تعزيز الامتيازات الاقتصادية الجديدة للجيش المصري. لماذا الآن؟

ishraq

الاشراق

الاشراق | متابعة.

بينما يواجه النظام المصري أزمة بسبب تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية وآثارها المالية والاقتصادية التي يدفع ثمنها المواطن، ووسط تزايد الخشية من الغضب الشعبي، يسعى الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى ضمان الهدوء والانسجام مع الأجهزة الأمنية المختلفة، وعلى رأسها القوات المسلحة وأجهزة المخابرات بمختلف مؤسساتها.

وفي هذا الإطار، ترصد مصادر سياسية ودبلوماسية  عدة إجراءات من شأنها ضمان مصالح القيادات الكبيرة بالقوات المسلحة، من خلال إتاحة مميزات خاصة لهم وللشركات التابعة للمؤسسة العسكرية، لا سيما في ظل الانتقادات الغربية المتكررة للنظام، تحديداً الأميركية، بسبب تدخل الجيش في جميع المجالات الاقتصادية، وعدم إفساح المجال للقطاع الخاص للمساهمة في النشاط الاقتصادي في البلاد.

وتقول المصادر إن "أكثر ما يخشاه الرئيس عبد الفتاح السيسي الآن، هو أن يستغل أحد الأطراف داخل القوات المسلحة أو المخابرات العامة الأزمة التي تعيشها البلاد بسبب الظروف الاقتصادية السيئة، ويقوم بتحرك ما من شأنه تهديد استقرار حكم الرئيس، خصوصاً إذا حدث أي حراك في الشارع".

أكثر ما يقلق الدول الغربية هو حدوث انهيار اقتصادي في مصر يؤدي إلى ثورة شعبية

وتضيف المصادر أن "الدائرة الضيقة المقربة من الرئيس السيسي تعلم جيداً أن أكثر ما يقلق الدول الغربية هو حدوث انهيار اقتصادي في مصر يؤدي إلى ثورة شعبية لا يعلم أحد مداها، لذلك فإن الغرب، وتحديداً الولايات المتحدة، يضع في الاعتبار عدة سيناريوهات إذا حدث ذلك، وبالتأكيد من ضمنها البحث عن بديل للنظام الحالي، وهو ما يعلمه السيسي جيداً فيسعى بكل جهده لضمان ولاءات الأجهزة الأمنية المختلفة، عبر لغة المصالح".

وتشير المصادر إلى أن ثمة رسائل أخرى يهدف لها النظام السياسي، من الإعلان عن مزيد من الامتيازات الممنوحة للقوات المسلحة، من خلال الشركات التابعة لها، ومن أهمها محاولة السيطرة على حالة القلق التي رصدتها أجهزة سيادية داخل دوائر واسعة في مؤسسات الدولة عقب الإعلان عن بيع حصص كبيرة في شركة "فوري للخدمات المصرفية وتكنولوجيا الدفع"، التابعة بالأساس لجهاز المخابرات العامة، وكذلك في البنك التجاري الدولي، وهو أكبر مصرف في الدولة، لصالح أحد الصناديق السيادية في إمارة أبوظبي.

حق الانتفاع للقوات المسلحة المصرية
وفي السياق، تذكر المصادر أن القوات المسلحة المصرية أبدت استعدادها لتنظيم مزاد علني لطرح قطع أراض على ضفاف النيل بمناطق مختلفة بالقاهرة والجيزة بنظام "حق الانتفاع السنوي"، مع إعلان جهاز مشروعات أراضي القوات المسلحة، المنشأ بالقرار الجمهوري رقم 531 لسنة 1981، عن طرح قطع أراض على ضفاف النيل بنظام حق الانتفاع السنوي بالمزاد العلني، في 30 مارس/ آذار الحالي.


وتقع الأراضي على ضفاف نهر النيل "طرح النهر" بمواقع مختلفة بمحافظتي القاهرة والجيزة، وفي مناطق الزمالك والعجوزة والدقي وغاردن سيتي والمنيل والمعادي والمعصرة والمنيب والوراق.

ويقول جهاز مشروعات أراضي القوات المسلحة إن قطع الأراضي تصلح في الأنشطة التجارية والسياحية "مراسيَ عائمة سياحية ومطاعم وكافيتيريات".

وتوضح المصادر أن الأراضي التي أعلن عن طرحها في مزاد علني بمعرفة جهاز مشروعات أراضي القوات المسلحة على ضفاف نهر النيل، "أغلبها لم تكن مناطق عسكرية بالأساس، لكنها كانت أراضي فضاء، اعتبرتها القوات المسلحة مملوكة لها، بموجب قانون عسكري كان يعتبر أي أراض على النيل مواجهة لوحدة عسكرية هي مناطق عسكرية".

وتلفت إلى أن القوات المسلحة استخدمت هذه القانون وطبّقته على جميع المنشآت التابعة لها، حتى أنها اعتبرت "المستشفيات والنوادي التابعة لها مناطق عسكرية، وبالتالي فإن الأراضي المواجهة لها تعتبر مناطق عسكرية يجوز إخلاؤها والتصرف فيها، وهو ما حدث على سبيل المثال مع جزيرة المعادي المواجهة لمستشفى المعادي العسكري".

وتقول المصادر إن "معظم مساحة مصر عبارة عن أراض غير مبنية، وتقع على مشارف وحدود المدن والقرى، أو أراض صحراوية لا يمتلكها أحد، وتهيمن وزارة الدفاع بشكل كامل على تلك الأراضي"، مشيرة إلى أن "الرئيس المخلوع حسني مبارك أصدر في بداية ولايته الأولى (في عام 1981) تشريعاً لاستخدام تلك الأراضي، وأصبح هذا القانون يمنح وزارة الدفاع حق التصرف المطلق فيها، ويجبر جميع المواطنين والجهات على الحصول على موافقة الوزارة قبل شراء أي من تلك الأراضي".

وتشير المصادر إلى أنه "بحجة ‫تنفيذ خطة الدفاع عن الدولة، تضع القوات المسلحة يدها على جميع المناطق الساحلية والسياحية التي تدر أرباحاً طائلة في مصر، ثم تقوم إما ببناء مشروعاتها الخاصة الفاخرة عليها، مثل الفنادق والمنتجعات والقرى السياحية والنوادي، أو تدخل في شراكة مع رجال الأعمال من أجل بناء مشروعاتهم عليها، أو تقوم بتأجيرها كما يحدث مع أراضي طرح النيل".

تعتبر القوات المسلحة كل الأراضي المواجهة لوحدة عسكرية تابعة لها

وحصل جهاز مشروعات أراضي القوات المسلحة على تفويض للقيام بأعمال الهيئة العامة لمشروعات التعمير والتنمية الزراعية في إدارة أراضي طرح النهر في القطاع، من شبرا حتى حلوان كبديل للتفويضات الصادرة إلى كل من الهيئة العامة للإصلاح الزراعي ومحافظة القاهرة.

وتنص المادة رقم 10 من القانون رقم 143 لسنة 1981 على أنه: "يحظر على أي شخص طبيعي أو معنوي أن يحوز أو يضع اليد أو يتعدى على جزء من الأراضي الخاضعة لهذا القانون، فيما عدا ما تقوم به القوات المسلحة تنفيذاً لخطة الدفاع عن الدولة". كما توجب المادة الثانية من القانون نفسه ضرورة "التنسيق مع وزارة الدفاع في استخدامات الأراضي".

وفي ديسمبر/ كانون الأول من عام 2015، أصدر السيسي قراراً جمهورياً برقم 446 لسنة 2015 بتعديل بعض أحكام قرار رئيس الجمهورية 531 لسنة 1981، بشأن قواعد التصرف في الأراضي والعقارات التي تخليها القوات المسلحة.

ويسمح التعديل لجهاز وزارة الدفاع المختص ببيع الأراضي والعقارات المملوكة للدولة التي تخليها القوات المسلحة، بأن يؤسس شركات بمفرده أو بالمشاركة مع رأس المال الوطني والأجنبي، وممارسة خدمات وأنشطة تنمي موارده.

"أولياء الجمهورية"... هكذا سيطر العسكر على الاقتصاد المصري
وأصبحت الفقرة الثالثة من المادة الأولى من القرار تنص على التالي: "كما يتولى الجهاز تجهيز وإعداد مدن ومناطق عسكرية بديلة للمناطق التي يتم إخلاؤها، والقيام بجميع الخدمات والأنشطة التي من شأنها تحقيق أهدافه وتنمية موارده، وله في سبيل ذلك تأسيس الشركات بكافة صورها سواء بمفرده أو بالمشاركة مع رأس المال الوطني أو الأجنبي".

وكان نص هذه الفقرة في السابق كالآتي: "كما يتولى هذا الجهاز تجهيز وإعداد مدن ومناطق عسكرية بديلة للمناطق التي يتم إخلاؤها" فقط. وقام السيسي أيضاً في عام 2015، بتعديل المادة الثانية ليتم التصرف في الأراضي والعقارات التي تخليها القوات المسلحة "طبقاً لأحكام القانون 89 لسنة 1998 بشأن المناقصات والمزايدات ولائحته التنفيذية، وذلك في ما لم يرد بشأنه نص خاص في القرار الصادر بإنشاء الجهاز وتنظيمه، أو في لوائحه الصادرة بناءً على هذا القرار"، وأيضاً "في ما عدا ما يخصص بتصديق من رئيس الجمهورية للوزارات والمصالح الحكومية ووحدات الإدارة المحلية والهيئات العامة".

وكانت هذه المادة في السابق تنص على أن يكون التصرف "بطريق المزاد العلني وفقاً للقواعد والشروط التي يصدر بها قرار من رئيس مجلس الوزراء، بناءً على عرض وزير الدفاع بالاتفاق مع وزارة المالية".

دور وزارة الدفاع المصرية اقتصادياً
وحسب دراسة لمعهد "كارنيغي"، تُمثّل وزارة الدفاع الركن الثاني الأساسي في الاقتصاد العسكري الرسمي، لكنها على عكس الصناعة الحربية الخاسرة، تقدّم مساهمة كبيرة إلى الصناديق العسكرية خارج الميزانية.

وتقول الدراسة إن المجموعة المتنوعة من الإدارات والهيئات والشركات التابعة لوزارة الدفاع تزوّد القوات المسلحة المصرية بالمستهلكات والخدمات غير القتالية، والأهم من ذلك أنها تقوم بأشغال عامة أساسية بموجب عقود صادرة عن الوزارات والهيئات الحكومية.

ووفقاً للدراسة، فقد تمكنت وزارة الدفاع من الحصول على دخل كبير من تصوير مهمتها والمشاريع العامة التي تنفذها على أنها "استراتيجية". وما يعزز هذا التصوير هو السلطة الواسعة التي مُنحت لها على استخدام أراضي الدولة في مناطق واسعة من البلاد خلال العقود الأربعة الماضية.

فقد اشترط القانون 38 لعام 1977 على وكالات السياحة الحصول على تصريح من وزارة الدفاع من أجل العمل في المناطق الحدودية، بما في ذلك السواحل، وهي وجهات سياحية رئيسية.

ووسّع المرسوم الرئاسي 143 لعام 1981 هذا الشرط ليشمل جميع "الأراضي الصحراوية"، التي تضمّ كافة الأراضي غير المسجلة في السجلات العقارية كالذمم، أي التي يملكها الأفراد أو الكيانات الاعتبارية العامة أو الخاصة والخاضعة للضريبة العقارية. وشمل ذلك ما يقدّر بنحو 90 إلى 95 في المائة من المساحة الكلية لمصر.

عدّل السيسي في عام 2015 قواعد التصرّف في الأراضي التي تخليها القوات المسلحة

وجرى توسيع صلاحيات وزارة الدفاع بما يتعلق باستخدام الأراضي بشكل كبير بموجب القرار الجمهوري رقم 152 لعام 2001. وقد حدد المرسوم "المناطق الاستراتيجية ذات الأهمية العسكرية في الأراضي الصحراوية"، ووضع المعايير التي يجب أن تلبيها أي هيئة مدنية أو شخص ينوي القيام ببناء أو أي نشاط آخر، سواء فوق الأرض أو تحتها، أو على طول الطرق، أو قبالة شواطئ البحار والبحيرات، في جوار المنشآت العسكرية.

ومنح المرسوم أيضاً وزارة الدفاع سلطة استنسابية في تعيين الأراضي للاستخدام التجاري. وتُرك تحديد مواقع المناطق الاستراتيجية لوزارة الدفاع، التي ستحدد أيضاً المسافات التي يجب أن تفصل بين محيطها والبناء المدني الجديد، وارتفاع المباني المسموح به في الجوار، والمواصفات الفنية للأنشطة المنتجة للنفايات (الصلبة أو الغازية أو السائلة) التي تجري في مكان قريب.

ونتيجة للضغوط الغربية التي تقودها المؤسسات النقدية الدولية، لإتاحة الفرصة للقطاع الخاص في مصر، يتبع النظام المصري سياسة عبّر عنها السيسي، في أكثر من مناسبة، والتي تتوجه نحو تحويل شركات المخابرات العامة والقوات المسلحة إلى شركات خاصة بالمعنى الحرفي، تمهيداً لطرحها للاكتتاب العام في البورصة، استجابة لضغوط غربية وأميركية على وجه الخصوص، من أجل فتح المجال أمام القطاع الخاص.

وكانت مسألة فتح المجال أمام القطاع الخاص محور حديث أخيراً لرجل الأعمال المصري نجيب ساويرس، والذي يوصف بأنه ممثل النظام الرأسمالي العالمي في مصر، عندما انتقد في تصريحات "سيطرة الجيش على القطاع الاقتصادي"، وهي التصريحات التي رحب بها بعد ذلك.

Copyright © 2017 Al Eshraq TV all rights reserved Created by AVESTA GROUP