الهروب الكبير من سجن جلبوع: مقاربات سينمائية

ishraq

الاشراق

الاشراق|متابعة 

وصفها كثيرون بأنّها مُقارِبة جداً لنظيرتها في فيلم "The Shawshank Redemption".. كيف يرى مخرجون عرب عملية الهروب من سجن جلبوع سينمائياً؟

يوضح المخرج الفلسطيني سعود مهنا، في تصريحه لـ"الميادين الثقافية"، أنَّ "عملية نفق الحرية مهمة جداً في تاريخ النضال الفلسطيني، لشباب آمنوا بالحرية بعد معاناتهم المريرة في أعتى السجون الإسرائيلية، والظلم الذي لا يتحمله بشر، في حين أن كثيراً من مؤسسات وجمعيات حقوق الإنسان تغمض عيونها عن ذاك الواقع".

ويقول مهنا في إجابته: "إذا صنعت فيلماً عن الهروب الكبير، فسأبدأ منذ تمكّن الجيش الإسرائيلي من وضع الأبطال الـ6 في الأسر مرة أخرى، ثم بتقنية "الفلاش باك" أعود إلى تصوير كيف يتذكرون هروبهم، وكيف صنعوا وخطّطوا وسهروا الليالي للتفكير في كيفية خروجهم من هذا السجن الكبير، وأسجّل محاولات عديدة لهم لم تنجح في كسر أسرهم، لكنَّ نواياهم لم تفشل أبداً، وإبداعهم لم يَخِب، وبقي ظنهم بأن الله سيكون معهم". 


ويضيف: "سأرصد هذه المحاولات العديدة، سريَّتَها، وكيف كانت حركتهم وتعاونهم مع الأسرى الآخرين، وخوفهم من المخبرين داخل السجن، وتعاملهم مع ضباط السجن وحراسه، بمعنى أنّني سأصنع بانوراما عن وجودهم في الأسر، كما سأركّز على أنَّ الإعلام كان ضدّ العملية، ولو بحسن نيّة، وكذلك كل ما كُتِبَ في "فيسبوك" و"تويتر" والمواقع والفضائيات، لأنه جاء بمنزلة رسائل ترصدها إسرائيل بكلِّ قوة، وتراقبها لأنّها تتوخّى أي خبر أو معلومة تقودهم إلى أسرى الحرية، وهذا دليل على أن الإعلام يُفْشِل الكثير من العمليات والكثير من تضحيات الأسرى المناضلين، مع العلم أنّنا نتوقّع أن يكون بعض المراقبين أو المحللين، بمن فيهم العرب والفلسطينيون، مخبرين لإسرائيل. في حين أن العمليات في أواخر السبعينيات والثمانينيات لم نكن نعلم بها إلا بعد حصولها، سواء أكانت لهروب الأسرى الفلسطينيين من السجون الإسرائيلية، أو وصول المطلوبين إلى مصر أو ليبيا بعدما خرجوا من غزة".

ويتابع مدير ملتقى "مهرجان العودة السينمائي" بأنَّ "عملية الهروب الكبير جميلة جداً في الواقع، وعلى الصعيد الدرامي كذلك، لذا سأركّز على الحالة النفسية للأسرى في أثناء التفكير والتنفيذ للعملية، وأيضاً في أول رؤيتهم النور حينما خرجوا من الأسر، وعلاقتهم بعائلاتهم، وكيف كانوا يتخيّلون لقاءهم بذويهم من أبنائهم وآبائهم وحبيباتهم وزوجاتهم وجيرانهم، وسأركّز أيضاً على لغة الاشتياق بعد الحرية، وماذا كانوا يخططون، وكيف سيكملون المسيرة؟ كل هذه الأحداث والرؤى والأفكار سأتناولها من الناحية النفسية. كما سأركز على الأبعاد النفسية لأبناء الأسرى وزوجاتهم. بمعنى أنني سأحاول صياغة بانوراما ما بين الأسرى وهروبهم، من جهة، وبين وضع أهاليهم وصورهم المعلَّقة على جدران الغرف والألبومات، من جهة ثانية، مع رصد لذكرياتهم في الأزقة والمخيم وتحت الأشجار وفي البيّارات.

ويؤكّد المخرج الفلسطيني سعود مهنا أنَّ "أيَّ مخرج لديه الوعي الكافي بحياة الأسرى وأسرارهم وخباياهم وعذاباتهم وأحلامهم، سيُقدّم عملاً سينمائياً جميلاً، وسيكون بانوراما ما بين الهروب والحرية، ما بين الظلام والنور، ما بين الطمأنينة والخوف من أن تطالهم يد الجيش الإسرائيلي، وأن يعودوا إلى السجن مرة أخرى، بما يعنيه ذلك من ظلم وعذاب وذل متجدد".

ويختم مهنا حديثه لـ"الميادين الثقافية" بالقول: "إذا أتيحت لي صناعة فيلم عن هذه العملية، فسأجعله بانوراما تُبيّن مدى أهميتها، ومدى بطولة هؤلاء الأشخاص الذين حفروا الصخر بالملاعق حتى يخرجوا إلى الضوء، وسأرصد عذابات الأسرى وأفكارهم وإبداعاتهم وصمودهم وكل ما يتعلق بذويهم، لأوصل رسالة بأنَّ إسرائيل بِرُمَّتها ما هي إلا وهم يستطيع الإنسان تحطيمه، وسجونها مثلها هشّة، ولو كانت مزوَّدة بأهم وسائل رصد الحركة، وفيها أعتى الحُرَّاس".

مقاوَمة مفعمة بالإنسانية
من جهته، يقول المخرج السوري نجدت إسماعيل أنزور، في حديثه لـ"الميادين الثقافية" إنَّ "الإرادة والعزم والتصميم والصبر قادت هؤلاء الأسرى الأبطال إلى الحرية. رفضوا الذل والمهانة، وهم أصحاب حق. وهذا الهروب هو فعل تحدٍّ للعدو الصهيوني وجبروته وصلافته".

يؤكّد أنزور أنَّ "عملية الهروب الشجاعة تلك ملهِمة لأي فنان"، ويُضيف: "أنا كسينمائي أتمنّى أن أُجسّد هذه الملحمة الإنسانية، بكل أبعادها، في فيلم يحاكي الواقع، ويعكس معاناة آلاف الفلسطينيين الأسرى، الذين يقبعون ظلماً وبُهتاناً في سجون الاحتلال. وسأؤكد أنه لا جدران ولا أسلاك تستطيع أن تقف في وجه هؤلاء الأسرى الأبطال، وأن عملية الهروب الكبير نوعية، وهي مقاوَمة متطورة مفعمة بالإنسانية، أضف إلى ذلك، أنها كشفت وهن العدو الصهيوني". 

ويلفت أنزور إلى أنّه "لو أنَّ هذه العملية حدثت في الولايات المتحدة أو أوروبا لتلقّفتها شركات الإنتاج السينمائي، وجسّدتها في مسلسل تلفزيوني أو فيلم سينمائي هوليوودي، واختلقت لها الأبعاد الإنسانية والاجتماعية"، ويتابع: "لكن، للأسف، السينما العربية مغيَّبة تماماً عن قضايا شعوبها، والأنظمة العربية عموماً مرتهنة للتبعية والتطبيع مع العدو الصهيوني. هناك تجارب محدودة في السينما السورية استطاعت أن تحاكي الواقع خلال الحرب على الإرهاب، وفيلم "رد القضاء" خير مثال، حيث صمدت حامية سجن حلب، وقاومت ببسالة مع بعض السجناء جحافل الإرهابيين، وقدّمت عشرات الشهداء حتى تمَّ تحريره على يد أشاوس الجيش العربي السوري، وهو مثال حي عن رفض شعبنا لكل أشكال الإرهاب". 

ويُكمل أنزور حديثه إلى "الميادين الثقافية" بالقول: "أنا على يقين بأنّه سيأتي اليوم الذي تستطيع فيه السينما العربية كسر القيود والانطلاق نحو الإنسانية، وهناك عشرات بل مئات اللحظات المضيئة في تاريخنا المعاصر، والتي بإمكاننا تجسيدها في أفلام سينمائية أو مسلسلات تلفزيونية، وتمثّل إرادة شعبنا العربي في محاربة الإرهاب، وعلى رأسه الإرهاب الصهيوني، الذي إن طال الزمن أو قصر فهو إلى زوال".

عرس الحرية
بدوره، بيّن المخرج السوري جود سعيد، في تصريحه لـ"الميادين الثقافية"، بأنَّ مقاربته السينمائية لعملية نفق الحرية فيما لو قُيِّض له أن يصنع فيلماً عنها ستكون أشبه بالعرس، وأوضح ذلك بالقول: "كنت صنعت عرساً سينمائياً عن ذلك الهروب الكبير. وأعتقد أنَّ التغيير في الرواية الواقعية لأحداث تلك العملية واجب، لذا سأغير النهاية، لأننا نستحق الانتصار ولو في السينما. سأبدأ الفيلم من تحقيق وإهانات متكررة يتعرض لها محمود عارضة، أكبر الأسرى والعقل المدبّر للقصة، لتبدأ رحلة التخطيط، ومن ثم التنفيذ، الذي سيصل إلى لحظة حسّاسة تكاد تفقدهم الحرية، ما يجعل أحدهم يضحي بنفسه، ومن ثم نسير معهم في درب حريتهم، الذي ينتهي مأسوياً بالنسبة إلى أحد الأسرى، وسقوطاً في يد الشرطة لآخر، لكن أصغرهم ينجح في الوصول إلى حبيبته والزواج بها، لتكون النهاية، بعد مرور سنوات، مع طفله الذي سيكمل درب بقاء فلسطين".


يُذكر أن سجن "جلبوع" تأسس في العام 2004، عقب الانتفاضة الثانية. وفي شهر آب/أغسطس 2014، اكتُشِفَ أول نفق كبير بدأ الأسرى بحفره، ومنذ ذلك الحين، زادت التحصينات الأمنية داخل السجن وفي محيطه، بما في ذلك تفعيل نظام الطوارئ، خاصّةً بعد محاولة الهروب من سجن "شطة"، الملاصق لسجن "جلبوع". وبحسب شهادة الأسرى، فإن السجن يخضع لرقابة مشدَّدة، ويحتوي على مجسات تكتشف الاهتزازات داخل السجن.

لا تتبنى الاشراق بالضرورة الاراء و التوصيفات المذكورة

Copyright © 2017 Al Eshraq TV all rights reserved Created by AVESTA GROUP