27/06/2018
تقاریر 647 قراءة
فورين بوليسي: محمد بن سلمان يلقي بالفلسطينيين في الهاوية
صورة من الارشيف
التقى ولي العهد السعودي الأمير «محمد بن سلمان» مع «جيسون غرينبلات» و«جاريد كوشنر»، مبعوث الرئيس الأمريكي «دونالد ترامب» لعملية السلام في الشرق الأوسط، الأسبوع الماضي، لمناقشة المشاريع الإنسانية في قطاع غزة.
ثم انتقل الثنائي إلى قطر لإجراء مزيد من المحادثات حول كيفية تخفيف الأوضاع في غزة، كجزء من الجهود الرامية إلى تعزيز خطة «ترامب» للسلام.
ومن المرجح أن يثير التركيز على غزة غضب الرئيس الفلسطيني «محمود عباس»، وحتى قبل أن تبدأ، كانت الرحلة قد تلقت انتقادات من مساعدين كبار لـ«عباس» ووصفوها بأنها «لا معنى لها» و«مضيعة للوقت».
لكن زيارة «غرينبلات» و«كوشنر» السريعة إلى المملكة العربية السعودية و(إسرائيل) والأردن وقطر ومصر ستتواصل، سواء مع أو بدون الفلسطينيين.
وتقاطع القيادة الفلسطينية في رام الله المسؤولين الأمريكيين منذ ديسمبر/كانون الأول، عندما أعلن «ترامب» نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، ثم الاعتراف بها عاصمة لـ(إسرائيل).
صدمة الفلسطينيين
ولعدة أشهر، نظرت السلطة الفلسطينية إلى العلاقات الوثيقة بين إدارة «ترامب» وبعض الدول الخليجية بازدراء، وفي اجتماع مغلق عقد في نيويورك في مارس/آذار مع زعماء يهود، أُفيد بأن «محمد بن سلمان» قد انتقد الفلسطينيين بسبب إضاعتهم فرص السلام، وقلل من أهمية قضيتهم، وقال إن عليهم قبول أي صفقة معروضة عليهم.
وبحسب تصريحات الصحفي الإسرائيلي «براك رابيد»، نقلا عن مصدر كان في الغرفة، تفاجأ الحاضرون إلى درجة أن بعضهم «سقطوا من على مقاعدهم»، وبهذا يكون ولي العهد أبعد ما يكون عن الملك «عبدالله بن عبدالعزيز» الذي هدد بقطع العلاقات مع الولايات المتحدة عام 2001، حين كان وليا للعهد، ما لم تتخذ واشنطن إجراءات لوقف الهجمات الإسرائيلية على الفلسطينيين خلال الانتفاضة الثانية.
ولم تمر العلاقات السعودية الدافئة بشكل متزايد مع (إسرائيل) دون ملاحظة من قبل السلطة الفلسطينية، فضلا عن إصرار «ترامب»، منذ بداية رئاسته، على أن التوصل إلى «صفقة نهائية» بين (إسرائيل) والفلسطينيين يتطلب مشاركة المنطقة الأوسع نطاقا.
وعانت السلطة الفلسطينية صدمة حين منحت الرياض إذنا لطيران الهند بالطيران إلى تل أبيب عبر المجال الجوي السعودي، ثم اعتراف «بن سلمان»، في مقابلة مع «ذا أتلانتيك»، بحق (إسرائيل) في «أرضها».
وبينما قاطعت السلطة الفلسطينية اجتماع البيت الأبيض حول الأزمة الإنسانية في غزة في مارس/آذار، حضرت العديد من الدول العربية، بما في ذلك مصر والإمارات العربية المتحدة، والسعودية، وكذلك (إسرائيل).
وغالبا ما يصر الزعماء العرب على دعمهم للقضية الفلسطينية، لكن الفلسطينيين يعرفون أن هذه التصريحات غالبا ما تكون بعيدة عن الواقع.
ولم تتحقق الكثير من المساعدات التي تعهد بها المانحون العرب لإعادة إعمار غزة بعد عام 2014، ولم تكد تتدفق المساعدات الحكومية إلى المنطقة، وبدلا من ذلك، انحرف التركيز الدبلوماسي للحكومات العربية في المقام الأول إلى المشاكل والاستقرار المحلي، والنزاعات بين الدول العربية، ومحاربة التشدد الإسلامي.
ويقول «شبلي تلحمي»، الأستاذ الجامعي بجامعة ميريلاند والزميل الكبير غير المقيم في معهد بروكينغز: «ليس لدى القادة العرب الآن سوى أولوياتهم الخاصة التي تهمش قضية فلسطين، ولديهم كل الحوافز لمنع الجمهور من الالتفاف حول القضية الفلسطينية، لأنهم يرون ذلك تهديدا».
وفي حين استطاعت هذه الحكومات ذات يوم أن «تستخدم الهوس العام بفلسطين كمصدر للإلهاء، فإن الشعوب تستخدمه الآن كمبرر للانتقاد لأنهم لا يستطيعون مواجهة الحكومة مباشرة بشأن المظالم المحلية مثل البطالة والفقر».
وعلى الرغم من أن «بن سلمان» يتحدث بشفافية للفلسطينيين علنا، مدعيا أن توثيق العلاقات بين الرياض ودول الخليج الأخرى و(إسرائيل) قد يحدث فقط بشرط وجود تقدم كبير في عملية السلام الإسرائيلية الفلسطينية، فقد أظهر استعدادا للاستفادة من مختلف المواقف في المنطقة.
ويدرك الفلسطينيون الآن أنهم لم يعودوا قادرين على الاعتماد على حلفائهم التقليديين في العالم العربي.
كما أن عدم التماثل في القوة بين الإسرائيليين والفلسطينيين، إلى جانب الانقسامات الداخلية للفلسطينيين، والاعتماد التام على المعونات الخارجية، لم يترك لهم نفوذا يذكر.
خيارات سيئة
ويعد أحد خياراتهم الأخيرة هو اللجوء إلى المجتمع الدولي، كما فعلوا في الأعوام الأخيرة، من خلال السعي للانضمام إلى المنظمات والمعاهدات والاتفاقيات الدولية كجزء من استراتيجيتهم لتحقيق هدف إقامة دولتهم، من خلال المنتديات العالمية أو تقديم شكاوى جنائية دولية، في أمل الضغط على (إسرائيل) واستدعائها لمحاسبتها على أفعالها.
وقد أثبت هذا التكتيك نجاحا في بعض الأحيان، ولكن المناخ الدولي الحالي يختلف كثيرا عن ذلك الذي كان موجودا في عهد الرئيس «باراك أوباما»، وبينت إدارة «ترامب» أنها ستكون خصما قويا للفلسطينيين في الأمم المتحدة.
وقال «يوسف منير»، المدير التنفيذي للحملة الأمريكية لحقوق الفلسطينيين: «لا يبدو أن فرص المشاركة الثنائية للحصول على نوع من الاعتراف بالدولة الفلسطينية، التي كانت بمثابة الاستراتيجية الدبلوماسية الدولية لمنظمة التحرير الفلسطينية، تتمتع بقدر كبير من القوة اليوم».
ويوفر الافتقار إلى المساعدة الخارجية فرصة للنظر إلى الداخل، ويتوجب على الفلسطينيين أن يتعاملوا مع أزمة شرعية داخلية؛ حيث لا توجد لدى السلطة الفلسطينية خطة خلافة للحديث عنها، على الرغم من أن شرعية القيادة القديمة التي يرأسها «عباس»، البالغ من العمر 82 عاما، والذي يشغل منصب الرئيس منذ عام 2005، قد انتهت منذ وقت طويل.
وتلاشى التقدم المحرز في المصالحة الفلسطينية الفلسطينية، بين السلطة الفلسطينية وحركة «حماس» العام الماضي، بعد ما وصفته السلطة الفلسطينية بمحاولة اغتيال رئيس وزرائها، «رامي الحمد الله»، ورئيس المخابرات «ماجد فرج»، في غزة في مارس/آذار الماضي.
وبدون وجود حكومة موحدة أو عملية توحيد واضحة وقوية، قد تجد قيادة السلطة الفلسطينية نفسها مضطرة إلى اختيار أحد خيارين سيئين؛ حيث تستطيع السلطة الفلسطينية إما المشاركة في عملية سلام وهمية بشروط أقل مواتاة مما كانت عليه في الماضي، أو صياغة مسارها الخاص بدون دعم المانحين الغربيين الذي تعتمد عليه الإدارة للعمل، ويعني هذا تعريض سبل معيشة 145 ألف موظف مدني في الأراضي الفلسطينية المحتلة للخطر.
لكن بالنسبة للفلسطينيين العاديين، فقد أتاحت الفرصة مزيدا من الانخراط في المقاومة السلمية، سواء من خلال دعم حركة مقاطعة (إسرائيل) وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات ضد (إسرائيل)، أو من خلال المشاركة في تكتيكات لاعنفية أخرى مثل «مسيرة العودة الكبرى»، وهي احتجاج مستمر منذ أكثر من شهر على طول السياج الذي يفصل (إسرائيل) عن غزة، والذي قوبل بالقوة المميتة من قبل الجنود الإسرائيليين.
ويوفر هذا النشاط على مستوى القاعدة الشعبية الإمكانية لتخريج قيادة تكون أكثر تعبيرا عن دوائرها الانتخابية.
ووفقا لاستطلاع حديث، فإن أكثر من ثلثي الفلسطينيين يريدون استقالة «عباس»، وعلى الرغم من أن التحركات السلمية لم تحقق الكثير من الجهد ضد (إسرائيل) اقتصاديا، لكن إلغاء الرحلات المتتالية إلى (إسرائيل) من قبل ممثلين ومغنين عالميين قد ألحق المزيد من الضرر بسمعة البلاد.
وتسبب إحباط الفلسطينيين من فشل السلطة الفلسطينية في جعلهم أقرب إلى الاستقلال، والتحول بعيدا عن أولويات الدول العربية التي تلتف حول اتفاق أمريكي إسرائيلي عربي على دولة منزوعة السلاح بدون القدس كعاصمة، مع أراض ذات سيادة محدودة، تفتقد للتواصل الجغرافي، وعدم وجود حل لمسألة اللاجئين.
وبحسب ما ورد، قال ولي العهد السعودي، في وصف استراتيجيتهم لإنجاز الصفقة: «سأقوم بإقناع الفلسطينيين، وسيقوم ترامب بإقناع الإسرائيليين».
تغير في المواقف
وجاءت تصريحات ولي العهد، بلا شك، كالموسيقى في أذن رئيس الوزراء الإسرائيلي، ويعتقد «بنيامين نتنياهو» أن هذا الواقع الإقليمي الجديد يجعل التوصل إلى حل مع الفلسطينيين أقل إلحاحا، أو حتى غير ضروري تماما.
وهذا بعيد كل البعد عن الوضع في عام 2002، عندما تم تقديم مبادرة السلام العربية، التي دافعت عنها السعودية، والتي كانت توفر فرصة لـ(إسرائيل) للاندماج في المنطقة، في مقابل الانسحاب من الأراضي الفلسطينية التي لا تزال تحتلها حتى يومنا هذا.
ورفضت (إسرائيل) الصفقة، وبدلا من ذلك، قامت بضم المزيد من أراضي الضفة الغربية ونشر المزيد من المستوطنات، مع غض الطرف من الإدارات الأمريكية المتعاقبة، التي شاركت في دورة لا نهاية لها من مباحثات عملية السلام.
والآن، مهدت التغييرات الإقليمية الطريق أمام فرصة أخرى لـ(إسرائيل) لتطبيع العلاقات رسميا مع جيرانها، لكن هذه المرة بدون اتفاق سلام.
وانتقلت السعودية والإمارات من اللقاءات السرية خلف الأبواب المغلقة مع الإسرائيليين للحديث صراحة عن استعدادهم ورغبتهم في بناء علاقة تتعدى العلاقات السرية الحالية.
واليوم، تم إضعاف أو تحييد معظم أعداء (إسرائيل) التقليديين؛ حيث تم إخضاع القيادة الفلسطينية، وصمدت اتفاقات السلام مع مصر والأردن حتى في أكثر الأزمات الدبلوماسية شراسة وتم تقسيم العراق وسوريا من خلال حملة الإطاحة بتنظيم «الدولة الإسلامية».
ويتفق «نتنياهو» وإدارة «ترامب» على أنه يمكن التوصل إلى اتفاق من خلال علاقات (إسرائيل) الدافئة مع الدول العربية، والتي بدورها ستضغط على الفلسطينيين للالتزام.
وفيما يتعلق بإدارة «ترامب»، «فهذه عبارة عن صفقة، عليك فقط أن تجد السعر المناسب للبيع»، كما قال «ويليام كوانت»، العضو السابق في مجلس الأمن القومي في إدارات «نيكسون» و«كارتر»، في مؤتمر تم عقده في واشنطن في مارس/آذار، وأضاف: «إذا كان السعوديون مستعدين لتمويلها، فكيف يمكن للفلسطينيين أن يقولوا لا للسعوديين؟».
ولقد تعلم الفلسطينيون من ماضيهم أن دعم الحكومات العربية متقلب، كما هو الحال مع تضاريس المنطقة السياسية المتغيرة.
ومرة أخرى، يجد الزعماء الفلسطينيون أنفسهم معزولين ومنقسمين، بينما تقوم الحكومات العربية والغربية بتصعيد الضغوط، وخياراتهم اليوم محدودة؛ حيث يمكنهم إنهاء التعاون الأمني مع (إسرائيل)، وتفكيك السلطة الفلسطينية وإجبار (إسرائيل) على تحمل مسؤولية احتلالها العسكري، أو احتضان العصيان المدني وتكتيكات حركة المقاطعة على المستوى الوطني.
ويمكنهم أيضا أن يرضخوا لـ«محمد بن سلمان» وخطة المتآمرين معه في المنطقة، بينما يركزون على عزل «حماس» ومعاقبة الفلسطينيين في غزة، ولكن ليس دون مواجهة الغضب من شعبهم.