الشرائح المتقدّمة… الصين تكسر الاحتكار!

ishraq

الاشراق

الاشراق | متابعة.

على مدى سنوات، كثّفت واشنطن جهودها لإبطاء التقدّم الصيني في مجال الشرائح المتقدّمة. ومع ذلك، كشفت وكالة «رويترز» أن الصين نجحت في بناء جهازها الخاص بتقنية الطباعة الضوئية الفائقة EUV المستخدمة في صناعة هذه الشرائح.

ويتعلّق الأمر بآلة تُعد من أعقد التقنيات الصناعية في العالم، ولم تكن معرفة تصنيعها محصورة، حتى وقت قريب، سوى بشركة واحدة هي ASML الهولندية.

تُعدّ آلة EUV ذروة التعقيد الهندسي في صناعة أشباه الموصلات، إذ تعمل عبر توليد ضوء فوق بنفسجي شديد القِصر لا يمكن إنتاجه بالطرق التقليدية. داخل الجهاز، تُقذف قطرات متناهية الصغر من القصدير بسرعة هائلة، ثم تُضرب بنبضات ليزر عالية الطاقة لتحويلها إلى بلازما تشع هذا النوع النادر من الضوء.

بعدها، يُوجَّه الشعاع عبر منظومة مرايا فائقة الدقة، مصقولة على المستوى الذري، قبل إسقاطه على رقائق السيليكون لنقش دوائر أدق من عرض الشعرة البشرية بآلاف المرات. أي انحراف مجهري في هذه السلسلة المعقّدة كفيل بإفساد العملية بالكامل، ما يجعل تشغيل هذه الآلة تحدياً علمياً وصناعياً لا يقل صعوبة عن تصنيعها نفسها.

العالم يتغيّر

يشكّل هذا التطور اختراقاً مباشراً لمنظومة الاحتكار التكنولوجي التي حكمت صناعة الشرائح المتقدمة لعقود. بالنسبة إلى الصين، يعني امتلاك تقنية EUV الاقتراب من الاستقلال الاستراتيجي في أكثر القطاعات حساسية، وتخفيف أثر العقوبات والقيود الغربية التي استهدفت شلّ قدرتها على تطوير الذكاء الاصطناعي والأنظمة العسكرية المتقدمة.

أما عالمياً، فيفتح هذا التحول الباب أمام تآكل أحادية التكنولوجيا التي تمركزت في أيدي عدد محدود من الشركات والدول، وينذر بانتقال صناعة الرقائق إلى مرحلة أكثر تعددية وتنافساً.

في هذا السياق، تبدو السياسات الأميركية وقد انقلبت على أهدافها الأصلية. فبدلاً من كبح التقدّم الصيني، دفعت استراتيجية التقييد والحصار التكنولوجي بكين إلى تسريع الاستثمار في البحث والتطوير، وتعبئة موارد الدولة والقطاع الخاص لكسر نقاط الاختناق التي فرضتها واشنطن.

أدّت القيود على تصدير المعدات والبرمجيات إلى تحويل التحدي إلى مشروع سيادي طويل الأمد، شبيه ببرامج التعبئة العلمية الكبرى، فصار تجاوز التكنولوجيا الغربية هدفاً بحد ذاته.

على المستوى الأوسع، أسهم هذا النهج في تسريع تفكك سلاسل الإمداد العالمية، وإضعاف الثقة بالنظام التكنولوجي الذي قادته الولايات المتحدة لعقود، فيما منحت المنافسين حافزاً تاريخياً لبناء بدائل مستقلة.

يمتد أثر هذا التحول ليشمل النظام التكنولوجي العالمي برمّته. كسر الاحتكار في تقنيات EUV يَعِد بإعادة توزيع المعرفة الصناعية، وخفض كلفة الوصول إلى الشرائح المتقدمة، وتخفيف هشاشة السوق التي جعلت العالم رهينة قيود محدودة جغرافياً وسياسياً.

تنوّع مصادر التكنولوجيا يفتح المجال أمام دول وأسواق ناشئة للدخول في سلاسل القيمة العليا، ويمنح الباحثين والشركات خيارات أوسع بعيداً عن الابتزاز الجيوسياسي. وفي بيئة أقل أحادية، يمكن للابتكار أن يتسارع بوتيرة أكثر توازناً، مع تنافس النماذج المختلفة بدلاً من خضوع العالم لمسار تقني واحد مفروض بالقوة الاقتصادية والسياسية.

مشروع سرّي

بُنيت الآلة ضمن مشروع سري عالي التحصين في مدينة شينزن، على امتداد ست سنوات من العمل المتواصل. اعتمدت الصين على فريق من مهندسين وعلماء سابقين في شركة ASML، جرى استقطابهم بعقود مغرية وإخضاعهم لإجراءات أمنية مشددة، شملت العمل بهويات مستعارة وعزلهم الكامل عن العالم الخارجي.

انطلق العمل من تفكيك آلات قديمة جرى الحصول عليها عبر الأسواق الثانوية والمزادات الدولية، ثم إعادة هندستها قطعة قطعة، بدعم من شبكة واسعة من المعاهد البحثية الحكومية، وفي مقدّمها مؤسسات تابعة للأكاديمية الصينية للعلوم.

تولّت شركة «هواوي» تنسيق هذا النظام المعقّد، من تصميم الشرائح إلى تطوير المعدات والمكوّنات البصرية ومصادر الضوء، في نموذج يشبه تعبئة علمية وطنية. ورغم بدائية النموذج مقارنة بنظيره الغربي، نجح المشروع في إنتاج جهاز عامل قادر على توليد ضوء EUV، ما مثّل أول اختراق عملي لحاجز اعتُبر لسنوات طويلة عصياً على الكسر خارج الغرب.

وفق المعطيات المتداولة داخل المشروع، لا تزال آلة EUV الصينية في مرحلة الاختبار والتحسين، إذ تقتصر قدرتها حالياً على توليد الضوء فوق البنفسجي الفائق من دون إنتاج شرائح صالحة للاستخدام التجاري.

تشير التقديرات الرسمية إلى هدف مبدئي يتمثّل في بدء إنتاج شرائح عاملة على هذا النموذج بحلول عام 2028، نظراً للتحديات التقنية المرتبطة بدقّة الأنظمة البصرية، ومستويات التلوّث، واستقرار مصدر الضوء.

مع ذلك، يبقى هذا الجدول الزمني أسرع بكثير مما توقّعه محللون غربيون، الذين قدّروا سابقاً أن تحتاج الصين إلى عقد كامل أو أكثر للحاق بتقنيات الطباعة الضوئية المتقدمة، ما يجعل الفارق الزمني المتبقي مسألة سنوات لا أجيال.

بقلم علي عواد

Copyright © 2017 Al Eshraq TV all rights reserved Created by AVESTA GROUP