05/09/2023
تقاریر 163 قراءة
معارك شرقيّ الفرات: المقدّمات وواقع الميدان

الاشراق
الاشراق|متابعة
لن تسمح واشنطن بأنْ تخرج الأمور عن السيطرة في مناطق شرقيّ الفرات، والمؤكّد أنْها ستتدخّل وتلجم الجميع عند نقطة معينة ومحدّدة من الصراع.
تتسارع الأحداث في مناطق الريف الشرقي لمحافظة دير الزور، حيث تسيطر "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) منذ العام 2019 تحت الرعاية العسكرية والسياسية الأميركية، وحيث تنشط الذراع العربية العشائرية لـ"قسد" (مجلس دير الزور العسكري) منذ ذلك الحين. وتتصاعد الاشتباكات بين شريكيّ الأمس على مدار الساعة.
الأمر الذي حوّل قرى المنطقة وبلداتها كلها إلى ساحة حرب حقيقيّة مرشّحة للاشتعال أكثر، والامتداد إلى مناطق ومساحات جديدة في الشرق والشمال، خصوصاً بعد الدعوات العشائرية إلى الالتحام والنهوض في وجه "قسد" وطردها من المنطقة، وبعد توقّف الراعي الأميركي عند الدعوات إلى الهدوء، وعدم تحريك طائراته لمساندة فريقٍ ضدّ الآخر، كما جرت العادة في معارك "قسد" مع الفصائل التي كانت تنتشر في المنطقة قبل العام 2019.
منذ بداية هذا العام، بدأت الخلافات تطفو على السطح بين "قسد" ومجلس دير الزور العسكريّ الذي تشكّل في نهاية العام 2016، والذي يتزعّمه المدعو أحمد الخبيل، الملقّب بأبي خولة، الذي ينحدر من فخذ "البكيّر" التابع لعشيرة "العكيدات" المنتشرة في سوريا والعراق، وغالباً ما كان شخص الخبيل نفسه مادة الخلاف الرئيسية، إذ جرى اتّهامه، وبعض المقرّبين منه، مِن جانب العديد من الناشطين والسكان المحليين برعاية مصالحه الشخصية فقط، وتبادل تلك المصالح مع "قسد"، وشقّ صفوف العشائر والقبائل هناك، وارتكاب انتهاكات جسيمة في المناطق التي يسيطر عليها فصيله.
فيما اتُّهمَت الإدارة الكردية من جهة أخرى، باضطهاد أهل المنطقة وسوقهم إلى التجنيد، وإهمال ريف دير الزور وعموم المناطق العربية في الشرق، وعدم بذل أي جهد ملحوظ لتطوير الخدمات الأساسية التي يحتاجها السكان هناك، على عكس ما يجري في المناطق الكردية، لتتحوّل الخلافات لاحقاً وتصبح بين الخبيل و"قسد" بشكل مباشر، خصوصاً بعد أن لمست القيادة الكردية ازدياد قوة نفوذ الخبيل في المنطقة، وخروجه عن طاعة مجلس القيادة العام، وتصرّفه كزعيمٍ أوحد في الريف الشرقي للمحافظة، الأمر الذي دفع بقيادة "قسد" إلى القيام بعدة محاولات لتحجيمه وضبطه، من دون جدوى.
وإذ جهد الأميركيون غير مرّة في احتواء الخلافات التي بدأت تتطوّر بين الطرفين، وتطويقها وعدم السماح بتدحرجها نحو الاقتتال، حدث تغيير جذريّ في العلاقة بين الشريكين في النصف الثاني من شهر آب / أغسطس الفائت، حين اعترضت قوة من "قسد" مجموعة من عناصر المجلس العائدين من نوبة حراسة في ريف الحسكة، وتطوّر الأمر إلى حدّ حدوث اشتباك بالأسلحة الخفيفة، سرعان ما استجابت له قوات من الطرفين، ليبدأ الاشتباك بالأسلحة المتوسطة أيضاً.
وفيما حاول الطرفان التقليل من خطورة الحدث، عبر بيانات صدرت عن مسؤولين في "قسد" تحدثت عن خلافات عرضية جرى تطويقها وانتهت، وتصريحات من الخبيل نفسه، عدّ فيها أنّه وفصيله جزءاً أساسيّاً من "قسد"، وأنّ ثمّة خلافات في وجهات النظر لا أكثر، وأنّ القيادة العامة لـ"قسد" قادرة على حلّها، بيد أنّ الأحداث تطورت بطريقة دراماتيكية بعد استدعاء الخبيل لاجتماع مع القيادة العامة في نقطة "استراحة الوزير" في ريف الحسكة خلال الأيام الأخيرة من الشهر المنصرم، وتوقيفه هناك بأمرٍ من القائد العام لـ "قسد"، مظلوم عبدي، بحسب ما أشارت مصادر تتبع لمجلس دير الزور العسكريّ.
وما إن بلغت أنباء اعتقال الخبيل الريف الشرقي لدير الزور، حتى أعلن شقيق الخبيل النفير العام بين قوات مجلس دير الزور العسكري، والتي يبلغ تعدادها حسب الإحصاءات المحلية الأخيرة، أكثر من 15 ألف مقاتل، مطالباً بالإفراج عن شقيقه فوراً وإلّا سيبدأ المجلس معارك لن تنتهي إلّا بطرد "قسد" وأجهزتها الأمنية والمدنية من عموم قرى المنطقة وبلداتها.
وهو ما تمّ الشروع فيه بالفعل، وسط نداءات للعشائر العربية بالتوحّد لطرد "قسد"، وقد لاقت هذه الدعوات استجابة لا بأس بها بين أهالي المنطقة، ليس حبّاً بالخبيل، بل بسبب حنق الأهالي على "قسد" وقراراتها المتعلقة بالتجنيد الإجباريّ وبفرض مناهج تعليمية صادرة عن "الإدارة الكردية"، وإهمالها لتلك المناطق. بينما لم تُعلّق قيادة الإدارة الذاتية على اعتقال الخبيل، بل أعلنت في 27 آب / أغسطس الفائت، عن عملية عسكرية تستهدف تنظيم "داعش" الإرهابي في مناطق سيطرة المجلس العسكري لدير الزور، وقد تزامن هذا الإعلان مع اعتقال الخبيل، ومع حشد "قسد" لقواتها في مواجهة قوات المجلس.