هلغى باومغرتن.."طوفان الأقصى" نتيجة وليست سبباً!
الاشراق | متابعة.
يأتي كتاب "هلغي باومغَرْتِن" في طابع تاريخيّ يعرض مراحل الصراع الفلسطيني ضد المحتل منذ تاريخ نشوئه الفعليّ عام 1948، وصولاً إلى المرحلة الراهنة، فتستعيد الكاتبة الوقائع وتُخضعها للتحليل وللإضاءة القانونية والإنسانية.
صدّرت المؤلفة كتابها في طبعته الأولى بعبارة لا لبس فيها ولا غموض، فكتبت أنه "يأتي في ذكرى ضحايا الحروب الإسرائيلية على غزة - وإلى أطفال غزة: من بيت حانون إلى رفح".
قالت إن الكتاب كان وليدَ التأثر بمقاومة الفلسطينيين الذين عانَوا طويلًا من عنف الاحتلال والتطهير العرقي في المدينة المقدسة، وردَّ فعلٍ على حرب "إسرائيل" ضد بشر قطاع غزة وحجره وضد الضفة الغربية.
"طوفان الأقصى" نتيجة وليست سبباً
تحدثت الكاتبة بأسلوب أكاديمي رصين موصّفة عملية حركة حماس في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023، وحقيقة عجز الإجرام الإسرائيلي المتواصل عن إخضاع قطاع غزة في حروب فشلت جميعها – حتى الآن – في تثبيت الاستعمار الاستيطاني، على الرغم من اعتماد أفظع أساليب العنف الوحشي والتطهير العرقي مما يتجلّى اليوم في غزّة.
عن السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023 قالت إنه "كان نتيجة وليس سبباً... وهو تاريخ لن يمر مرور الكرام، إذ اجتاح مقاتلو حركة حماس فجأة جميع خطوط "دفاع" جيشٍ نشأ وترعرع وعاش على العدوانية، و"كان" يسمّي نفسه زوراً جيشَ "الدفاع" الإسرائيلي، ساحقين في طريقهم جدار غزة ومعبرَه الحصين "إيرز" الذي سقط في يد الحركة، فيما كان فرسان الطائرات الشراعية يحلقون فوق جدار الفصل العنصري ليحطّوا داخل المستوطنات ويلتقوا مع مقاتلين آخرين خاضوا البحر والبرّ، للاشتباك مع جيش الاحتلال الذي لم يعد ثمة وجود فاعل له. وفي لحظة غير مسبوقة في تاريخ الصراع مع أهل الأرض الفلسطينيين، أعلنت "حماس" توقيف ما لا يقلّ عن 200 أسير جرى نقلهم إلى قواعد سرّية جرى تجهيزها مُسبقاً.
تقول الكاتبة: "ساعات في البداية تمرّ ولا ردَّ فعل إسرائيلياً، كأنما الدولة التي كانت سقطت في كوما عميقة... ليصل أخيراً إلى أسماع الغزاويين بعد ساعات طويلة ذلك الذي يعرفونه منذ أن عرفوا الاحتلال: الجيش الإسرائيلي بصدد تسوية غزّة بالأرض وعجن لحوم أبنائها ودمائهم بترابها وحجرها".
هذا ما قاله وزير دفاع الاحتلال "يؤاف غالانت" حرفياً، مُضيفاً بلا حياء: "الفلسطينيون حيوانات بشرية، وجميعهم إرهابيون ودواعش". وإثر ذلك، أطلق آلته العسكرية الوحشية، متسلّحاً بالعنان الذي أفلتته له الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا، وسارع إعلام الغرب الخادع برمته "يجتهد" في سبيل تحويل الفلسطيني، الضحية المضطهَدة، إلى قوة غاشمة مُعتدية تفتك "بالمدنيين المتحضرين".
نقد السياسة الألمانية
بصريح العبارة، لم تتوانَ الكاتبة عن توجيه الاتهامات إلى بلدها، ألمانيا، الذي تقف حكومته على نحوٍ بشع ومخزٍ إلى جانب الكيان الصهيونيّ.
قالت إن مقابلة قصيرة مدتها أربع دقائق فقط أجرتها مع قناة التلفزة الألمانية الثانية في 12 أيار/ مايو 2021 فعلت العجائب، فتفاعل عشرات الآلاف من المواطنين الألمان الذين يدينون بالإسلام عبر إرسالهم رسائل شكر إلكترونية فاجأها، ولم تكن تتوقعه.
وفي فصل من الكتاب، تبدي المؤلفة دهشتها مما يحدث في بلدها ألمانيا تجاه الحرب في غزة وتقول: "كألمانية، أقف مذهولة أمام الهجوم المتكرر والمخجل على الفلسطينيين المسلوبي الحرية والقابعين منذ عام 1967 تحت احتلال منافٍ للقانون الدولي ونظام استعماري استيطاني، والمفروض عليهم العيش في ظل تمييز يَصدُق عليه بحسب توصيف جميع مؤسسات حقوق الإنسان الدولية المعترف بها أنه عنصري، وهو أمر فظيع لا يقع ضمن إدراك الطلائع السياسية والفكرية الألمانية التي تحبّذ حتى عدم الحديث عنه، ومن يفعل فقد يفقد عمله، أو لا يحصل على وظيفة، أو يتم إخراسه بطريقة مبرمجة".
الغرب ضد الفلسطينيين
كان من الواضح إذعان الإدارة الأميركية والحكومات الأوروبية للمنطق الذي يقول إن القوة المادية التي فضّلت دائماً دولهم وشعوبهم على بقية الأمم هي ذاتها المنطق الذي قاد ويقود الغرب كسيف مسموم في يد المحتل الإسرائيلي، بما يتناقض بالكامل مع كل القوانين الدولية وشعارات الغرب التي يلوكها "فراعنته" عن حقوق الإنسان وعدم جواز احتلال أراضي الآخرين بالقوة.
وتحت أزيز الطائرات وعواء الصواريخ التي انطلقت تستهدف حياة السكان الفلسطينيين وبيوتهم وأرزاقهم، ماجت غزة برمالها المتحركة تحت قوة الكيان العمياء الغاشمة، متصدّية للعدوان الوحشي بكفاءة أعجزت "الجيش الذي لا يُقهر" عن تثبيت أقدامه في أي نقطة دخل إليها.
كشف اللعبة الإسرائيلية
تواصل فصول الكتاب تقديم استعراض تاريخي مليء بالعِبَر لمسيرة الفلسطينيين نحو التحرر، بدءاً من التظاهرات وتصرفات قوات الأمن الإسرائيلية الوحشية تجاهها، إلى عمليات هدم بيوت المقاومين، أو سيطرة المتطرفين اليهود عليها، أو حتى تدمير قرى تدميراً كاملًا (كقرية خربة حمصة البدوية في غور الأردن في العام 2021)، أو حصار البلدات الفلسطينية بالمستوطنات، من دون أدنى اهتمام من السلطات الإسرائيلية بنصوص "اتفاقية جنيف" الرابعة الملزِمة بحماية المدنيين في ظل الاحتلال وبعدم تدمير ممتلكاتهم.
يوضح الكتاب سير الكيان الصهيوني بسياسته ذاتها منذ احتلال فلسطين، المتمثلة بالاستعمار الاستيطاني والتطهير العرقي واستخدام العنف مع الضفة الغربية وغزة، حيث لا توازن رعب يحكم الصراع كذاك الموجود مع "حزب الله" في لبنان، إلا أن دُعاة هذا التيار يتعرضون للحصار والقمع من قِبل الصهاينة المتشددين في مختلف أماكن نشاطهم، سواء في جميع دول الغرب، كما في الأراضي المحتلة، الأمر الذي يحول دون ظهور سياسة إسرائيلية مختلفة من دون سقوط نتنياهو.
الخاتمة
أستاذة العلوم السياسية الباحثة الألمانية هلغي باومغَرْتِن تعد من أبرز الأصوات الغربيّة، الإنسانيّة والمتعاطفة مع الحق الفلسطيني، بما يتعاكس بالكامل مع مواقف حكومات "إسرائيل" والغرب، فهي المتزوجة من الموسيقي الفلسطيني مصطفى الكرد، وهي ليست غريبة عما يجري في فلسطين المحتلة، وقد عاشت ردحاً طويلاً من الزمن في القدس الشرقية، وعملت أكثر من ربع قرن أستاذة للعلوم السياسية في جامعة بيرزيت، كما عملت في الجامعة الأميركية في بيروت.
بعبارات واضحة، قدّمت كتابها عن "غزة المذبوحة التي لا يمكن أن يوصِّفَ أيُّ كلام مأساة شهدائها وجرحاها وناسها المرحّلين إلى عراء منطقة رفح، جوعى ومعذّبين، مفترشين الرمل، غارقين في سيول الأمطار، وسط تجاهل غربي بلغ حد الجريمة الإنسانية".
وصفت ما يجري من دون قفّازات، فتحدثت عن "سلسلة هجمات الجيش الإسرائيلي ذات الطابع الوحشيّ المدمّر، والمزدري للبشر، على قطاع غزة"، واستنتجت أنّ "هذا الصراع لا يمكن حسمه عسكريًا. وبناء عليه، هناك حل بسيط حتميّ هو إنهاء الاحتلال".