ندى سركيس ترسم "عذراء غزة"
الإشراق | متابعة.
لم تكتفِ سركيس في معرضها "لون وروح" بحكايات الإنجيل في رسوماتها، فهي ترى أن في كل أيقونة رسالة روحية خاصة بغض النظر عن مرجعيتها دينية كانت أم صوفية أو من وحي الواقع.
لن يكون صعباً على من يرى الأيقونات التي رسمتها الفنانة السورية، ندى سركيس، في معرضها "لون وروح" المقام في صالة المتحف الوطني في دمشق، أن يتلمّس الخصوصية الفائقة لاشتغالاتها. إذ استطاعت الباحثة في الرسوم الجدارية من العصور كافة أن تدمج ما بين مشاهداتها العميقة لفرادة الأيقونات السورية وخبرتها الطويلة في ترميمها، وبين أسلوبيتها في الرسم التي تتكئ على أساسيات الأيقونغراف البيزنطي من دون الالتزام بحَرْفِيَّته، بل الاهتمام بالروح المتغلغلة في تفاصيله، والسعي لتطوير بحثها وصولاً إلى أيقونات سورية بحتة لها طابعها البصري المميّز.
والجميل في معرض سركيس هو اهتمامها بجوهر هذا النوع الفني إلى جانب عنايتها بتمظهراته الدقيقة، بحيث يشعر المتلقّي بأنّ كلّ أيقونة تستقي روحانيتها من مرجعيتها الدينية أولاً، والأهم من محاولة جعل الرسالة التي تريد إيصالها من خلالها معاصرة ومتجدّدة في الزمن، بحيث يُشِكِّل معرضها ما يشبه رحلة في الرجاء والمحبة والسلام والحياة، إذ تنشر لوحاتها نوعاً خاصاً من الطمأنينة في ظل معاناة كثير من البشر من الظلم وطغيان اليأس والكراهية والموت المُعَمَّم.
وعلى اختلاف أحجام الأيقونات، واعتماد سركيس في بعض لوحاتها على رسم جزء من الأيقونة فقط، إلا أن زخم التفاصيل ورمزيتها يجعل منها جميعها شاسعة في المعنى ومفعمة بالجَمال، حتى لو كان الموضوع متعلقاً بيد المسيح الطفل تبارك والعذراء أمه تدل عليه، أو يدي آدم وحواء معاً في الخطيئة الأصلية، من دون أن ينفي ذلك جماليات الأيقونات المكتملة، سواء تلك المتعلقة بأيقونة ملاك البشارة جبرائيل الذي استبدلت فيها أزهار الزنبق بالياسمين، أو بأيقونات عجائب المسيح التي تحكي قصة المُقعَد الذي مشى، والنازفة التي شُفِيَت بعد 12 عاماً في إثر لمسها رداء المُعلِّم، أو أيقونة ذبيحة إبراهيم الخليل، أو أيقونات القربان المقدّس والصلب والقيامة، أو أيقونة "مريم أنت فرح كل الحزانى" التي يرفع فيها الناس همومهم إليها علَّها تكون الواسطة بينهم وبين السماء، واشتغلتها الفنانة على النمط الروسي لكن ببصمة سورية وغيرها، بحيث أنها مع بقية أعمالها تجمع بساطة التصوير مع حيوية التكوين ونقاء الألوان وبهاء التفاصيل، لدرجة أنّ كلّاً منها تحتاج إلى كثير من التأمّل للغوص في كُنْهِها، ولا سيما أنّ سركيس اعتمدت على مقولة جلال الدين الرومي بأنّ "الصورة الظاهرة إنما رُسِمَت لكي تُدرك الصورة الباطنة، والصورة الباطنة تشكَّلت من أجل إدراك صورة باطنة أخرى على قدر نفاذ بصيرتك".
ولم تكتفِ سركيس بحكايات الإنجيل في رسوماتها، فهي كما ترى أن في كل أيقونة رسالة روحية خاصة بغض النظر عن مرجعيتها دينية كانت أم صوفية أو من وحي الواقع.