10/03/2018
ثقافة و فن 702 قراءة
صانع آلة العود عيد إلياس: هي تُراثنا وأخاف عليها مُستقبلا
صانعُ آلة العود، عيد إلياس
صناعة آلة العود حرفةٌ يدوية و مهنة تراثية كإحدى أشكال الفنون، وتكتسب أهمية أكثر عندما تتعلق بفلسطينيي الداخل، الذين استُهدف تراثهم ولغتهم وثقافتهم عموما منذ العام 48 لغاية اليوم. ارتبط الأستاذ عيد إلياس مبكرا بهذه المهنة وتمسك بها أكثر خشية من الاندثار والاستهداف لطمسها كواحدة من معالم تاريخنا وإرثنا الثقافي في هذه البلاد.
بدأ عازفا وأستاذا لموضوع الموسيقى في المدارس العربية ثم وجد موهبة أخرى تكتمل بها العملية الإبداعية في مهارة اكتشفها بصناعة العود وآلة القانون لاحقا.
الأستاذ عيد إلياس من مدينة شفاعمرو شارف على أواخر السبعينات من العمر ويأبى التقاعد من حرفته النادرة في الداخل، بعد تقاعده كأستاذ لتعليم الموسيقى في المدارس العربية والتي مارسها منذ العام 1969.
وحول مسيرته الفنية والإبداعية استعرض إلياس انطلاقته وخشيته من اندثار هذه الحرفة، وقال: العود آلة ساحرة وهي ركن أساسي في الفرقة الموسيقية وفيما يسمى بالتخت الشرقي، إلى جانب الكمان والقانون والإيقاعات، كما أنها تمثّلُ "سُلطانا" بالعزف المنفرد.
وأضاف إلياس: انطلقت مسيرتي عندما كنت أستاذ موسيقى في مدارس الطيبة بالمثلث الجنوبي منذ العام 1969، وعندما أصاب العود كسر وخلل لم أتمكن من الوصول للصانع المعروف أمين حداد من مدينة حيفا، لذلك اضطررتُ لإصلاحه في منجرة وهذا أمرغريب، بحكم أن هذه الآلات تحتاج مهنية عالية لدقتها، ولتصليحها، بعد ذلك تكرر الخلل في كسر الآلة وقمت بتجربة صناعة وجه للعود وهذا ما اكتسبته بشكل أولي من صديقي المرحوم أمين حداد الحرفي الأقدم والأشهر.
وأكمل قائلا: " هناك قلة من المحترفين في هذا المجال، فهم لا يتجاوزون عدد أصابع اليد الواحدة، أضِف إلى ذلك قدرة الشخص في الحصول على آلة ليس بالأمر اليسير، نظرا لتكلفتها التي تُعتبرُ باهظة، فمن كان يستطيع امتلاك آلة فهو محظوظ".
وأعرب إلياس عن قلقه على مستقبل هذه الحرفة، قائلا: "إن الذين يعملون في هذه الحرفة لغاية اليوم، قلائل جدا، لذا فإن وضعية ومكانة هذه الحرفة اليوم في البلاد صار مقلقا".
وتابع: "في العام 2000 خضت تحديا آخر وهو صناعة آلة القانون وهي معقدة أكثر لكني نجحت في هذه الحرفة ولا زلت لغاية اليوم أصنع الآلتين رغم أن القانون التركي المستورد أصبح منافسا قويا لنا، لكني مع ذلك سأبقى مع هذه الحرفة لأنني أدمنت الفن ولا أستطيع تركه".
وحول الخطر المُحدق بآلة العود ومستقبلها، فإن إلياس يرى أن هذه الحرفة تراجعت بسبب المنافسة أمام الآلات المستوردة الكبيرة، التي تُغرق الأسواق وهذا بدأ نسبيا منذ فُتحت الحدود المصرية والأردنية التي أغرقت السوق بآلات رديئة وبسعر زهيد ومن ثم اقتناء العود السوري عن طريق الأردن.
وأشار إلياس إلى ضرورة الحفاظ على هذه الحرفة، مؤكدا أنه يتحتم على الأجيال أن تتوارث هذه الحرفة كمكون أصيل من ثقافتنا.
وأبدى قلقه حيث قال: "أخشى بعد جيلنا أن تختفي هذه الحرفة لأن الجيل الجديد لا يولي أهمية لذلك، وكذلك لأنها مهنة تتطلب وقتا وصبر كبيرا".
وقال إلياس: "بالرغم من الوضع القائم، إلا أن هناك صورة إيجابية، حيث أصبح عالم الموسيقى مُنفتحا، كما شاعت الثقافة الموسيقية، لذا فإن لعالم الموسيقى اليوم أهمية أكبر مع وفرة وإمكانيات اقتناء الآلات ووجود عدد كبير من المعاهد في مختلف البلدات العربية وعلى سبيل المثال فان بيت الموسيقى في شفاعمرو وحده يضم 400 طالب على مختلف الآلات وكل سنة يخرج أفواجا من الطلاب مع شهادات "بجروت" هؤلاء غالبيتهم يلتحقون بالمعاهد العليا.
وشدد إلياس على أهمية هذا الميدان الفنّي في اكتشاف مهارات الأبناء ورعايتهم، وصقل شخصياتهم، بما يُرسّخ المعايير الإنسانية النّبيلة، ونبذ كل ما هو غير إنساني كالعنف والجريمة، التي تجتاح مجتمعنا بشكل كبير".