كيف تعمل شركات التكنولوجيا الغربية الكبرى على تمكين الاحتلال الإسرائيلي؟

الاشراق | متابعة.

في 10 تموز/يوليو الجاري، ذكرت صحيفة "معاريف" العبرية أن 46 ألف شركة إسرائيلية اضطرت إلى إغلاق أبوابها بسبب الحرب المستمرة وتأثيرها المدمّر على الاقتصاد. ووصفت الصحيفة إسرائيل بأنها "دولة في حالة انهيار". القراء المنتظمون لـ The Cradle على دراية جيدة بحجم الانهيار الاقتصادي الذي لحق بالكيان الصهيوني منذ بدء الإبادة الجماعية في غزة. مع ذلك، فإن التراجع الحادّ لقطاع التكنولوجيا الذي كان يومًا مزدهرًا في تل أبيب لا يزال غير مستكشف بعد.

في منتصف حزيران/يونيو الماضي، أفادت وسائل الإعلام الرئيسية أن شركة "إنتل" العملاقة أوقفت عملية التوسّع في مشروع مصنع كبير في إسرائيل كان من المقرّر أن يضخ 15 مليار دولار إضافية في اقتصاد الكيان الصهيوني. و"إنتل" ليست سوى شركة تكنولوجيا عملاقة تدهورت أوضاعها منذ اختراق مقاتلي الحرية الفلسطينيين جدران معسكر غزة في 7 أكتوبر 2023. فقد عانت من المصير نفسه العديد من شركات التكنولوجيا التي تتعامل مع المستهلك وتستفيد من التوسّع غير القانوني للمستوطنات الصهيونية وتوفّر البنية التحتية والموارد المستخدمة في قمع الفلسطينيين وفرض نظام الفصل العنصري الإبادي الاسرائيلي.

هذا الأسبوع، قضت محكمة العدل الدولية بأن الوجود الإسرائيلي المستمر في الأراضي الفلسطينية المحتلة غير قانوني، ويجب أن ينتهي "في أسرع وقت ممكن". والأهم من ذلك، أن المحكمة فتحت الباب أمام "التعويضات" عن أي أعمال غير قانونية قامت بها إسرائيل والكيانات الأخرى منذ عام 1967.

العديد من شركات التكنولوجيا الغربية التي تتعامل مع المستهلك والتي لا تستفيد فقط من التوسع الاستيطاني غير القانوني، ولكنها توفّر بنشاط البنية التحتية الأساسية والموارد المستخدمة لقمع الفلسطينيين وفرض الفصل العنصري، يمكن أن تخضع الآن للدعاوى القضائية.

ويعني الحكم التاريخي الذي أصدرته محكمة العدل الدولية أن استمرارية عمليات شركات التكنولوجيا هذه في الأراضي المحتلة على المدى الطويل أصبحت في حالة احتضار - خوفًا من التداعيات القانونية، إن لم يكن هناك شيء آخر.

وبما يتناسب مع وجود ألمانيا حاليا في قفص الاتهام في محكمة العدل الدولية لدعمها وتسهيلها لمحرقة القرن الحادي والعشرين في غزة، فإن مجموعة "سيمنز" للتكنولوجيا، ومقرها في ميونيخ، تعدّ أيضًا من بين الجناة. فالشركة متخصصة في الأتمتة والرقمنة في الصناعات التحويلية، والبنية التحتية الذكية للمباني وأنظمة الطاقة الموزعة، وحلول التنقل الذكية للنقل بالسكك الحديدية، والتكنولوجيا الطبية وخدمات الرعاية الصحية الرقمية. وتنتشر منتجاتها في كافة أنحاء الكيان الصهيوني ومستوطناته غير الشرعية.

يمكن العثور على أنظمة التحكم بحركة السير وإشارات المرور التي تنتجها "سيمنز" في مناطق الضفة الغربية حيث يُمنع الفلسطينيون من السفر. عام 2014، فاز القسم الإسرائيلي التابع للشركة RS Industries بمناقصة لتوفير أنظمة التحكّم في حركة المرور في جميع أنحاء بلدية القدس. كذلك تزوّد الشركة قطار تل أبيب - القدس السريع بعربات من طراز DDEMU، وفي عام 2018 حصلت على عقد بقيمة مليار دولار من شركة السكك الحديدية الإسرائيلية المملوكة للكيان لتوريد 330 عربة كهربائية، كجزء من مشروع كهربة الكيان الصهيوني، والذي يشمل قطار تل أبيب - القدس السريع (A1).

وهو مشروع مثير للجدل إلى حد كبير ويمر عبر منطقتين في الضفة الغربية، بما فيها أراض فلسطينية خاصة، وهو مخصّص للاستخدام الحصري من قبل اليهود الإسرائيليين. وأكد تحالف "لا تساهم في تمويل الاحتلال" (DBIO) "أن أنشطة شركة سيمنز مثيرة للقلق، لأنها مرتبطة بتوفير الخدمات والمرافق التي تدعم صيانة المستوطنات ووجودها". غير أن أنشطة الشركة تمتد إلى أبعد من ذلك بكثير. فمن خلال ممثلها الإسرائيلي، مجموعة "أوراد"، تزود الشركة مصلحة السجون الإسرائيلية (IPS)  بالمعدات والتكنولوجيا.

ففي عام 2004، وفّرت مجموعة "أوراد" نظامًا أمنيًا يعتمد على تكنولوجيا "سيمنز" لسجن جلبوع، وهو مركز احتجاز داخل الكيان الصهيوني مخصص للسجناء السياسيين الفلسطينيين. كما تزوّد "سيمنز" مصلحة السجون بنظام متطور للكشف عن الحرائق وإطفائها.

الربط بين البشر

تشتهر شركة "موتورولا" بأجهزتها الذكية. لكن تحالف "لا تساهم في تمويل الاحتلال" وثّق بدقة كيف تورّط قسم تل أبيب التابع للشركة بشكل كبير في التوسّع الاستيطاني لأكثر من عقد من الزمن. ومن خلال التعاون الوثيق مع قوات الاحتلال الإسرائيلية ووزارة الدفاع ومجالس المستوطنات الصهيونية في جميع أنحاء الأراضي المحتلة بشكل غير قانوني، صمّمت الشركة وصنّعت نظام المراقبة "MotoEagle"  لحماية المستوطنين في الأراضي المسروقة، كما يجري تشغيله في القواعد العسكرية الصهيونية، وعلى الجدار العازل لمعسكر الاعتقال في غزة.

في بعض الحالات، أقيمت محطات رادار من إنتاج "موتورولا" على أراضٍ فلسطينية خاصة تم الاستيلاء عليها بشكل إجرامي للحدّ من حركة الفلسطينيين في هذه المناطق. كما تزوّد الشركة وزارة الدفاع بنظام "زرميم"، وهو عبارة عن بطاقة ذكية تستخدم في نقاط التفتيش الصهيونية. إذ ينبغي على السائقين الفلسطينيين والتجار وشركات النقل الفلسطينية تسجيل معلوماتهم الشخصية في النظام، لتتمكن تل أبيب من مراقبة كل من يدخل ويخرج من الكيان.

ويعتبر العديد من المستوطنات الصهيونية "موتورولا" المقاول المفضل لأنظمة الأمن الداخلي. ويستخدم المجلس الإقليمي لغور الأردن، الذي يضم أكثر من 20 مستوطنة في الضفة الغربية المحتلة، منتجات موتورولا المتعددة، ومن بينها نظام القيادة والتحكم الخاص بالشركة، وكاميرات المراقبة. كما توظف سلطة السكان والهجرة في مستوطنة بيتار عيليت شركة "موتورولا" لأغراض أمنية.

عام 2022، حصلت Motorola Solutions على عقد لتوفير الكاميرات الأمنية وموارد التحكّم في دخول قطار القدس الخفيف (JLR) على الخط الأخضر بأكمله. ويربط هذا المسار مستوطنة جيلو في القدس الشرقية المحتلة بمركز المدينة، ومستوطنات رمات إشكول ومعالوت دفنا والتلة الفرنسية، مما يخلق اتصالًا بين الجيوب الصهيونية ويسهل حركة المستوطنين. وأدت هذه الأنشطة إلى إدراج "موتورولا" في قاعدة بيانات الأمم المتحدة للشركات التي تستفيد من التوسع الاستيطاني غير القانوني.

هزيمة كاملة

تعد شركة هيوليت باكارد إنتربرايز (HPE) التي انفصلت عن هيوليت باكارد لأجهزة الكمبيوتر الشخصية والطابعات عام 2015، واحدة من أكثر الشركات الأميركية ربحية. ما ليس معروفًا كثيرًا أن الشركة تبني وتدير الكثير من البنية التحتية التكنولوجية التي يعتمد عليها الفصل العنصري والاستعمار الاستيطاني للكيان الصهيوني. على سبيل المثال، توفر HPE خوادم "Itanium" وخدمات الصيانة لهيئة السكان والهجرة في تل أبيب. وأدى ذلك إلى حوسبة نظام نقاط التفتيش الصهيونية، مع تخزين كميات هائلة من المعلومات عن جميع الفلسطينيين الذين يحملون الجنسية الإسرائيلية، والفلسطينيين غير المواطنين المقيمين في القدس الشرقية المحتلة.

تتعاقد HPE بشكل مباشر مع بلديات المستوطنات غير القانونية في موديعين عيليت وأرييل، وهما اثنتان من أكبر المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية، وتوفّر لهما مجموعة من الخدمات. كما تعتبر HPE  مصلحة السجون الاسرائيلية من بين زبائنها، وتتولى صيانة نظام الخادم المركزي الخاص بها، ما تضع الشركة في قلب الاستخدام المروع للسجن الجماعي الذي تديره تل أبيب لتدمير المعارضة الفلسطينية. وكما أشار تقرير هيومن رايتس ووتش عام 1994: "إن انتزاع الاعترافات بالإكراه، وقبول هذه الاعترافات كأدلة أمام المحاكم العسكرية، يشكل العمود الفقري لنظام القضاء العسكري الإسرائيلي".

الأخطر من ذلك أن HPE هي المزود الرئيسي لنظام بازل، وهو نظام آلي بيومتري للتحكم في الدخول يستخدم عند نقاط التفتيش الصهيونية وجدار الفصل العنصري في غزة. وتشكل بطاقات الهوية الموزعة لنظام بازل عنصرًا أساسيًا في التمييز المنهجي الذي يمارسه الكيان ضد الفلسطينيين. بحكم تصميمها، تعمل نقاط التفتيش على فصل وتجزئة الأرض الفلسطينية المحتلة وسكانها، وتفصل العمال عن أماكن عملهم، والطلاب عن مدارسهم، والأسر عن بعضها البعض، وغير ذلك، عبر الأسوار المكهربة، وأبراج المراقبة، والحواجز الخرسانية.

لذلك، فالنظام هو أحد مكونات حالة الحصار الأوسع التي عاش الفلسطينيون في ظلها لعقود من الزمن، وتم تشديده من خلال عزل غزة والضفة الغربية عن العالم الخارجي. البحرية الإسرائيلية هي أيضًا أحد عملاء HPE، إذ تعتمد على البنية التحتية لتكنولوجيا المعلومات وخدمات الدعم الخاصة بالشركة. ويقيّد الحصار بشدة ما يدخل ويخرج من الأراضي الفلسطينية المأهولة، ويركز بشكل واضح على سحق المقاومة الفلسطينية.

عام 2006، أوضح دوف فايسغلاس، مستشار رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك إيهود أولمرت، أن "الفكرة هي فرض نظام غذائي على الفلسطينيين، وليس جعلهم يموتون من الجوع". وكان الأمل أن تؤدّي آلام الجوع من خلال تناول كميات محدودة من السعرات الحرارية إلى تشجيع الفلسطينيين على الانقلاب على حماس، أو على الأقل إجبار مقاتليها على تخفيف العمل المقاوم. لكن تجويع الفلسطينيين في السنوات التي تلت ذلك لم يؤد إلا إلى زيادة دعمهم لحماس، والتوق إلى التحرر من الاحتلال الصهيوني.

فشل الكيان الصهيوني في سحق حماس عبر عملية السيوف الحديدية. والإحراج كارثي للغاية إلى درجة أن وسائل الإعلام الإسرائيلية نفسها وصفت هذه الجهود بأنها "هزيمة كاملة". ومع الضربة الإيرانية الناجحة على إسرائيل في 14 نيسان/أبريل، فإن عهد الإفلات من العقاب الذي يمارسه الكيان يقترب بلا شك من نهايته التي طال انتظارها. وربما قريبًأ، ستواجه شركات التكنولوجيا الغربية الكبرى التي سهلت قمع الفلسطينيين عواقب تواطؤها.

تقرير تابعته الاشراق على منصة عربي كرادل.