حرب اوكرانيا .. هل تجّرد أميركا من سلاح العقوبات؟

ishraq

الاشراق

الاشراق|متابعة 

اعلنت روسيا ان احد أهداف عملياتها في اوكرانيا هو جعلها بلدا غير عسكري ومنزوع السلاح، ومهما تكن نتيجة هذه الحرب الجارية في شرقي اوروبا فانها من الممكن ان تؤدي في النهاية الى ازالة النزعة العسكرية من النظام المالي الدولي ايضا.

عمدت اميركا وحلفائها الدوليين الى شن حرب اقتصادية شاملة على روسيا ومنها ابعاد بنوك روسية من نظام سويفت المالي لكن الغريب في الأمر ان هذا "السعار" الاقتصادي الموجه ضد روسيا اثار قلقا بالغا في أسواق وول ستريت الاميركية نفسها، وقد أورد موقع بلومبرغ خبرا لم يهتم به الكثيرون في غمرة اخبار الحرب الاوكرانية مفاده ان بعض كبار البنوك في وول ستريت قد حذروا ادارة بايدن واعضاء الكونغرس من مغبة ابعاد البنوك الروسية من نظام سويفت.

وتقول بنوك وول ستريت ومنها "جي بي مورغان" و"سيتي غروب" ان طرد روسيا من نظام سويفت يدفع روسيا نحو الصين اكثر فاكثر وسیخرج التعاملات المالية في العالم من تحت المجهر الغربي ویؤدي الى تقوية الانظمة البديلة لسويفت ويضعف سيطرة الدولار على الاقتصاد العالمي ويزعزع مكانة اميركا في التجارة العالمية وفي النهاية ينهي هيمنتها الاقتصادية والمالية في العالم.

ويعتقد كبار الخبراء الماليين ومنهم "ايان برمر" وكيليف كوبجان" الاميركيين ان اميركا باتت الان تستخدم النظام المالي العالمي كسلاح يخدم سياساتها الخارجية والأمنية ويهدد الدول المناهضة لها بقطع ارتباطها مع الاسواق والبنوك الاميركية بدلا من الاعتماد على قوتها الامنية وحلف الناتو والبنك العالمي وصندوق النقد الدولي.

ان طرد الدول من نظام سويفت هو من مصاديق "عسكرة" النظام المالي العالمي، وقد عززت اميركا سلطتها على نظام سويفت بعد احداث 11 سبتمبر تحت ذريعة محاربة الارهاب واجبرت المنضمين الى سويفت بمراعاة القوانين والسياسات الاميركية واستخدمت نظام سويفت كآلة للتهديد.

كما تشكل العقوبات الاميركية خطرا على مكانة الدولار العالمية ويبدو ان هذا السلاح لن يبقى الى الابد بيد اميركا وبات الخبراء الاميركيون أنفسهم يحذرون من انهيار نظام العقوبات كما حصل مع ايران ابان رئاسة دونالد ترامب.

وتقول تقارير وزارة الخزانة الاميركية ان "أعداء" اميركا وحتى بعض حلفائها هم مستمرون في الاستغناء عن الدولار في تعاملاتهم شيئا فشيئا وهذا يمكن ان يفقد العقوبات الاميركية تاثيرها.

وكان رئيس البنك المركزي الروسي قد قال في تصريحات سابقة ان تحرك بلاده نحو الاستغناء عن الدولار في اقتصادها هو بسبب العقوبات وان العالم يتجه نحو اعتماد عدد من العملات الصعبة بدلار من الدولار وحده، كما صرح وزير البنك المركزي البريطاني  "مارك كاني" في أغسطس 2020 انه يتوقع عدم استمرار النظام المالي القائم على الدولار طويلا.

وعندما يلاحظ حلفاء اميركا بانها تفرض العقوبات في الخارج حسب اهوائها السياسية ودون اخذ مصالح حلفائها بعين الاعتبار وهذا ما دفع الاتحاد الاوروبي قبل بضعة أربعة شهور الى وضع آلية لمواجهة ضغوط دولة ثالثة على الاوروبيين لاجبارهم على اتباع سياسات معينة.

اما القلق الآخر الذي يساور خبراء قضايا العقوبات هو تسبب الاستخدام المفرط للعقوبات الغربية بدفع اقتصاديات العالم نحو انشاء نظام مالي بديل لتعاملاتهم التجارية والاقتصادية.

ان منظري العولمة كانوا يروجون بأنها ستجعل النزاع بين الدول امرأ باهظ التكلفة لكن الخبراء يعتقدون الان بأن النظام المالي العالمي بات تحت سيطرة اميركا ودول اوروبا الغربية فقط وهذا يسمح لهذه الدول باستخدام الترابط الاقتصادي كسلاح ضد الدول الاخرى، وقد استخدم الغرب هذا السلاح في الايام الماضية ضد روسيا لكن المعطيات تشير بأن هذا السلاح هو سيف ذو حدين ويمكن ان يسرع انهيار الهيمنة الاميركية الغربية على النظام المالي العالمي.

ان العقوبات الغربية على روسيا تتعارض حتى مع سياسات بعض حلفاء اميركا مثل الامارات والهند والسعودية وتشجعهم على مقاومتها، وقد رأينا ما اعلنته الصحافة الهندية قبل ايام ان نيودلهي تسعى الى جعل تجارتها مع روسيا بالعملة الوطنية.

ان أهم سبب جعل التجار الآسيويين يختارون النظام الحالي للتجارة العالمية هي انتشار شبكاته المالية وسهولة استخدامه لكن استخدام الغرب المفرط للعقوبات يجعل استخدام هذا النظام اصعب واخطر يوما بعد يوم، وقد استخدمت روسيا والصين نظاما ماليا للتبادل المالي غير نظام سويفت.

من الواضح ان المساعي لايجاد نظام بديل لسويفت قد بدات منذ ابعاد ايران عن نظام سويفت لكن حجم الاقتصاد الروسي الكبير قد سرع هذه الحركة، كما تشير المعطيات ان احتفاظ الدولار بمكانته ليس مضمونا ايضا.

عندما بدات روسيا عملياتها في اوكرانيا قالت بأنها ترمي الى نزع السلاح الاوكراني، وربما تنجح روسيا في ذلك ام لا، لكن العمليات الروسية يمكن ان تؤدي ايضا الى حدوث تغيير استراتيجي أكبر بكثير وهو ازالة النزعة العسكرية عن النظام المالي العالمي.

  

Copyright © 2017 Al Eshraq TV all rights reserved Created by AVESTA GROUP