31/10/2023
ثقافة و فن 246 قراءة
حرية زائفة.. كيف فضحت غزة نفاق النخب الثقافية الغربية؟
الاشراق
الاشراق|متابعة
من عدنية شبلي إلى باتريك زكي ودعوة عزرا ياخين إلى إبادة الفلسطينيين.. كيف كشفت حرب الإبادة الإسرائيلية في غزة نفاق النخب الثقافية الغربية وزيفها؟
نيران الحروب لا تعرف حدوداً بعينها، فعندما تستعر تأكل الأخضر واليابس، حتى إنها تمتدّ إلى خارج ميادين القتال، و لا سيما إن كانت حرباً على مدنيين عزل، مثل التي يشنها جيش الاحتلال الإسرائيلي على أهل غزة، مستهدفاً منازلهم وأحياءهم، ثم يصبح السقف الذي ينام تحته الأهالي أقرب أدوات العدو إلى قتلهم، فلا يتطلب إزهاق أرواح الآلاف من الأطفال والنساء سوى بإلقاء مزيد من القنابل على رؤوسهم، أو إرسال زخات إضافية من الصواريخ.
تتحرك الحرب في ميادين أخرى، بخلاف العسكرية التي يقودها الجنرالات. فهناك الحرب الإعلامية التي تشهدها محطات الأخبار ووسائل التواصل الاجتماعي، وأيضاً تحركات القوى الناعمة لدى الطرفين، بما يملكانه من تأثير في الناس، سواء كانوا مثقفين أو أدباء أو فنانيين، وأيضاً استخدام الفعاليات المتعلقة بهم، من المعارض والحفلات، في قمع طرف على حساب الآخر.
***
معرض فرانكفورت ينحاز إلى "إسرائيل".. وإيطاليا تعاقب باتريك زكي
شرارات الحرب التي طالت الوسط الثقافي كانت يوم 14 تشرين الأول/أكتوبر 2023، حين أعلن "معرض فرانكفورت الدولي للكتاب" انحيازه إلى الكيان الصهيوني وسياساته وجرائمه على حساب الجانب الفلسطيني، إذ قرر إلغاء حفل تكريم الكاتبة الفلسطينية عدنية شبلي، التي كان من المقرر الاحتفال بها خلال فعالياته يوم 20 من الشهر نفسه، لتتسلم جائزة "LiBeraturpreis" من جمعية LitProm، عن روايتها "تفصيل ثانوي"، المقتبسة من واقعة حقيقية، والتي تعيد توثيق اغتصاب امرأة بدوية وقتلها في النقب، عشية النكبة الأولى على يد كتيبة صهيونية.
إلغاء الاحتفال بالكاتبة الفلسطينية كان بمثابة القنبلة التي أُلقيت على الوسط الثقافي العربي، إذ سرعان ما أعلن كثيرون من الكتاب تضامنهم مع شبلي، مؤكدين أن قرار المعرض "فضيحة للغرب، الذي ينادي بحرية زائفة، تقتصر على من هم في معسكره فقط"، وبينهم الكاتبة السورية رشا عباس، والكاتب الجزائري سعيد خطيبي، والكاتب المصري هيثم الورداني، والسوري محمد العطار، والمصري شادي لويس، الذي رأى أن "إلغاء تسليم جائزة عدنية شبلي دليل نهائي على تواطؤ المعرض وموقفه الاستعماري والعنصري، ومشاركته المباشرة في إخراس أصوات الفلسطينيين".
أيضاً، أعلن "اتحاد الناشرين المصريين" رفضه مواقف معرض فرانكفورت، وتضامنه الكامل مع الشعب الفلسطيني، داعياً إلى عدم المشاركة العربية في المعرض. وهي الدعوة التي أيدها محمد رشاد، رئيس "اتحاد الناشرين العرب"، مؤكداً أسفه العميق لتصريحات رئيس المعرض يورغن بوس، والتي عكست موقفه المنحاز إلى الكيان الصهيوني.
لم يكن موقف منظمي معرض فرانكفورت تجاه شبلي هو الموقف الوحيد المتطرف، والذي طال كاتباً عربياً، من جراء موقفه مما يحدث في غزة.
كذلك الأمر بالنسبة إلى الباحث المصري باتريك زكي، الذي، بعد سفره إلى روما لإصدار كتاب جديد ألّفه بعد إطلاق سراحه من السجن في مصر، فوجئ بإلغاء جميع فعاليات كتابه في المدينة الإيطالية، وأيضاً إلغاء دعوته إلى افتتاح "مهرجان بريشيا للسلام". كما اعتذر إليه مقدم برنامج شهير إيطالي عن حلقة كان سيحل فيها ضيفاً، بعد أن نشر زكي تغريدة في موقع "x" وصف فيها نتنياهو بـ"القاتل المتسلسل".
وأشار زكي إلى مدى تناقض الغرب في التعاطي مع القضايا العربية، واصفاً وسائل الإعلام العالمية بأنها انتقائية ومؤيدة لــ "إسرائيل"، مضيفاً: "لقد كنت وسأظل من أشد المؤيدين للقضية الفلسطينية وحق الشعب الفلسطيني في استعادة دياره وأراضيه، التي نُهبت بعنف على مر التاريخ. إن السياسات العنصرية والاستعمارية التي تنتهجها حكومة نتنياهو تشكل جذور حالة الحرب التي تبدو أبدية، والتي نجد أنفسنا فيها الآن، الأمر الذي أدى إلى خسارة مأسَوية لآلاف من أرواح المدنيين، بمن في ذلك النساء والأطفال الأبرياء".
أمّا بعض الكتاب العرب فلجأ إلى خطوات استباقية، وبين هؤلاء الشاعرة المصرية فاطمة قنديل، التي اعتذرت عن أمسيتين في "المركز الثقافي الفرنسي" في الـ4 والـ5 من تشرين الثاني/نوفمبر المقبل، لتقديم عرض من إخراج هنري جول جوليان، عن كتابها "أقفاص فارغة" الفائز بجائزة نجيب محفوظ، بكلمات وأداء من الشاعرة والكاتبة المصرية.
وكتبت "قنديل" في صفحتها في "فيسبوك": "كان من المقرر أن أشارك في هاتين الأمسيتين الشهر المقبل، وأنا هنا أعلن انسحابي من هذه المشاركة، فلن أسمح لنفسي ولا لشعري بأن يكونا ستاراً للاتحاد الأوروبي الذي يدعم جرائم إبادة الشعب الفلسطيني... ويدعم جرائم الحروب التي تُرتكب في أرضنا بدم بارد".
استشهاد التشكيلية هبة زقوت وابنها في قصف صهيوني
بتاريخ 13 تشرين الأول/أكتوبر 2023، أي في سابع أيام "طوفان الأقصى"، طالت يد القتل الصهيونية الفنانة التشكيلية هبة زقوت. قطفت روحها المفعمة بألوان الزيتون الخضراء، وبشمس فلسطين التي تضفي على لوحاتها سخونة الأحمر القاني، وإن كان ثمة ما ينبئك بأن تلك الحمرة، التي تخلق بهجة خفية في لوحاتها، هي دماء شهداء الأقصى عبر تاريخ المدينة الحزين.
استشهدت زقوت مع المئات من الفلسطينيين. قتلتها الصواريخ التي قصفت آلاف المنازل فدمرتها، وحصدت أرواح سكانها، ولم تبق على الأطفال والنساء. استشهدت زقوت مع ابنها تحت القصف، وربما لأن البيوت "تموت إذا خلت من ساكنيها"، كما قال محمود درويش، لم يحتمل فراقهما فانهار هو الآخر.
عزرا ياخين لجنود الاحتلال: اقطعوا دابرهم!
عبر اختلاف مواقف ضحايا "طوفان الأقصى" من الكتّاب العرب، بين الاستشهاد والإقصاء، كان الكتاب الإسرائيليون مُعينين لآلة القتل العسكرية، ربما لأن لبعضهم تاريخاً إجرامياً يفوق منجزه الأدبي، ومنهم الكاتب الإسرائيلي عزرا ياخين، جندي الاحتياط، وصاحب الأعوام الـ95. فقبل تلك الأعوام، كان هو أحد أفراد عصابة "شتيرن"، التي ارتكبت مذبحة دير ياسين عام 1948، ورأيناه بعد تلك الإعوام، في مقطع فيديو، مرتدياً بدلته العسكرية، عجوزاً متهالكاً، لكنه لم يتخلص بعد من دمويته.
عبر مقطع الفديو المتداول، وجه عزرا ياخين رسالة إلى جيش الاحتلال. كانت رسالته تقطر دماً فلسطينياً، قال فيها: "اقطعوا دابرهم قدر ما تستطيعون، حتى لا يبقى لهم ذكر، لا ذكر لهم ولا لأمهاتهم ولا بناتهم ولا أطفالهم". كما كشف أن اعتبار وزير الحرب الإسرائيلي الفلسطينيين "حيوانات بشرية" هو موقف صهيوني راسخ، أكده ياخين عبر قوله إن "هؤلاء الحيوانات لا ينبغي لهم أن يعيشوا".