مدى تأثير القوى العظمى في العلاقات الصينية البنغلاديشية

ishraq

الاشراق

الاشراق|متابعة 

تأسَّست العلاقات الدبلوماسية بين بنغلاديش والصين عام 1975. ومنذ ذلك الوقت، تطورت العلاقات بينهما، لتصبح الصين الشريك التجاري الأول لبنغلاديش متخطيةً الهند.

قال الرئيس الصيني شي جين بينغ في رسالة التهنئة التي بعثها عام 2022 إلى محمد عبد الحميد، رئيس جمهورية بنغلاديش، بمناسبة الذكرى الـ51 لاستقلالها، إنَّه "مستعد للعمل معها لدفع شراكة التعاون الإستراتيجي بينها وبين الصين إلى آفاق جديدة".

تولي الصين اهتماماً كبيراً لبنغلاديش، نظراً إلى موقعها الإستراتيجي على خليج البنغال ودورها المهم في مبادرة "الحزام والطريق" وربطها مدينة هونان الصينية بالمحيط الهندي، فضلاً عن رغبة بكين في توسيع نفوذها في منطقة المحيطين الهندي والهادئ.

عام 2016، زار الرئيس الصيني شي جين بينغ بنغلاديش في زيارة هي الأولى لرئيس صيني منذ زيارة الرئيس لي شيان نيان في آذار/مارس 1986، واتفق الجانبان على رفع علاقاتهما إلى شراكة إستراتيجية، وانضمت دكا إلى مبادرة "الحزام والطريق".


تأسَّست العلاقات الدبلوماسية بين بنغلاديش والصين في العام 1975. ومنذ ذلك الوقت، تطورت العلاقات بينهما لتصبح الصين الشريك التجاري الأول لبنغلاديش، متخطية الهند، إذ بلغ حجم التبادل التجاري عام 2021 بينهما 25.15 مليار دولار أميركي، بزيادة سنوية قدرها 58.4%، وبلغت صادرات الصين إلى بنغلاديش 24.1 مليار دولار أميركي، بزيادة سنوية قدرها 59.8%، وبلغت الواردات من بنغلاديش 1.05 مليار دولار أميركي، بزيادة سنوية قدرها 30.9%.

وتستثمر الصين في العديد من المشاريع الكبرى في بنغلاديش، بما في ذلك جسر بادما الذي افتتح عام 2022، وخطّ سكة حديد شيتاغونغ إلى كوكس بازار، واستثمارات في ميناء شيتاغونغ، أكبر ميناء في بنغلاديش، وميناء بايرا، ومشروع نفق نهر كانابوري، وبلغ حجم الاستثمارات الصينية في بنغلاديش عام 2021 نحو 1.26 مليار دولار أميركي، بزيادة قدرها 293.2%.

على مدار 32 عاماً، حرصت الصين على إرسال وزير خارجيتها إلى أفريقيا في أول رحلة دبلوماسية في العام الجديد. وبناء على ذلك، زار وزير خارجية الصين الجديد تشين غانغ 5 دول أفريقية في الفترة الممتدة من 9 إلى 16 كانون الثاني/يناير الجاري، ولكن قبل وصول تشين إلى إثيوبيا، المحطة الأولى في رحلته الأفريقية، توقف بشكل مفاجئ في مطار بـدكا.

وصفت وزارة الخارجية الصينية في بيانها الحدث بأنه توقف فني. وعُقد اجتماع مقتضب مع وزير الخارجية البنغلاديشي أبو الكلام عبد المؤمن، وأشاد الجانبان بالصداقة بين البلدين، واتفقا على تعزيز التبادلات في العام الجديد والعمل المشترك من أجل إحراز تقدم في العلاقات الثنائية، وأكدا أن زيارة وزير الخارجية الصيني ليست زيارة رسمية، بل مجرد توقف.

ولكن توقيت الزيارة يشير إلى أنَّ هناك ضرورة ملحّة استدعت عقد اللقاء. وبحسب وسائل الإعلام البنغلاديشية، استقبل وزير الخارجية البنغلاديشي نظيره الصيني لدى وصوله إلى المطار عند الساعة 1:58 صباحاً تقريباً، وتحدثا لمدة تقل عن ساعة، وغادر تشين عند الساعة 2:50 صباحاً تقريباً. ولو لم يكن هناك أمور طارئة لمناقشتها، لما كان وزير الخارجية البنغالي توجه إلى المطار لمقابلة السفير الصيني بعد منتصف الليل.

وبعد اللقاء، قال مؤمن لوسائل الإعلام البنغلاديشية إن حديثه مع نظيره الصيني تطرق إلى العجز التجاري بين البلدين (وهو لصالح الصين). وقد بدا اليأس في تصريحاته، إذ قال إنه على الرغم من وجود قرار بتسهيلات معفاة من الرسوم الجمركية والحصص لـ98% من المنتجات البنغلاديشية، فإنه لم يتم تنفيذ القرار بالكامل.

وكما ذكر وزير خارجية بنغلاديش، فأثناء زيارة الرئيس الصيني شين جين بينغ إلى بنغلاديش عام 2016، والتي تعتبر في رأيه علامة فارقة، تم الاتفاق على العديد من الاتفاقيات والقرارات المتعلقة بالاستثمار، والتي لم يتم تنفيذها بعد.

وتطرق الجانبان الصيني والبنغلاديشي إلى مسألة الروهينغا، إذ تطالب دكا بكين بأداء دور لإعادتهم إلى ميانمار، نظراً إلى نفوذ بكين الكبير لدى بورما. وتستضيف بنغلاديش أكثر من 1.1 مليون من الروهينغا، ولم تتم إعادة أي شخص منهم إلى وطنهم ميانمار منذ آب/أغسطس 2017. 

وطالب الوزير مؤمن الصين باتخاذ إجراءات خاصة لحل المشكلة في أسرع وقت ممكن. وفي هذا السياق، ذكر السفير الصيني الجديد لدى بنغلاديش أن إعادة الروهينغا إلى وطنهم ميانمار ستبدأ في أسرع وقت ممكن.

وحول صراع أميركا والصين، طمأنت دكا بكين إلى أنها تحافظ على سياسة خارجية متوازنة، وقال مؤمن للصحافيين: "نحن نؤمن بمبدأ "صين واحدة"، ونحافظ على سياسة خارجية متوازنة. هذا هو مبدأنا"، وأضاف أن دكا تريد علاقات جيدة مع كل من بكين وواشنطن، لكن تحقيق توازن بين القوتين العظميين يمثل تحدياً.

وتزامنت زيارة وزير خارجية الصين مع زيارة تشن تشو، نائب رئيس الدائرة الدولية للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني، إلى بنغلاديش. وجاءت الزيارات الصينية الرفيعة المستوى مع زيارة إيلين لوباتشر، كبيرة مديري مجلس الأمن القومي الأميركي، إلى بنغلاديش، والتقت وزير الخارجية البنغلاديشي أبو الكلام عبد مؤمن يوم 9 كانون الثاني/يناير، أي قبل ساعات من اجتماعه مع وزير خارجية الصين تشين غانغ، وأيضاً مع زيارة دونالد لو، مساعد وزير الخارجية الأميركي لمكتب شؤون جنوب ووسط آسيا.

ترتبط دكا بعلاقات قوية مع بكين وواشنطن، وتحاول دكا التوفيق في علاقاتها مع الدولتين، لأنها بحاجة إليهما من أجل تنميتها الاقتصادية، ولكن هذا الأمر يشكّل تحدياً لها. مثلاً، حذرت الصين بنغلاديش عام 2021 من الانضمام إلى أي مبادرة يطلقها التحالف الرباعي بقيادة واشنطن، واعتبرت أن من شأن أي انضمام أن يضرّ العلاقة بينهما بشكل كبير. وفي العام الماضي، عادت الصين وحذّرت بنغلاديش من الانضمام إلى المجموعة الرباعية.

لا يقتصر التنافس على بنغلاديش بين الصين والولايات المتحدة الأميركية، فهناك أيضاً الهند التي تعد لاعباً بارزاً فيها، وتنافس الصين على توسيع نفوذها في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، فالهند لديها قلق من المشاريع الصينية في بنغلاديش. 

لذلك، تحاول الضغط على دكا لعدم قبول الاستثمارات الصينية. ونظراً إلى افتقار الهند إلى الموارد التقنية لتكون بديلاً للصين، فإنها تستخدم الموارد اليابانية لمواجهة اقتحام الصين البنية التحتية البنغلاديشية الخاصة في هذه العملية.

على سبيل المثال، حاولت الصين جاهدة الفوز بصفقة بناء ميناء في أعماق البحار في سوناديا، لكن الهند ضغطت على بنغلاديش لعدم توقيع الاتفاق مع الصين لتمويل بناء الميناء.

تعود فكرة إنشاء ميناء عميق في سوناديا إلى العام 2006. وقد رغبت الصين وقتها في تمويل المشروع، وكان من المقرر التوقيع على اتفاقية الإطار للمشروع خلال زيارة رئيسة وزراء بنغلاديش الشيخة حسينة لبكين عام 2014، لكن ذلك لم يحدث، ولم يدرج التوقيع على المشروع خلال زيارة الرئيس الصيني دكا عام 2016.

وعام 2020، ألغت الحكومة البنغلاديشية المشروع. والآن، يتم بناء ميناء عميق في ماتارباري على بعد 25 كيلومتراً من سوناديا، ولكن بتمويل ياباني، كما تستثمر اليابان في مشروع تطوير "Big – B" (حزام النمو الصناعي لخليج البنغال).

وفي الآونة الأخيرة، سعت كل من الصين والهند للاستثمار في ميناء مونغلا؛ ثاني أكبر ميناء في بنغلاديش. وأثناء زيارة الرئيس الصيني لبنغلاديش عام 2016، تم توقيع مذكرة تفاهم بين الجانبين لتمويل مشروع مونغلا الذي يبلغ 400 مليون دولار. وتماشياً مع ذلك، أرسلت بنغلاديش عرضاً إلى الصين في نيسان/أبريل 2019، طلبت فيه قرضاً لتمويل المشروع، ووافقت الصين على التمويل.

وعلى الطرف الآخر، وقعت الهند وبنغلاديش اتفاقية لتطوير ميناء مونغلا. وربما يكون توقيع الاتفاقية السبب في إعلان الصين موافقتها على تمويل الاستثمار في الميناء نفسه الذي ستستثمر فيه الهند. وإذا كانت نيودلهي ودكا وقعتا على اتفاقية تطوير ميناء مونغلا، فإن الصين لم توقع بعد الاتفاقية مع بنغلاديش، وربما ستحاول الهند الضغط على الأخيرة لعدم توقيع الاتفاق مع الصين. 

وفي سياق آخر، أبدت الصين استعدادها لتمويل مشروع على نهر تيستا. وفي هذا الإطار، أعرب السفير الصيني لدى بنغلاديش آنذاك عن قلقه من تراجع الحكومة البنغلاديشية عن المشروع بسبب الضغوط الخارجية، لكنه لم يحدد المصدر المحتمل لهذه الضغوط، وهي الهند.

تسعى بنغلاديش إلى علاقات متوازنة مع الصين، ومع الولايات المتحدة الأميركية والهند أيضاً، من أجل تحقيق التنمية الاقتصادية وإنعاش اقتصادها، ولكن إلى أيِّ مدى ستبقى دكا قادرة على تحقيق هذا التوازن في ظلِّ زيادة التوترات في منطقة المحيطين الهندي والهادئ وسعي الدول العظمى لتوسيع نفوذها في المنطقة؟

Copyright © 2017 Al Eshraq TV all rights reserved Created by AVESTA GROUP