"طوفان الأقصى".. ماذا حققت "إسرائيل" وأميركا من أهداف؟

ishraq

الاشراق

الاشراق|متابعة 

هل حققت "إسرائيل" أياً من الأهداف المعلنة لها؟ وما الجديد في قراءة المشهد، سواء تجاه "إسرائيل" نفسها أو تجاه حليفتها أميركا؟

دخلت معركة "طوفان الأقصى" شهرها الثاني وسط تصاعد غير مسبوق لكل أشكال العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، وتجاوز عدد الشهداء أكثر من 10 آلاف شهيد فلسطيني، مع استمرار الضوء الأخضر الأميركي والدعم العسكري اللامحدود لـ"إسرائيل" في إمعان واضح لممارسة مزيد من القتل وسفك الدماء وارتكاب جرائم الإبادة الجماعية بحق الفلسطينيين المدنيين واستهداف المدارس والجامعات والمعاهد والمستشفيات والمساجد، كترجمة عملية للنازية الإسرائيلية في أبشع صورها.

شهر حافل بإنجازات المقاومة الفلسطينية سجلت فيها انتصاراً استراتيجياً عظيماً كبيراً يوم 7 تشرين الأول/أكتوبر، تبعته سلسلة من الانتصارات المتتالية في إدارة المعركة عسكرياً وسياسياً وإعلامياً بحكمة وحنكة عالية واقتدار، أثبتت فيها نجاحاً باهراً، فكانت الكلمة الأولى لها، وهذا ما ميزها عن غيرها من جولات المواجهة مع الاحتلال الإسرائيلي. ولم تكتفِ بالكلمة الأولى، بل تبعتها كلمات ومواقف استراتيجية، وكانت الصورة حاضرة توثّق الفعل في الميدان وتسجيل الهزيمة للمحتل الإسرائيلي.

خلال 30 يوماً، لم تحصد "إسرائيل" إلا القتل والبطش والقصف والتجويع وتشديد الحصار على أكثر من 2 مليون فلسطيني، ولم تستطع تحقيق أي من الأهداف التي أعلنتها، والتي ما زالت تقف عاجزة عن تحقيقها.

30 يوماً من الحرب على غزة لم تقاتل فيها "إسرائيل" وحدها، بل وقفت أميركا معها في احتضان سياسي وعسكري مطلق، ولحق بها الغرب الأوروبي في حال انسياق وتبعية عمياء.

دعمت أميركا "إسرائيل" لأول مرة بهذا الكم من المواقف السياسية والدعم العسكري اللامحدود، فأرسلت حاملة طائرات وغواصات نووية وقوات من المارينز الأميركي وقنابل بالأطنان، تبعتها دفعة ثانية من القنابل الفتاكة بقيمة 320 مليون دولار، ومساعدات استخباراتية استشارية، ودعم مالي وصلت قيمته إلى 14 مليار دولار، مع استمرار الضوء الأخضر لجرائم الإبادة الجماعية بحق الفلسطينيين المدنيين.

كتبت في بداية معركة "طوفان الأقصى" مقالاً في الميادين نت، قلت فيه إن "إسرائيل" بسلوكها وإجرامها في قطاع غزة ذاهبة بصورة حتمية إلى هزيمة عسكرية وأخلاقية كبيرة، وها نحن وبعد 30 يوماً وأكثر، وقد دخلت معركة "طوفان الأقصى" شهرها الثاني، فإنني أذكر ثانية بأن "إسرائيل" ذاهبة إلى هزيمة عسكرية وأخلاقية معنوية، ولن تخرج بشيء سوى بسجل كبير من القتل والإجرام بحق النساء والأطفال الفلسطينيين الذين تجاوز عددهم أكثر من 5 آلاف طفل وامرأة من إجمالي عدد الشهداء .

ثمة أسئلة مهمة تطرح نفسها بعد 30 يوماً من الحرب العسكرية على قطاع غزة: هل حققت "إسرائيل" أياً من الأهداف المعلنة لها؟ وما الجديد في قراءة المشهد، سواء تجاه "إسرائيل" نفسها أو تجاه حليفتها أميركا؟ وماذا عن الموقف الأوروبي والعربي؟

على الصعيد العملياتي، سأنطلق لتقويم الأهداف الإسرائيلية من تصريح مهم للجنرال غيورا آيلاند، رئيس قسم التخطيط في "جيش" الاحتلال، ورئيس مجلس الأمن القومي سابقاً، وصاحب مشروع "توطين" سكان قطاع غزة في سيناء، الذي يقر ويعترف بالفشل الإسرائيلي الكبير في قطاع غزة.

يقول آيلاند: "نحن لا نرى أيّ علامات على انكسار حركة حماس. نحن نشاهد أنهم ينفذون عمليات معقّدة ومنسقة بواسطة الصواريخ قصيرة وبعيدة المدى والمسيّرات وقذائف الهاون والصواريخ المضادة للدروع. هؤلاء ليسوا أفراداً يحاربون من أجل أنفسهم، بل هم منظومة متكاملة تعمل. إنهم يسيطرون على الأقل على 80% تحت الأرض، ويعرفون كيفية الرد بسرعة على ما نفعله في غزة. أستطيع القول إن غزة ما زالت أكبر هدف محصن في العالم".

في التقويم العام للاحتلال الإسرائيلي بعد شهر حافل بالأحداث خلال معركة "طوفان الأقصى"، سجلت "إسرائيل" فشلاً ذريعاً في تحقيق الأهداف، فلم تستطع القضاء على حركة حماس كهدف إسرائيلي أميركي رئيسي معلن، وفشلت في تحرير أي من الأسرى لدى المقاومة، وتكبدت خسائر بشرية كبيرة في جنودها ومعداتها، إذ وصل عدد الآليات وناقلات الجند المدمرة إلى أكثر من 100 دبابة وناقلة جند، بفعل سلاح مضاد الدروع لدى المقاومة، وتحديداً سلاح الكورنيت و"الياسين 105"، كما أنها خسرت معركة الرأي العام العالمي في تشويه صورة المقاومة الفلسطينية من جهة، وصورة الشعب الفلسطيني من جهة أخرى، وفشلت استخباراتياً فشلاً ذريعاً سيبقى يلاحقها أبد الدهر. وقد حصدت كراهية أكثر من 400 مليون عربي ومسلم في العالم.

أما الولايات المتحدة الأميركية بقيادة بايدن، فقد انتقلت في سياستها المعروفة في المنطقة من الحرب بالوكالة عبر حليفتها "إسرائيل" إلى التورط مباشرة في قتل المدنيين الفلسطينيين والإيغال في دمائهم أكثر من دون تحقيق أهداف باستخدام أسلحتها وطيرانها وبوارجها وخبرائها، وهذا يحصل لأول مرة في تاريخ الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، لكنه يدلل على ضعف مستعمرتها المسماة "إسرائيل" في المنطقة، والتي أنفقت عليها الميزانيات والتسليح غير المحدود لضمان بقائها، لكنها شعرت في لحظة، وبفعل "طوفان الأقصى"، بأن هناك تهديداً مباشراً قد يتهددها.

ورغم هذا الدعم والإسناد والمشاركة الأميركية في الحرب على غزة، فإنّ هناك شيئاً جديداً نستخلصه من هذا المشهد، هو أن الهزيمة التي تنتظر "إسرائيل" ستكون معها هزيمة أميركية أخرى، في وقت حاولت إدارة بايدن منذ اليوم الأول للحرب على غزة استغلالها وتوظيفها لمصلحتها بعد هزيمتها في أوكرانيا بهدف استعادة هيمنتها على المنطقة، لكن في تقديري هذه الحرب الدائرة في قطاع ستعيد تشكيل خارطة الشرق الأوسط من جديد.

تاريخياً، سجلت حرب عام 1956 التي شنت على مصر أو ما عرف بالعدوان الثلاثي على مصر نهاية الإمبراطورية البريطانية في الشرق الأوسط وبداية عهد أميركي جديد. هذه الحرب ستسجل نهاية حتمية لهيمنة أميركا على منطقة الشرق الأوسط، وستسجل نقطة البداية الجديدة لحقبة جديدة للاعبين جدد دوليين وإقليميين.

الموقف الغربي والعربي جاء كما كان متوقعاً، فقد عزلت الحرب على قطاع غزة من حيث نتائجها الكثير من الحكومات الغربية والعربية عن شعوبها، وبشكل كبير، في وقت قررت هذه الشعوب الانحياز إلى الإنسانية والأخلاق ضد جرائم الإبادة الجماعية التي ترتكبها "إسرائيل" بحق الشعب الفلسطيني.

الموقف العربي الرسمي هو موقف متواطئ ضد الشعب الفلسطيني، وفيه من العجز الكبير ما هو غير مبرر أمام التضحيات التي قدمها الفلسطينيون على مدار شهر كامل. ويعزز تواطؤ الموقف العربي ما كشفته صحيفة "الغارديان" البريطانية عن وجود توافق أميركي عربي على ضرورة وضع حد لسيطرة حماس على قطاع غزة، وهذا معناه ضمنياً الموافقة على استمرار العدوان حتى القضاء على حماس وفصائل المقاومة الفلسطينية.

مسارات الأحداث في قطاع غزة بعد 30 يوماً من طوفان الأقصى وما حملته من أحداث ومقاومة ضارية عكست روح الشجاعة والتحدي توصلنا إلى نتيجة واحدة هي أن فلسطين قضية لن تموت، وأن الرهان على حل عسكري هدفه كسر المقاومة والقضاء عليها هو رهان خاسر لا رصيد له في ميدان المواجهة المستمرة على الأرض، في وقت باتت فرص عثور الاحتلال الإسرائيلي على أسراه تتقلص يوماً بعد يوم.

أما الأهداف التي يعلنها الاحتلال وأميركا، فهي أهداف غير قابلة للتنفيذ، لا ميدانياً ولا عسكرياً، وسيصل العدو إلى مرحلة مؤلمة يقف فيها عاجزاً ويرضخ لمطالب المقاومة.

Copyright © 2017 Al Eshraq TV all rights reserved Created by AVESTA GROUP