفارُ الأرواحِ إلى اللهِ
٨
من يدري
ما يحدثُ في يومِ غَدٍ
من يدري أنَّ زلزالاً يتحركُ في أسفلِ جبلٍ
كيف تشاءُ الرّيحُ
وأنَّ الموجَ المتلاطمَ تحتَ قاعِ محيطٍ
يصعدُ إلى سطحِ الماءِ
ويكونُ الطّوفانُ
من قالَ إنَّ الإنسانَ الفاني
يقتلهُ قبلَ أوانِ الموتِ
الإنسانُ
هذي هيَ الدنيا
يقولُ العارفُ
ما أدراهُ
تراهُ قرأ في كفِّ الأرضِ
وفي الفنجانِ
أنَّ الإنسانَ يقتلهُ الإنسانُ
يا هذي الدنيا
كوني فكرةَ عصفٍ
في النسيانِ
كوني ما شئتِ
لكنْ ليس الآن
أوانُ الموتِ قتلًا في الحربِ
الموتى سلفًا في الحبِّ
وفي أوديةِ الأسفارِ السّبعةِ
في الطّيرانِ
إلى غاباتِ النّورِ
هناكَ غزالاتُ الرّوحِ
تسوحُ
ويُغنّي الطّيرُ على الأغصانِ
هناكَ في العَوْمِ
على وجهِ الماءِ إلى الخُلْجَانِ
وهضابِ الجزرِ الخضراءِ
يا هذا الماءُ
اشهدْ ما تراهُ من لعبٍ
بين المدِّ وبين الجزرِ
في أحوالِ البحرِ
وأحمالِ البرِّ
خلاصُ العالمِ يكتبهُ الثَّقَلانِ
و مرجُ البحرينِ يلتقيانِ
٩
تُطْرَحُ أسئلةُ الدَّمِ
وتُصغي الأنفسُ والآفاقُ
لسانُ الغيبِ يُجيبُ
وينتبهُّ العشاقُ
يقولُ الإشراقُ:
في آخرِ هذا الصّيفِ
ينتصرُ الدَّمُ على السّيفِ
١٠
في آخرِ هذا الفصلِ يَحْتَبِسُ المطرُ
الشّجرُ الظّمآنُ ينظرُ إلى مجرى النّهرِ
كسرابٍ في الصّحراءِ
من يُنْشِدُ في الأرضِ السّفلى الماءَ
يكشفُ أسرارَ الآبارِ
واقفةً تموتُ الأشجارُ
لكنْ من يعطيني يديهِ لأصعدَ
كما يوسفَ من جوفِ البئرِ
عبرَ السَّيَّارَةِ في السَّحَرِ
أمضيتُ اللّيلَ وقمري يُنادي أن يأتيني من يخرجني من حرجِ النّسيانِ
إلى أحضانِ الغابةِ
حيثُ يألفُني الطّقسُ
وتُظلِّلُني أجنحةُ طيورٍ
تُصَفِّقُ وتُصْفِرُ
حينَ تعبرُ
مثلما عبرَ السّيَّارةُ
ولكنْ
ترمي أجنحتَها الخَفْقى
على جسدي المنهكِ من طولِ الأسفارِ
وكيفَ أَطِيرُ
مصيرُ العالمِ مثلَ مصيري
تنبتُ له أجنحةٌ
وصراخٌ يتبعهُ حيثُ يمضي
ومسارٌ يسلكهُ
ومصيرٌ يرسمهُ
يَلقاهُ
من كانَ وحيداً في غابةِ هذا الكونِ
لا ينساهُ اللهُ...
من ديوان: «العشرة الأخيرة من أيلول» (مخطوط) للشاعر طراد حمادة