عشية جلسة بعبدا..حزب الله منفتح على الحوار ولكن!

الاشراق | متابعة.

يعقد مجلس الوزراء اللبناني جلسةً مفصلية صباح غدٍ الثلاثاء في قصر بعبدا، لاستكمال البحث في تنفيذ ما ورد في البيان الوزاري لحكومة نواف سلام في شقّه المتعلّق بـ«بسط سيادة الدولة اللبنانية على جميع أراضيها بقواها الذاتية حصراً»، وسط تقاطعات سياسية، وتفاهمات غير مكتملة حول فكرة حصر السلاح بيد الدولة والإستراتيجية الدفاعية وترتيبات وقف الأعمال العدائية، وفق اتفاق تشرين الثاني 2024.

الجلسة تأتي في ظل ارتفاع منسوب الترقّب الداخلي من المداولات التي ستدور حول قرار الحرب والسلم، والجدل المزمن حول سلاح المقاومة، في وقتٍ تواصل فيه إسرائيل خرق بنود وقف إطلاق النار من البرّ والبحر، والجو، وسط صمت داخلي مستمر.

حزب الله منفتح على الحوار… لا على التسليم
مصادر سياسية متابعة أكّدت لـ«الأخبار»، أنّ الحزب «منفتح على النقاش حول السلاح ضمن أي إستراتيجية دفاعية وطنية تُناقش داخل المؤسسات الدستورية»، وفي الوقت نفسه «لا يرفض مبدأ حصر قرار الحرب والسلم بيد الدولة»، لكنه أيضاً «يضع في المقابل أولوية قصوى لوقف الاعتداءات الإسرائيلية، وضمان انسحاب العدو من الأراضي المحتلة كافة، وإطلاق سراح الأسرى».


وشدّدت المصادر، على أنّ «أي حديث عن سيادة الدولة لا يمكن أن يُختزل بمقاربة السلاح فقط، ما دامت السيادة منتهَكة، وآلاف الانتهاكات موثّقة». وأشارت إلى أنّ «الحزب حريص على استقرار البلد، ولن يسمح بانزلاق الجدل إلى الشارع»، مؤكّدة أنّ «العلاقة مع رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون جيدة جداً، والتواصل بين الطرفين مستمر ومكثّف، وكذلك مع رئيسَي الحكومة والبرلمان».

مبدئياً، ليس لدى حزب الله أي نيّة لعرقلة الجلسة الوزارية غداً، فما يهمّ الحزب هو «تحصين المعادلة الوطنية وليس تسليم أوراق الدفاع الوطني للخارج»، بحسب المصادر نفسها التي اعتبرت أنّ «المزايدات الإعلامية التي تتحدّث عن موقف الحزب المؤيّد لفكرة نزع سلاح المقاومة دون الحديث عن إستراتيجية دفاعية مجرد حملات كاذبة، لا تعكس حقيقة النقاش الذي من المتوقّع أن يدور بين بعض الأطراف السياسية».

بدوره، يتابع رئيس مجلس النواب نبيه برّي تطوّرات ما قبل الجلسة بشكل دقيق. وقد أُبلغ من رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد بكل الخيارات المطروحة، وتوافق الطرفان، بحسب معلومات «الأخبار»، على ضرورة ضبط الخطاب السياسي، وتجنّب أي انزلاق داخلي.

وينظر برّي إلى الردّ اللبناني الرسمي على الورقة الأميركية بوصفه «موقفاً منطقياً ومتوازناً، ويحظى بتوافق غالبية الأطراف السياسية». ويعتبر أنّ «السقف الذي حُدّد لبنانياً كافٍ في المرحلة الراهنة ولا يحتمل تصعيداً داخلياً ولا رفضاً خارجياً».

النقاش المرتقب في جلسة الثلاثاء يستكمل مناقشة ما جاء في البيان الوزاري، الذي شدّد على «سيادة الدولة اللبنانية على كامل أراضيها بقواها الذاتية حصراً»، وربطه باتفاق وقف الأعمال العدائية الموقّع في تشرين الثاني 2024، والذي نصّ في مقدّمته على وجوب تنفيذ القرار 1701 و«جميع قرارات مجلس الأمن السابقة»، بما فيها القرار 1559 الذي يدعو إلى «نزع سلاح الجماعات المسلحة».

لكنّ الجانب اللبناني لا يرى في هذه البنود ما يُلزم الدولة بأي خطوات خارج الإجماع الوطني، إذ تؤكّد مصادر معنيّة بالتحضير للجلسة أنّ «كل النقاط الجدلية ستُناقش تحت سقف الدستور والتفاهمات اللبنانية بغضّ النظر عن الضغوط الخارجية التي قد تؤدّي إلى توتّر المشهد السياسي».

وتُذكّر المصادر بأنّ الإعلان عن اتفاق وقف إطلاق النار، تضمّن أيضاً «بدءاً من جنوب الليطاني» كمنطقة تنفيذ للقرار 1701، وهو ما يُشكّل وفق المصادر اللبنانية «تحديداً واضحاً لنطاق الاتفاق، بما لا يسمح بتوسيع النقاش إلى سلاح المقاومة في بقية المناطق».

كما لفتت إلى أنّ بند «حق الدفاع عن النفس» الذي ورد في الاتفاق «لا يمنح العدو أي ذريعة للقيام باعتداءات استباقية، بل هو محكوم بشروط القانون الدولي»، مشيرةً إلى أنّ «كل ما يُساق إعلامياً حول ضغط عسكري وشيك على لبنان في حال لم يتمّ نزع سلاح المقاومة هو مرفوض تماماً، وإن حصل ذلك فهذا يزيد من تمسّك المقاومة بسلاحها وحقّها المشروع في الدفاع عن لبنان».

في ضوء كل ذلك، تبدو جلسة الغد اختباراً لمدى قدرة الحكومة على إدارة نقاش إستراتيجي حسّاس من دون كسر التوازنات الداخلية، خصوصاً في ظلّ رغبة غالبية الأطراف، بمن فيهم حزب الله وحركة أمل، في منع التصعيد وضبط الشارع.

كما أنّ العلاقة الإيجابية بين رئيس الجمهورية والحزب، والتنسيق القائم مع رئيس الحكومة نواف سلام، توفّران هامشاً واسعاً من المناورة السياسية يُمكن البناء عليه لمنع الخلافات الحادّة وإبقائها ضمن قنوات البحث، بانتظار جلاء المشهد الإقليمي بالكامل.

لكن في المقابل، أي محاولة للضغط أو فرض جدول زمني لنقاش السلاح قد تفتح الباب على مزيد من التوتّر السياسي، خصوصاً أنّ حزب الله يربط هذا النقاش بحزمة متكاملة من الترتيبات الدفاعية، والسيادية، والتنموية في المناطق الحدودية، وهذا الربط لا ينفصل عن موقف الدولة الذي يعدّ حزب الله مكوّناً أساسياً فيها.

جلسة الثلاثاء ليست موعداً لحسم ملف إستراتيجي معقّد، بل محطة من محطات النقاش الداخلي الذي قد يطول. وفيما تبدو المعادلة اللبنانية الدقيقة أقرب إلى تثبيت التهدئة السياسية والعسكرية، يبقى التحدّي الأكبر هو الحفاظ على وحدة الموقف الداخلي، وحماية السيادة من دون التنازل عن عناصر القوة الوطنية.