القانون الدولي والحصار الإنساني على غزة: عندما يصبح القانون حبرًا على ورق
الاشراق | متابعة.
منذ أشهر يعيش سكان غزة تحت حصار شامل يفرض عليهم تجويعًا متعمدًا وحرمانًا من أبسط مقومات الحياة، بما في ذلك الغذاء والمياه النظيفة والدواء. هذه السياسات لا تُعد مجرد معاناة إنسانية، بل تشكل انتهاكًا صارخًا لمبادئ القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان، وقد تصل إلى حدود الجرائم الدولية وفق اتفاقية منع الإبادة الجماعية لعام 1948.
نلاحظ في اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 تنص صراحة على أن "معاقبة السكان المدنيين أو حرمانهم من الموارد الأساسية كوسيلة للضغط العسكري أو للانتقام يُعد جريمة" (المادة 33). ويؤكد البروتوكول الإضافي الأول لعام 1977، المادة 54، على حماية السكان المدنيين من التجويع ومن استهداف البنية التحتية الحيوية، بما فيها المرافق الطبية والمدارس والمراكز الإنسانية.
علاوة على ذلك، ينص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان (المادة 25) على أن لكل فرد الحق في مستوى معيشي كافٍ يشمل الغذاء والملبس والمسكن والرعاية الصحية، فيما يُكرّس العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية (المادة 11) هذا الحق كحق أساسي يجب على الدول احترامه وحمايته، حتى في أوقات النزاع.
تجويع الأطفال والنساء وإلحاق المعاناة بالمجتمع المدني في غزة يمكن اعتباره أيضًا خرقًا لاتفاقية حقوق الطفل لعام 1989، التي تحظر أي شكل من أشكال المعاملة القاسية أو الحرمان الذي يهدد حياة الطفل ونموه. وحيث وصل اعداد الوفيات الاطفال اكثر من 300 بسبب التجويع ومشاهد اشكال المروعه للاطفال لم يراها التاريخ في اسوء حروبه وبموجب اتفاقية منع الإبادة الجماعية لعام 1948، فإن الأعمال التي تُرتكب بقصد تدمير جزء من السكان المدنيين تشكل جريمة يجب مساءلة المسؤولين عنها، بما في ذلك القادة السياسيون والعسكريون.
رغم وضوح النصوص القانونية، فإن المجتمع الدولي عاجز عمليًا عن حماية المدنيين في غزة. مجلس الأمن، الذي يُفترض أن يكون أداة الضمان الدولية للسلم والأمن، مشلول بسبب استخدام الفيتو، ما يحمي إسرائيل من أي إجراءات رادعة. ومحكمة الجنائية الدولية لم تتمكن حتى الآن من تنفيذ أي أوامر قبض التي صدرت بحق المسؤولين الإسرائيليين المتورطين في الحصار والتجويع، بما في ذلك رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو.
كما تواجه المنظمات الإنسانية الدولية ومنظمات حقوق الإنسان قيودًا صارمة على وصولها إلى غزة، سواء بسبب الحصار أو تهديدات الأمن، ما يجعل جهودها محدودة وغير قادرة على حماية المدنيين أو وقف الانتهاكات المستمرة. تقرير مفوضية حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، وتقارير منظمة العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش، أشارت مرارًا إلى أن الحصار يرقى إلى مستوى العقوبات الجماعية، وأن استمرار التجويع يمثل تهديدًا لحياة المدنيين، خصوصًا الأطفال والنساء وكبار السن.
فإن استمرار الحصار على غزة وتجويع المدنيين، في ظل صمت المجتمع الدولي وعجز المؤسسات القانونية والإنسانية، يحوّل نصوص القانون الدولي ومواثيق حقوق الإنسان إلى حبر على ورق. هذا الواقع يطرح تساؤلات جدية حول فعالية القانون الدولي في حماية المدنيين من الانتهاكات المنهجية، ويؤكد الحاجة الملحة لإعادة النظر في آليات المساءلة الدولية، وتفعيل أدوات رادعة تمنع استمرار التجويع والعقوبات الجماعية، وتحمي حقوق السكان المدنيين بشكل فعلي وملموس
رغم وضوح النصوص القانونية الدولية ومواثيق حقوق الإنسان، يظهر مدى ضعف آليات المساءلة الدولية وفقدان القانون الدولي لهيبته على الأرض. الوضع الحالي يفرض ضرورة ملحة لإعادة النظر في أسس القانون الدولي وإنقاذه، عبر تشريع اتفاقية دولية شاملة تضمن حماية المدنيين أثناء النزاعات المسلحة، وتعزز آليات تنفيذ القرارات الدولية.
وعلاوة على ذلك، يمكن استلهام مبادئ نظام روما الأساسي لإنشاء مقرات دائمة لمتابعة تنفيذ القرارات الدولية في كل دولة حول العالم، بحيث تصبح السلطة القانونية قريبة من الواقع، ويمكنها التدخل الفوري عند أي انتهاك للقانون الدولي الإنساني أو لحقوق الإنسان. وجود هذه المقرات سيعيد للقانون الدولي هيبته ويضمن عدم إفلات المسؤولين عن الانتهاكات من العقاب، قبل أن يتحول العالم إلى فوضى عارمة تُخضع الإنسانية للانتهاكات المستمرة دون رادع قانوني أو أخلاقي
تقرير تابعته الاشراق للكاتب السياسي والمحلل السيد أحمد العابدي