اندثار لبنان والأولويات الإقليمية والدولية!

ishraq

الاشراق

الاشراق | متابعة.

لا يشبه الفراغ الرئاسي، الذي يمر فيه لبنان، مرحلة الفراغ السابقة التي استمرت عامين ونصف عام، وانتهت بانتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية في تشرين الأول/أكتوبر 2016.

فمرحلة اليوم فيها من الخطورة أكثر مما يتصور أي متابع، وحراجة الوضع لامست الانفجار، وهو ما يدفع بعض القوى الداخلية إلى استعجال انتخاب رئيس للجمهورية بسرعة، قبل "خراب البصرة اللبنانية".

من هنا، بدأ السعي للسير برئيس يحظى بأصوات دستورية لا بأكثرية، والمعركة الجدية تنحصر بين قائد الجيش جوزيف عون ورئيس تيار المردة سليمان فرنجية، مع عدم وجود فيتو خارجي ولا بطاقة خضراء في وجه أي منهما، ليس بسبب ولع بالمرشحَين المذكورين، وإنما لأن للخارج أولويات تتقدم على لبنان.

 فالمجتمع الدولي أمامه أولويات كثيرة، ولبنان فيها ليس إلّا تفصيلاً عابراً. وعليه، لا يمكن ربط مصير الانتخابات الرئاسية ولملمة الوضع الداخل، في حده الأدنى، بالاتفاقيات الإقليمية والدولية. ولو أن باريس تحاول وضع لمسة "رد اعتبار" لإخفاقاتها السابقة، ومع ذلك فإنها لن تستطيع أن تغيّر المشهد، نتيجة أكثر من سبب، ليس أقلها اندثار دورها في المنطقة، فتتمسك بحبل لبنان و"توتالها" (شركة توتال) فيه. 

ما يحدث في الجوار والمحيط غير مريح، وخصوصاً فيما يتعلق بإيران والسعودية وتركيا وسوريا، فأوراق التسوية لم تنضج بعدُ لإعادة خلطها.

إيران لا تبذل جهداً للتدخل في لبنان، وخصوصاً بالنسبة إلى الاستحقاق الرئاسي، وأوكلت الملف الداخلي إلى حزب الله، وله القرار في البتّ فيه. والحزب حريص على عدم انفلات الشارع، فمن غير المسموح عودة الحرب الأهلية، ومحسوم أمر عدم استخدام قوته في الداخل. لذا، فإن إيران مطمئنة إلى سلوك الحزب وتكتيكاته واستراتيجيته.

أمّا في المنطقة فيقف الحوار السعودي - الإيراني عند حافة الهاوية. فخمسة لقاءات لم تنجح في إحداث خرق يعيد الطرفين الى بر المصالحة. وإذا كانت بادرة حسن العلاقات، والتي تنتظرها طهران من الرياض، هي في إعادة فتح السفارات بين البلدين، فإن الأخيرة تشترط حل الملف اليمني قبل أي شيء. 

الشرخ العربي – العربي والشرخ العربي - الإيراني مستمران، على الرغم من وجود سفارات لإيران فيها، باستثناء السعودية والبحرين. فمصر والكويت والإمارات تقف في الوسط. ووحدها العلاقات الوطيدة تجمع إيران بسلطنة عُمان وقطر، التي لم تعد مياه "العروبة والأخوة" الى مجاريها، وخصوصاً مع المملكة. أمّا في الملف السوري فإن إيران حجزت مكانها إلى طاولة المفاوضات الروسية السورية التركية، ومن المتوقع أن يُعقد اجتماع رباعي منتصف شهر شباط/فبراير في موسكو، الأمر الذي يشكل بالطبع إزعاجا للولايات المتحدة الأميركية، التي عبّرت علناً عن ذلك.

موسكو تستميل أنقرة في حربها في أوكرانيا، وبالتالي تعهّدت إيجاد حلول مع الرئيس بشار الأسد قبل الانتخابات الرئاسية التركية، والتي يشكل فتح الطريق مع دمشق وإعادة النازحين السوريين ورقة رابحة في إعادة انتخاب إردوغان.

وفي الملف النووي الإيراني، يبدو أن ما قاله الرئيس الأميركي، جو بايدن، ومفاده أن "الاتفاق مات"، فيه كثير من الواقعية، وهو ما عكسه الموقف الأوروبي المتشنّج تجاه إيران بعد أعوام من الغزل المباشر، من أجل اغتنام المكاسب الاستثمارية التي توفرها السوق الإيرانية في المجالات كافة. 

يبقى التصعيد الإسرائيلي المباشر عبر تحميل إيران مسؤولية عمليات المقاومة الفلسطينية في الأراضي المحتلة، والرد داخل أصفهان في رسالتين واضحتين، وهو أمر يُعَدّ توسعاً في الخرق العدواني والرد في الداخل الإيراني، ويشكّل تحدياً فظاً. وإن كانت إيران تتريث في الرد عليه إلى الآن، فلأن لكل خطوة حساباتها، ولأن العبرة لمن ينتصر في النهاية. 

وبينما تبقى العين على روسيا وأوكرانيا، بسبب الحرب التي نسفت كل الموازين السياسية، وحملت كل القلق والهواجس إلى أوروبا، وأخطرها وأكثرها مباشَرةً الأزمة الاقتصادية، مع ارتفاع مؤشر الغلاء وإقفال شركات مهمة وزيادة نسبة البطالة، فإن العلاقات الإقليمية تتشابك فيما بينها وتزداد تعقيداً، وهو ما يؤثّر في كل دولة على حدة، وخصوصاً لبنان وسوريا، الأمر الذي لا يؤشّر على أي حلول قريبة على رغم أن تسجيل خرق مع تركيا على الخط السوري ربما يؤسّس أملاً قد يطلّ من بعيد، لأن الاقتراب منه فيه كثير من المعوّقات، أهمها المعوّقات الأميركية. 

أمّا لبنان فإذا نجح في الفوز بورقة انتخاب رئيس للجمهورية، فأمامه استحقاقات متشعبة وكثيرة جداً، وسط الفساد، الذي أطاح المدّخرات، وانهيار الليرة وتهاوي المؤسسات وتعفّن الإدارات وفراغها واندثار المصارف، التي اعترف حاكم مصرف لبنان بأنها "لن تتعافى قبل 5 أعوام"، بالإضافة إلى الفوضى المجتمعية التي تتوه وراء الدواء والاستشفاء والغذاء والتعليم.

تقرير تابعته الاشراق لريما فرح

لا تتبنى الاشراق بالضرورة الاراء والتوصيفات المذكورة.

Copyright © 2017 Al Eshraq TV all rights reserved Created by AVESTA GROUP