"بزشكيان"عن مجموعة "بريكس"..دور محوري ضد الأحادية!

أكد الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان أن من أكبر التهديدات التي تواجه العدالة والاستقرار في النظام الدولي المعاصر تزايد السياسات الأحادية واستخدام العقوبات كأداة ضغط.

 وقال بزشكيان في كلمته اليوم الاثنين 8 أيلول/سبتمبر 2025 خلال القمة الافتراضية الاستثنائية لمجموعة بريكس، التي خُصصت لمناقشة أوضاع العالم الراهنة مع التركيز على البيئة الاقتصادية والنظام متعدد الأطراف: "إعادة بناء النظام العالمي الحالي تتطلب إصلاحاً جذرياً في بنية الحوكمة العالمية، بدءاً من إعادة النظر في تركيبة ووظائف مجلس الأمن وصولاً إلى إصلاح النظامين المالي والنقدي الدوليين".

وأضاف أن مجموعات مثل بريكس وسائر مؤسسات الجنوب العالمي تتحمل مسؤولية خاصة في قيادة عملية الانتقال نحو نظام عالمي متعدد الأقطاب، ديمقراطي وعادل، يكون فيه صوت جميع الدول، خصوصاً النامية منها، مسموعاً.

القمة التي عقدت بمبادرة من رئيس البرازيل بصفته الرئيس الدوري للمجموعة، هي الثانية من نوعها منذ تأسيس بريكس، وتركزت على التعددية، التجارة الحرة، والتحديات المفروضة على الدول جراء القيود والعقوبات.

وفيما يلي نص كلمة الرئيس في هذه القمة:

بسم الله الرحمن الرحيم

السيد الرئيس،

أصحاب الجلالة والفخامة،

السادة رؤساء الوزراء،

السيدات والسادة،

يشرفني أن أخاطبكم اليوم في هذا الظرف الحساس، في قمة قادة دول مجموعة البريكس؛ هذا التحالف الذي لم يعد يمثل الاقتصادات الصاعدة والنامية فحسب، بل أصبح رمزاً للأمل في بناء نظام عالمي أكثر عدلاً وتوازناً وازدهاراً.

إن عالمنا يمر بمرحلة مليئة بالتحديات؛ فالتصعيد الناتج عن السياسات الأحادية، وفرض العقوبات غير القانونية، واتساع الهوة الاجتماعية والاقتصادية يرسم صورة مقلقة للنظام الدولي الراهن. وفي الوقت نفسه، فإن التوترات الجيوسياسية وأزمة التغير المناخي المتفاقمة لا تهدد النمو الاقتصادي فحسب، بل تهدد أسس السلم والأمن الدوليين أيضاً.

إن النفوذ غير المتكافئ لقلة من الدول، والإجراءات الأحادية، وتسييس الأدوات الاقتصادية لم يؤدِ فقط إلى تآكل الثقة بين الدول، بل أضعف بشدة فعالية منظومة الحوكمة العالمية. هذه السياسات، عبر خلق حواجز تجارية وزيادة تكاليف التبادل وإضعاف سلاسل القيمة العالمية، تعيق التنمية المستدامة.

أيها الحضور الكرام،

إن التعددية والتجارة الحرة وجهان لعملة واحدة؛ فبدون آليات متعددة الأطراف تتحول التجارة الحرة إلى أداة في يد القوى الكبرى، وبدون حرية التجارة يفقد التعددية معناها ووظيفتها.

ومن أخطر التهديدات التي تواجه العدالة والاستقرار في النظام الدولي المعاصر، تصاعد السياسات الأحادية واستخدام العقوبات والقيود الاقتصادية كأداة ضغط، وهي سياسات تهدد المصالح الوطنية للدول المستقلة، وتعرقل التعاون الدولي، وتجعل التنمية المستدامة أمراً مستحيلاً.

في هذا السياق، فإن مجموعة البريكس قادرة ويجب أن تضطلع بدور محوري وريادي في مواجهة هذا الاتجاه المقلق. فهذه المنظومة، بما تمتلكه من تنوع وتضامن، لديها القدرة على أن تكون صوتاً موحداً وقوياً دفاعاً عن السيادة الوطنية، والاحترام المتبادل، وحل الخلافات عبر الحوار والتعاون المتعدد الأطراف.

لقد كشفت التطورات الأخيرة في الشرق الأوسط مجدداً فشل النظام الدولي القائم. إن العدوان العسكري الذي شنه الكيان الصهيوني والولايات المتحدة على الجمهورية الإسلامية الإيرانية في حزيران/يونيو 2025، واستمرار المجازر بحق الشعب المظلوم في غزة وما يتعرض له من إبادة جماعية، وقتل الأبرياء في لبنان واليمن، وكذلك الضغوط والتهديدات غير المقبولة ضد فنزويلا، كلها شواهد واضحة على عجز النظام الدولي عن ضمان السلم والعدالة والأمن.

إن إضعاف الإرادة السياسية للالتزام بميثاق الأمم المتحدة ومبادئ النظام التجاري المتعدد الأطراف، ينذر بانزلاق العالم نحو مزيد من الأزمات الاقتصادية والأمنية. وهذا يحتم علينا أن نسعى إلى تعددية أشمل وأكثر توازناً وفاعلية من أي وقت مضى.

إن إعادة بناء هذا النظام تتطلب إصلاحات جذرية في هيكل الحوكمة العالمية؛ من إعادة النظر في تركيبة ووظائف مجلس الأمن الدولي، إلى إصلاح النظامين المالي والنقدي الدوليين. وفي هذا المسار، تتحمل البريكس وغيرها من مؤسسات الجنوب العالمي مسؤولية تاريخية في قيادة الانتقال نحو نظام عالمي متعدد الأقطاب، ديمقراطي وعادل، يضمن سماع صوت جميع الدول، ولا سيما النامية منها.

وفي هذا الإطار، تقدم الجمهورية الإسلامية الإيرانية المقترحات التالية:

1- إصلاح النظام المالي الدولي:

ينبغي للبريكس أن تتصدر الجهود لإصلاح شامل لمؤسسات مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، بحيث تعكس الحقائق الاقتصادية الجديدة وتدعم مشاريع البنية التحتية والتنمية في الاقتصادات الصاعدة. كما أن تعزيز دور بنك التنمية الجديد خطوة أساسية، مع إنشاء أنظمة دفع مستقلة تقلل من هيمنة بعض العملات العالمية واستخدامها كسلاح سياسي.

2- تعزيز التعددية العادلة والشاملة:

على البريكس أن تدعم الأمم المتحدة والمؤسسات الدولية الأخرى كي يُسمع صوت الدول النامية، وأن تعمل على منع استخدام العقوبات الاقتصادية كأداة ضغط سياسي. كما أن التعاون مع منظمات مثل منظمة شنغهاي للتعاون ومنظمة التعاون الاقتصادي (إيكو) يعزز صوتاً موحداً للعالم النامي.

3- تعزيز التعاون في مجال المنافع العامة العالمية:

يجب ضمان الوصول العادل إلى اللقاحات والتقنيات الطبية والمعدات الأساسية، خصوصاً في أوقات الأزمات. كما أن إنشاء منصة مشتركة للبريكس للاستجابة السريعة للأوبئة والطوارئ، سيعزز التنسيق ويزيد من مصداقية المجموعة ككيان أخلاقي ومسؤول.

4- إنشاء آلية مشتركة لمواجهة العقوبات الأحادية:

يمكن للبريكس أن تضع آلية دعم مشترك لحماية أعضائها من العقوبات غير القانونية، بما يسمح لاقتصاداتهم بمواصلة النمو بعيداً عن الضغوط السياسية الجائرة.

5- توسيع آفاق الابتكار والتنمية المستدامة:

يجب على البريكس تعميق التعاون لبناء سلاسل إمداد مرنة، وتوسيع الاقتصاد الأخضر والرقمي، وتشجيع الابتكار التكنولوجي. كما أن إنشاء صندوق مشترك للبحث والتطوير في التقنيات الصديقة للبيئة، سيعزز الاستقلال الطاقوي والتنمية المستدامة. ويجب أن تدافع البريكس عن حق الدول النامية في استثمار مواردها الطبيعية، وألا تُستغل السياسات المناخية كأداة ضغط جديدة. كما أقترح إنشاء مركز ابتكار مشترك للبريكس في مجالات الذكاء الاصطناعي، والطاقات الجديدة، والتكنولوجيا الطبية، والصناعات الفضائية، بما يضمن الوصول المتكافئ للمعرفة ويمنع الاحتكار.

السيدات والسادة،

تؤكد إيران مجدداً التزامها بالتعاون البناء والفاعل مع جميع أعضاء البريكس لتحقيق هذه الأهداف. ونحن على يقين أن مواجهة الأحادية وتعميق التعاون في إطار البريكس، لن يكون في صالح أعضائها فحسب، بل لصالح المجتمع الدولي بأسره.

وأختتم بالتأكيد على أن تعزيز التعددية، وإحياء نظام التجارة الحرة، والتمسك بمبادئ التنمية المستدامة، ليست فقط أدوات لمواجهة أزمات اليوم، بل ضمان لبناء عالم أفضل للأجيال القادمة. ويمكن للبريكس أن تكون نموذجاً رائداً لترسيخ هذا النهج.

شكراً لحسن إصغائكم.