النكبة الفلسطينية في الكتب.. بيبلوغرافيا ناقصة

ishraq

الاشراق

الاشراق|متابعة 

بعد 75 عاماً على وقوعها، يستمر تناول النكبة الفلسطينية في الكتب الأدبية وغير الأدبية، في ظل غياب بيبلوغرافيا شاملة تسهّل للباحثين دراستها والاطلاع عليها.

قدّم غسان كنفاني كتابه "أدب المقاومة في فلسطين المحتلة 1948-1966"، بالقول: "تفتقر هذه الدراسة إلى عنصر أساسي، يتوقف عليه عادة جزء جوهري من نجاح البحث، هو وفرة المصادر". ويضيف: "لقد كانت محاولات تأريخ آداب المقاومة لدى شعب من الشعوب تتم عادة بعد التحرير، وذلك لأسباب بديهية لا داعي للدخول في تفاصيلها". 

توجد اليوم مصادر عديدة عن الأدب المقاوم في فلسطين المحتلة، وعن الأدب الفلسطيني عموماً، تغطي حوالى قرن من تاريخه، إلا أنّ الصعوبة تكمن هنا في أننا نتناول النكبة في الأدب تحديداً، صورتها وكيفية كتابتها والتوثيق والتأريخ لها، أي النكبة لا بوصفها حدثاً، بل مساراً تاريخياً، كما يقول الروائي إلياس خوري في حوارٍ معه، لأنها "مستمرة، وهي ظلت تحدث بعد عام 1948 وحتى الآن".

ما يزيد صعوبة تغطية النكبة في الأدب، أنّ لها مستويين متشابهين، الأول ذاتي، يشمل الكتّاب الفلسطينيين الذين عايشوها وكانوا من ضحاياها، والثاني يميل إلى الموضوعية أو التوثيق، يشمل الكتّاب العرب الذين أرادوا أن يكون لهم موقف ورأي وفاعلية فيما يحدث. كما تمتد المحاولة إلى "أدب الشتات"، أو "أدب المنفى"، الذي كتبه فلسطينيون اضطروا إلى مغادرة أراضيهم بسبب النكبة، مثل غسان كنفاني وجبرا إبراهيم جبرا ورشاد أبو شاور وفيصل حوراني وعلي حسين خلف وأمين شنار (غادر فلسطين بعد النكسة) وأفنان القاسم وحسن سامي يوسف.


محاولات لتقسيم الأدب الفلسطيني
أصدر محمد حمدان عام 2004 كتاباً بعنوان "أدب النكبة في التراث العربي"، يمكن اعتباره مرجعاً للأدب الذي يحمل هذا الاسم، من دون أن يقتصر على النكبة الفلسطينية فقط.

يقول الكاتب عبد الفتاح القلقيلي إنّ النكبة كانت موضوعاً متناولاً في الأدب العربي عبر تاريخه، حتى كادت أن تكون نوعاً أدبياً خاصاً، ابتداء من نكبة الشيعة عام 680، مروراً بنكبة الأندلس عام 1492، حتى النكبة الفلسطينية عام 1948، وغيرها من النكبات. يذهب القلقيلي إلى تقسيم الأدب الفلسطيني إلى قديم يسبق النكبة، وحديث يليها. ويتفق النقاد ومؤرخو الأدب أنّ أدب فلسطين وشعرها قبل النكبة كان بمثابة تحذير مما سيأتي، سواء في شعر إبراهيم طوقان، أو شعر الشهيد عبد الرحيم محمود، الذي قال للملك سعود بن عبد العزيز عند زيارته فلسطين عام 1935: "المسجد الأقصى أجئت تزوره.. أم جئت من قبل الضياع تودعه". أما في الرواية، فنذكر رواية "الوارث" (1920) لخليل بيدس، ورواية "مذكرات دجاجة" (1943) لإسحاق موسى الحسيني، اللتين تُعدَّان استشرافاً لما حدث في فلسطين. 

على الطرف الآخر، يضع الكاتب محمد الجعيدي، في كتابه "مصادر الأدب الفلسطيني الحديث"، الأدب الفلسطيني في 4 مراحل، تبدأ الأولى مع النهضة العربية حتى نكبة العام 1948، أما المرحلة الثانية فمن النكبة حتى نكسة حزيران في العام 1967، فيما تمتد المرحلة الثالثة من النكسة حتى العام 1987، أما المرحلة الرابعة فهي مرحلة الانتفاضة، وهي أكثر المراحل نضجاً وإبداعاً وفقاً للجعيدي.

أما بعد النكبة، فقد اختلف الإنتاج الأدبي بصورة كلية، وذلك بسبب الذهول الذي خيّم على المشهد الثقافي ردحاً من الزمن، ثمّ ما لبث أن أصابه انفجار شعري وروائي وقصصي. ويمكن اعتبار كتابَي الشهيد غسان كنفاني "أدب المقاومة في فلسطين المحتلة 1948-1966"، و"الأدب الفلسطيني المقاوم تحت الاحتلال 1948-1968"، من أهم المراجع للإحاطة بالمشهد الأدبي الفلسطيني في ذلك الزمن.

ولمزيد من البحث، نذكر بعض الدراسات التي كُتبت عن الأدب الفلسطيني، مثل ما كتبه ناصر الدين الأسد عام 1957 بعنوان "الاتجاهات الأدبية في فلسطين والأردن"، وهو كتاب يضم محاضرات ألقاها على طلبة قسم الدراسات الأدبية واللغوية في معهد الدراسات العربية. قسّم الأسد البحث إلى 3 أقسام، تناول في الأول عوامل النهضة الحديثة ومظاهرها، وفي الثاني النثر الفني، وفي الثالث الشعر. وهناك بحث ثانٍ للمؤلف بعنوان "الشعر الحديث في فلسطين والأردن"، وهو يقتصر على الشعر وحده.

نذكر كذلك رسالة الدكتوراه لعبد الرحمن ياغي، وموضوعها "حياة الأدب الفلسطيني الحديث من أول النهضة حتى النكبة"، ودراسة كامل السوافيري المعنونة بـ"الأدب العربي في فلسطين (1860-1960).

السردية التاريخية
تعود بداية التأريخ الموضوعي للنكبة إلى كتاب قسطنطين زريق "معنى النكبة" (1956). ومنذ ذلك الحين، أصبح لفظ "نكبة" هو المصطلح القياسي بين الفلسطينيين الذي يستحضر صدمة العام 1948 داخل العقل الجماعي الذهني والثقافي، وفقاً لفاطمة جونسون. نشر إيلان بابيه في العام 2006 كتاباً بعنوان "التطهير العرقي لفلسطين"، يذكر فيه أنّه لم تتواجد النكبة أبداً داخل كتب التاريخ الإسرائيلي، لذا يمثل كتابه سرداً جديداً لأحداثها. هذا بالإضافة إلى كتاب "التطهير العرقي وجغرافيا إنشاء المستوطنات الاستعمارية"، للمؤلفين نيف جوردان وموريل رام.

ومن الكتب التأريخية للمأساة الفلسطينية، نذكر أيضاً كتاب المؤرخ وليد الخالدي "كل ما تبقى"، الذي تناول فيه القرى الفلسطينية المدمرة، وكتاب "الكارثة الفلسطينية" لمايكل بالومبو، الذي يكشف تفاصيل المذابح وأشكال الدمار التي تعرض لها الفلسطينيون، كما نشر نور مصالحة في العام 2012 كتاباً بعنوان "نكبة فلسطين"، يتطرق فيه للتزييف الإسرائيلي للتاريخ، سواء في الماضي أو في الحاضر.

السردية الأدبية
في الفترة بين عامَي 1948 و1967، سيطر مصطلح "أدب النكبة" على الأدب الفلسطيني الذي يتناول المأساة، ثم حلّ محله مصطلح جديد هو "أدب الهزيمة"، أو "أدب حزيران". مع ذلك، ظلّت النكبة حاضرة في المشهد الأدبي، ولو أقل مما قبل. 

في العام 1979، نشر سلمان ناطور سلسلة تحت عنوان "وما نسينا"، ثم أصدر كتابه "ستون: رحلة الصحراء"، في الذكرى الـ60 للنكبة الفلسطينية.

يتتبّع الناقد الفلسطيني عادل الأسطة حضور النكبة في الأدب الفلسطيني، فيقول: "مع أن ما كتبه غسان كنفاني قارب النكبة، إلا أنه لم يكتب في رواياته تفاصيلها، وكانت تفاصيلها أكثر حضوراً في قصصه القصيرة، وفي قصص سميرة عزام أيضاً. ولم يقارب جبرا إبراهيم جبرا النكبة إلا قليلاً جداً، ولذلك ما إن كتب الياس خوري روايته "باب الشمس" حتى عدّها بعض الفلسطينيين رواية النكبة، وعموماً فقد واصل إلياس كتابتها في روايته "أولاد الغيتو: اسمي آدم".

يضيف الأسطة أن إبراهيم نصر الله يُعد أكثر روائي فلسطيني في المنفى بعد العام 2000 انشغالاً بالنكبة، وتلاه رشاد أبو شاور في روايتي "وداعاً يا زكرين" و"ليالي الحب والبوم"، تحديداً. ومن بين العائدين هناك يحيى يخلف، في روايتيه "ماء السماء" و"جنة ونار". أي أنّ النكبة حضرت في الرواية الفلسطينية لا في زمن حدوثها، وإنما بعد مرور عقود عليها.

وفقاً لناهض زقوت، في دراسته "الأدب والنكبة، قراءة في النص السردي"، فإنّ الروائيين الفلسطينيين كتبوا منذ النكبة وحتى العام 2010 ما يزيد عن 600 رواية، تناولوا في نحو 80% منها النكبة وتداعياتها بالتفصيل. نذكر من هذه الأعمال التي أرفقها زقوت "الخروج من وادي السلامة" لزيد أبو العلا، و"بيت للرجم بيت للصلاة" لأحمد عمر شاهين، و"المتشائل" لإميل حبيبي، و"الصورة الأخيرة في الألبوم" لسميح القاسم، و"طبرصف والزينبية" لعدنان عمامة، و"الذين يبحثون عن الشمس" لعبد الله تايه، و"حفنة رمال" لناصر الدين النشاشيبي.

أما عن رواية المنفى في السنوات الأولى بعد المأساة، يكتب فيصل دراج: "كأن على الفلسطيني أن يسجل رواية المنفى، في انتظار زمن سوي. لا يكتب الإنسان المنفي عن هشاشة الوجود، بل عن الإنسان المقاتل من أجل العودة إلى وطنه. تدور رواية المنفى الفلسطيني حول النصر واليقين وعودة الحق الأكيدة".

البحث عن بيبليوغرافيا
ينقصنا اليوم، على نحو ملحوظ، دليل بيبليوغرافي شامل للأعمال الأدبية التي تناولت القضية الفلسطينية، وهو ما لا يمكن لمقالة أن تقوم به. 

يصور المفكر إدوارد سعيد التراجيديا الفلسطينية في كل مكان على النحو التالي: "لقد تبخر من حياتي وحياة الفلسطينيين جميعاً ثبات الجغرافيا وامتداد الأرض. وحتى لو لم يقم أحدهم بإيقافنا على الحدود، أو سوقنا إلى مخيمات جديدة، أو منعنا من الدخول أو الإقامة أو السفر من مكان إلى آخر، فإن أراضينا يجري احتلالها. يتدّخل الآخرون في حياة كلّ منّا بصورة اعتباطية، وتُمنع أصواتنا من الوصول إلى بعضنا بعضاً. إن هويتنا تُقيَّد وتُحبَس وتُحاصَر في جزر صغيرة خائفة، ضمن محيط غير مضياف تحكمه قوّةٌ عسكريةٌ عليا، تستخدم رطانة إدارة حكومية تؤمن بالطهارة العرقية الخالصة".

من جهته، يوضح أحمد رفيق عوض أنّ النكبة هي "الحادثة التي توقف عندها تاريخ الإنسان الفلسطيني؛ بمعنى أنها جرح شخصي، من جهة، وجرح عام، من جهة ثانية. وبالتالي، فإن هذا الجرح لا يلتئم على الإطلاق. إنها نوع من الإهانة الشخصية لكل فلسطيني، وإهانة جماعية للفلسطينيين كلّهم".

انطلاقاً مما سبق، يمكن أن نقول إنّه ليس ثمة أدب فلسطيني ثابت، شكلاً أو موضوعاً، بل هناك بحث لكل كاتب عن هويته الفردية، وهوية أبناء جلدته التي ضاعت قبل 75 سنة، وما تزال تضيع كل يوم، سواء في قلب فلسطين، أو في الشتات والمنافي. وللسبب نفسه، فإنّ الكتب أكثر وأضخم وأعسر من أن تحويها مقالة واحدة، إنما تتطلب كتاباً ضخماً، هو ما نحتاجه اليوم، بعد ثلاثة أرباع القرن من النكبة، ولو كان مخصصاً كبيبليوغرافيا للأعمال الأدبية فقط.

Copyright © 2017 Al Eshraq TV all rights reserved Created by AVESTA GROUP