غادة جمال تشاركنا الشوق والقلق

الإشراق | متابعة.

تشترك سلسلة "من القلب إلى الوطن" في أساس ثابت. يتم إدخال اللون إلى القماش بحرية وسلاسة، مما يسمح بظهور حقيقة غامضة. تبدأ كل سلسلة بأصول متواضعة، وتدعو المشاهدين معاً إلى متابعة الجمال، حيث تبدأ العملية، وتنتهي، ثم تبدأ مرة أخرى.

"النشوة، المنظورات المشتركة، القلق"، 3 محاور يتضمنها معرض "من القلب إلى الوطن" للفنانة اللبنانية، غادة جمال (1955)، الذي يستضيفه غاليري 56TH في الجميزة في العاصمة اللبنانية بيروت.

ويجمع المعرض أحاسيس الحنين والانشداد للوطن ولبيروت المحببة على قلوب أبنائها، ومحاولات إيجاد مساحات حوارية، ورؤىً تقرب وجهات النظر، بحثاً عن الأفضل لوطن ممزق، وتتعاطف مع غزة في أعمال خاصة.

تبحث جمال عن وطنها "البعيد المنال"، كما تصفه، وكما يشعر به غالبية اللبنانيين بعد أن عصفت فيه الرياح الاقليمية منذ نشأته، وكانت المشكلة موجودة في "الوطن، ومدينة بيروت، لجمالهما، وشوارع (المدينة) التي تكشف باستمرار عن قصص، وذكريات عمرها آلاف السنين"، وهي تشكل الأساس لهذه الرحلة بحسب تعبير الفنانة.   

تفيد جمال أنها شاءت أن يكون المعرض "من 3 سلاسل من اللوحات التي تم إنشاؤها بين عامي 2023 و2024 حيث " يتشابك الماضي والحاضر في وفرة من الجمال السخي”. 

وتقول: "رؤيتي للبنان هي وطن بعيد المنال، مع شهية عاطفية للحياة، على الرغم من آلامه وقلقه".

وتشترك سلسلة "من القلب إلى الوطن" في أساس ثابت. يتم إدخال اللون إلى القماش بحرية وسلاسة، مما يسمح بظهور حقيقة غامضة. تبدأ كل سلسلة بأصول متواضعة، وتدعو المشاهدين معاً إلى متابعة الجمال، حيث تبدأ العملية، وتنتهي، ثم تبدأ مرة أخرى.

وتنبع السلسلة الأولى "النشوة" من ألوان عميقة ودافئة. تجسّد هذه الألوان العفوية والفرح التي "تعزز الثقة في حركة عواطفنا، حيث تتلاشى الحدود مع استقرار النشوة"، كما تقول جمال.

ثم تتوسع السلسلة الثانية وعنوانها "وجهات نظر مشتركة" في إمكانيات البيئة المبنية. إنها تعكس مزاجات موضوعية مستوحاة من أماكن مألوفة، وتتوج بالسلسلة الأخيرة "القلق" حيث يرتبط كل من الفن التجريدي والفنان بالقيود - القيود التي يجب أن نعيشها، ونتعلم منها قبل أن نتمكن من تركها وراءنا. 

وتبقى لغزة مكانة خاصة في تجريديات جمال حيث تعبر الأعمال، بالإشارة والهمس على هول المشهد الصاخب الذي لن يُمكن إخفاء فظاعته مهما اختلفت التبريرات وتنوّعت.

وفي جولة على أعمال المعرض، يجد الزائر نفسه في عالم من التجريد، بألوان زاهية، مما يعيد طرح السؤال عن سبب انتشار التجريد في معظم الاعمال الفنية التشكيلية التي تُقدّم للجمهور، في ظل تساؤل عن افتقاد الفنانين لما يمكن أن يقولوه إزاء عالم مدهش بغرابته وممارسته اللاإنسانية، وانفلات مبدأ "الغاية تبرر الوسيلة" على غاربها. 

تجد الإجابة على هذا التساؤل صداها في أعمال الفنانة جمال حيث تحمل سلسلات أعمالها معانياً مختلفة لكنها في اللون، والشكل، والقدرة الفنية، ومتانة السبك تكاد تقول الأمر عينه، رغم غياب المعنى، والإرادة على قول أمر ما محدّد.

في حنايا اللوحات، يتخفى المعنى، ويكاد اللون الصاخب أن يكشف هويته التآمرية بإخفاء الغاية من خلف الخطوط، وضربات الريشة الجريئة المعبّرة عن قوة، وقدرة فنية عالية، وتجربة فذة تدفع بالخيال ليتآلف مع حدود اللون، وخطوط الحدود. 

تعبّر الفنانة عن مكنوناتها بالقول إنها "كفنانة، أشعر بالتواضع بسبب القيود العميقة التي تتعايش مع حدود لا حدود لها. أنا ممتنة لأنني في وقت مبكر من حياتي كنت مفتونة بجمال وطني، ولم أكن منفصلة عن مآسيه، وأفراح أولئك الذين يتشاركون نفس المساحة"، وتختم: "يمثل العرض مجموع ثلاث رحلات تتداخل مع حياتنا وعواطفنا، قبل أن يتركنا اللون".

يذكر أن جمال بدأت الرسم في أوائل ثمانينات القرن الماضي، وواصلت دراستها في كلية بيروت الجامعية، والجامعة اللبنانية الأميركية (LAU) لاحقاً، هاجرت إلى الولايات المتحدة لمواصلة الدراسات العليا. 

في العام 1990، حصلت على درجة الماجستير في الفنون الجميلة في الرسم والتصوير من جامعة ولاية كاليفورنيا لونغ بيتش (CSULB) وعاشت في كاليفورنيا حتى عودتها إلى لبنان في عام 2002، للتواصل مع موضوع العديد من أعمالها الفنية.

على مر السنين، عرضت غادة أعمالها في الولايات المتحدة وأوروبا والشرق الأوسط، قدمت خلالها 14 عرضاً فردياً في بيروت، وعلى الصعيد الدولي. كما شاركت في العديد من المعارض الجامعة مثل "الفن المعاصر" في قبة سيتي سنتر، و"الطريق إلى السلام" في مركز بيروت للفنون. 

أعمالها موجودة في العديد من المجموعات الدائمة، بما في ذلك المتحف الوطني للمرأة في الفنون في واشنطن العاصمة، ومتحف الفن الحديث في قطر، والمعرض الوطني للفنون الجميلة، في الأردن.