مجلة "اقتدار"... نهجُ السيد نصر الله باقٍ

الإشراق | متابعة

"اقتدار"، مجلة إلكترونية جديدة تُعنى بالأدبيات الفكرية والثقافية والسياسية للسيد الشهيد حسن نصر الله ولمحور المقاومة، ماذا عن محتوى عددها الأول ومواعيد صدورها وشروط النشر فيها؟

حوارٌ مع الأمين العام لحزب الله، الشيخ نعيم قاسم، حول شخصية "سيد شهداء الأمة" السيد حسن نصر الله وجهاده، ومقالات متنوّعة لمجموعة من الباحثين، هي ما احتواه العدد الأول من المجلة الإلكترونية "اقتدار"، التي صدر أخيراً عددها الأول.

المجلة التي تصدر كلّ شهرين، تُعنى بأدبيّات السيد نصر الله، وأفكاره ومرجعيّاتها في الجوانب العقديّة والأخلاقية والسياسية الجهاديّة التي شكّلت بناءات أطروحة المقاومة الإسلامية بطريقة منهجية ثوريّة وتنظيرية، وتستهدف تبيين المرتكزات الفكرية لمحور المقاومة.

وتندرج المادة العلمية للمجلة ضمن الأبواب المحورية التالية: الاستهلال، الملف، قضايا وموضوعات، الإبراهامية وأخواتها، حوارات/ كتب/ شهادات.

وإذ دعت المجلّة أصحاب القلم والباحثين إلى المساهمة في تقديم مواضيع فكرية وقرآنية وتربوية وسياسية واجتماعية وأسرية، تتمحور حول "نهج الاقتدار" لدى الشهيد نصر الله، فقد حددت بعض الشروط للتقدّم بالمقالات والأبحاث، ومن بينها: أن يكون الموضوع في دائرة اهتمام المجلة وتخصّصها، وأن لا تكون المقالة منشورة سابقاً، وتتسم بالأصالة وتراعي الضوابط التحريرية وطريقة التهميش والقواعد العامّة لمنهجيّة البحث العلمي، على ألا تتعدّى نسبة الاقتباسات في المقالة 20%، وتكون واضحة الهدف والإشكالية، وبعيدة عن الحشو وتكرار الأفكار، وأن لا تقلّ المواد البحثية عن 1750 كلمة، ولا تتعدّى 3500 كلمة.  

وفي تعليل اختيار اسم المجلة، من المفيد الاستعانة بمقالة الشيخ سمير خير الدين "هوية الاقتدار"، المنشورة في العدد الافتتاحي، والتي تتناول "الاقتدار" كمسألة جديرة بالبحث والنظر والتحليل، ولا سيما في الإسلام الحيّ كدينٍ موصلٍ للإنسانية إلى كمالاتها، مشيرةً إلى تجسّد الجمع بين المعرفة والحكمة والاقتدار في الشخصيات العظيمة ومنها شخصية السيد نصر الله، وإلى أهمية الاقتدار وقيمته والعمل عليه في الإسلام، ما يستلزم التربية والتنشئة على تعميق روحية الاقتدار في النفوس، والأخذ بمستلزماته وعلى رأسها تنميته والتربية عليه.

وفي "الاستهلال"، يؤكد رئيس تحرير المجلة، الشيخ شفيق جرادي، أن هذا الباب سيكون محطة ثابتة للتدبر في القرآن الكريم، المصدر الذي لا يجاريه مصدر آخر في مرجعية تكوين هوية الأمة الإسلامية، وبنحو خاصّ هوية محور المقاومة، ولما مثّله التدبر في آيات القرآن من عظيم أهمية لدى السيد نصر الله، الذي كانت مراحل تشكّل هوية المقاومة الإسلامية ومسارها تعتمد على آيات من القرآن الكريم في خطاباته. وقد تمحور استهلال العدد الأول حول "مفهوم النصر في القرآن الكريم".

أما في الحوار مع الأمين العام لحزب الله ضمن باب "حوارات"، فقد تحدث الشيخ قاسم عن السجايا الإيمانية والقيادية والجهادية للسيد نصر الله، مقدّماً شرحاً تفصيلياً عن الرؤية الإيمانية الجهادية لحزب الله والمقاومة الإسلامية من خلال ‏فكر السيد وأدبياته وممارسته، مؤكداً أنه غادرنا بجسده، أما تعاليمه فهي باقية، وحزبُ الله الذي أفنى عمره في بنائه باقٍ، والمقاومة التي اختلطت بكلِّ لحظات حياته باقية، داعياً إلى قراءة كلماتِه، ومتابعة مواقفه، وتأمل سيرته، وأخذ الدروس والعبر من محطات حياته وجهاده، والتزوّد من إرثه العظيم الذي لا ينضب.

وضمن ملف العدد، كتب الشيخ جرادي تحت عنوان "المقاومة القرآنية"، عن الفارق بين المقاومة المنفعلة التي لا تحمل رؤية ومشروعاً، وتبقى بلا عمق ولا هوية فكرية وثقافية، ما يسهّل ركوب الانتهازيين والمتسلقين موجتها بعد نجاحها في كسر جدار الحكام، لتعود قوى الظلم إلى التحكم بالواقع من خلالها، وبين المقاومة التي تستند إلى رؤية فكرية وثقافية، وإلى مشروع سياسي ومجتمعي واضح، وبمعنىً آخر تستند إلى قضية.

وضمن ملف العدد أيضاً، كتب الشيخ روميو عباس عن "المقاومة في فكر السيد الشهيد"، مشيراً إلى أنها مقاومةٌ بوصلتها الشهداء ومن مميزاتها التضحية والشهادة والإيثار، ولافتاً إلى أنه بينما ينكفئ بعض الناس حين تصل التضحية إلى مرحلة تفوق حساباتهم، يستمرّ المقاومون المؤمنون ويواصلون تقدمهم بثبات على طريق "ذات الشوكة"، رغم كل الدماء والجراح والآلام. 

وأكد عباس أهداف المقاومة ووسائلها في فكر السيد نصر الله، حيث لا تهدف المقاومة إلى إبادة العدو، أو منعه من الاحتلال، بل إلحاق الضرر به لمنعه من تحقيق أهدافه، فإذا اجتاح الأرض واستباح ممتلكات الناس، فإن المقاومة تواجهه لمنعه من الاستمرار في الاحتلال وتعطيل أهدافه التوسعية.

وضمن باب "قضايا وموضوعات" كتب الدكتور أحمد ماجد في مقالته "فلسطين في أدبيات سيد شهداء طريق القدس"، عن الحيّز الذي شغلته القضية الفلسطينية في خطب السيد الشهيد، بوصفها "مصداقاً للحقّ الذي لا يجوز التشكيك به أو التخلّف عن نصرته بمعزل عن موازين القوة"، وعن رجحان كفة منطقه الذي ينظر إلى "إسرائيل" على أنها "كيان مؤقت سيزول حتماً"، مقابل المنطق الآخر الذي يرى فيها "قدراً لا مفر منه ومن التعايش معه والقبول بشروطه".

وفي باب "الكتب" تستعرض المجلة عدداً من المؤلفات الصادرة حديثاً لكل من الشيخ شفيق جرادي، وحياة شمس الدين، وأحمد ماجد، وطالب رحمة الساعدي، وليلى زغيب، وعباس شمس الدين، وجميعها صادرة عن "دار المعارف الحكمية".

الشيخ جرادي: مساهمة في المشروع النهضوي الإسلامي المعاصر

كشف رئيس تحرير مجلة "اقتدار"، الشيخ شفيق جرادي، أن فكرة المجلة وُلِدَت من مشروع كان السيد نصر الله قد كلفه به، وهو البحث في منهج الإمام الخامنئي، والناظم لهذا المنهج على المستوى الفكري وتفرّعاته وما يقتضيه من أمور إيمانية، وأمور عملية: سياسية كانت أو اجتماعية أو جهادية.

وأشار جرادي إلى أن هذا المشروع هو المشروع النهضوي الإسلامي المعاصر الذي ابتدأ مع مفجّر الثورة الإسلامية في إيران الإمام الخميني، وقد بُنِيَ بنيانه مع الإمام الخامنئي، وكان السيد نصر الله هو الموضح والمبيّن لمساراته، والذي يسلك مساراً تثقيفياً جهادياً في ضوئه ومن خلاله، باعثاً فيه الكثير من المفاهيم الجديدة.

 ولفت إلى أن اختصار هذا المشروع بعبارة "نهج الاقتدار" عائدٌ إلى تأكيد الإمام الخميني والسيد الخامنئي على فكرة القدرة والاقتدار وعبارات مثل: "نحن نقدر"، "نحن نستطيع"، وهو ما كان يبثه السيد نصر الله من مفهوم ومن مرتكزات وأسس وأصول، بل إنه كان يبني عليه مواقف، منها على سبيل المثال موقفه من فهم موضوعة النصر وأننا دخلنا إلى "زمن الانتصارات" بناءً على مرتكزات الفكر النهضوي الذي يمثله "نهج الاقتدار".

وأكد الشيخ جرادي أن السيد نصر الله استطاع في حياته أن يكون البيان الأكثر وضوحاً عن هذا النهج ومرتكزاته، وهو مَن عمل على أن تكون المقاومة الإسلامية في لبنان قائمة وفق هذه الرؤية، ثم عمم ذلك ليتعاطى مع كل فصائل المقاومة والدول التي تراعي المقاومة وتنتهج نهجها وفق هذه الرؤية. وكان العقل المفكر والبيان الموضح لهذا المشروع على الأقل في عالمنا العربي، فضلاً عن تأثيراته على مستوى العالم الإسلامي.

 ورأى الشيخ جرادي أن حفظ إرث السيد نصر الله يقتضي تبيين المرتكزات والقواعد والأصول والأسس والآليات التي توصل إلى تحقيق بيان هذا النهج وتعميم هذه الثقافة الفكرية لنهج المقاومة النهضوي الذي يقوم على جملة من المسائل، المسألة الأولى فيها هي أن وحدة العالم الإسلامي يجب أن تقوم على مرجعية واحدة هي "القرآن الكريم" الذي لا خلاف فيه، على أن نعود إليه كأنه يتنزل علينا الآن ليوجهنا ويبنينا ويؤسّس لنا، وهذا الذي يُطلق عليه بحسب المصطلح القرآني "التدبر الرسالي في القرآن"، بحيث يحق لأي مذهب أو مسلك أو تيار أن تكون له خصوصيات فقهية وكلامية وسواها، وأن تُحفَظ هذه الخصوصيات وتبقى في الوقت ذاته في دائرة من يختص بها.

 أما المسألة الثانية فهي أنّ تحقيق وحدة فعل الأمة يجب أن يرتكز على قضية واحدة وموحِّدة هي قضية تحرير فلسطين، لأنه بتحرير فلسطين يمكن تحرير العالم الإسلامي من ربقة الهيمنة الأميركية والاحتلال الصهيوني وبناء مداميك هذه الثقافة المقاوِمة.

وأكد الشيخ جرادي أنه بهاتين المرجعيتين يمكن للأمة أن تبني نهضتها وتشيد أركان هذه النهضة، في ضوءٍ من معنويةٍ وروحيةٍ تستقيهما من القرآن الكريم، وفي ضوء تفعيل العقلانية في الحسابات بالتخطيط والاستراتيجيات وآلية العمل التي تقتضيها أي عملية مباشرة في حركة سياسية وحركة جهادية عسكرية وأمنية واقتصادية.

وشدّد الشيخ جرادي على أنّ محور المقاومة بحاجة إلى توحيد هويته وإيجاد وحدة فكرية وقاعدة فكرية موحّدة على مستوى دول وفصائل المقاومة تحمل هذا الإسلام النهضوي الذي يحمل الكثير من المرونة، ليتوافق مع أي نهج تحرري في مسألة رفع المظلومية وتحقيق العدالة في الأرض.

وأشار إلى أن مجلة "اقتدار" تأتي في هذا الإطار، كمساهمة في رسم ما أورثنا إياه "سيد شهداء الأمة"، السيد حسن نصر الله، من فكر موجِّه للأفراد وللجماعات والشعوب لتحقيق هويتها المستقلة والقادرة والعادلة، خاتماً حديثه مع "الميادين الثقافية" بالتأكيد أنه يُراد للمجلة أن تكون خارج إطار المواطنة المحدّدة، وأن تكون مجلة المحور من خلال مشاركة كل الفصائل بلونها الوطني وسمتها الوطنية.