"الغارديان" .. كيف يُعرّض التغير المناخي الأمن الغذائي العالمي للخطر؟

ishraq

الاشراق

الاشراق | متابعة.

صحيفة "الغارديان" البريطانية تنشر تقريراً يتناول تأثير تغيّر المناخ والظواهر الجوية المتطرّفة على الإنتاج الزراعي والأمن الغذائي العالمي، محذّراً من أنّ المكاسب التاريخية في كفاءة الزراعة تُخفي أزمة متنامية قد تقود إلى تراجع حادّ في غلة المحاصيل خلال العقود المقبلة.

أدناه نص التقرير منقولاً إلى العربية:

حذّر الخبراء من أنّ قدرة العالم على إنتاج ما يكفي من الأغذية مهدّدة بسبب الفوضى الناجمة عن الظواهر الجوية المتطرّفة نتيجة تغيّر المناخ. وقد شهد إنتاج المحاصيل زيادة هائلة خلال العقود القليلة الماضية. إلّا أنّ مؤشرات الإنذار المبكر بدأت تظهر مع استقرار معدلات إنتاج المحاصيل، ما دفع إلى التحذير من بلوغ الكفاءة حدودها القصوى وتأثيرات تغيّر المناخ.

للوهلة الأولى، تبدو الاتجاهات إيجابية، فقد أصبحت أساليب الزراعة أكثر كفاءة على مدى السنوات الـ80 الماضية. ومع ذلك، يشير الكثير من التوقّعات إلى أنّ تغيّر المناخ سيؤدّي قريباً إلى استقرار إنتاج المحاصيل الرئيسة، ثم تراجعه مجدداً. ويوضح الرسم البياني كيف يمكن أن تنخفض غلة المحاصيل خلال الفترة المتبقّية من القرن في ظلّ حالة الانبعاثات المتزايدة. ومن المتوقع أن تؤدّي آثار تغيّر المناخ إلى انخفاض غلّة جميع هذه المحاصيل الرئيسة. ولا يأخذ هذا النموذج في الحسبان سوى توقّعات تغيّر المناخ ونمو الدخل، ولا يأخذ في الاعتبار عوامل أخرى قد تحدّ من هذا التأثير أو تزيد من الغلة، مثل الابتكارات التكنولوجية أو تغيّرات استخدام الأراضي.

في غضون ذلك، يُتوقّع أن يزداد عدد سكان العالم بمقدار ملياري نسمة إضافية بحلول نهاية القرن. وقد حذّر الخبراء من أنه في ظلّ الانبعاثات المتزايدة، قد ينخفض إنتاج المحاصيل في المستقبل بمقدار الربع. ويعود هذا في معظمه إلى الظواهر الجوية المتطرّفة التي تُلحق أضراراً بالغة بالزراعة. ففي العامين الماضيين فقط، أثّرت الظواهر المتطرّفة المتزايدة، والتي تُعرف بـ"التقلّبات المناخية العالمية"، على الزراعة، بحيث يُعزى الانخفاض القياسي في مستوى المحاصيل إلى التقلبات الشديدة في هطول الأمطار.

الكفاءة تُخفي مشكلة متنامية
تُشكّل الظواهر الجوية المتطرّفة تهديداً كبيراً للأمن الغذائي في جميع أنحاء العالم. وتُظهر هذه الخريطة كيف تغيّرت دورات هطول الأمطار في العامين الماضيين مقارنةً بمتوسط الفترة من عام 1991 وحتى عام 2020. وشهدت بعض المناطق هطول أمطار بمعدل ضعف المعدل الطبيعي، في حين سجّلت مناطق أخرى، عادةً ما تكون رطبة، أشهراً قليلة الأمطار. وقد أدّى ذلك إلى اضطراب في إنتاج المحاصيل.

هطول أمطار قياسي في شرق الصين
شهدت 16 مدينة ومقاطعة على الأقل في شرق الصين هطول أمطار وفيضانات قياسية بين شهري حزيران/يونيو وآب/ أغسطس من عام 2023. وتضرّرت أو دُمّرت عشرات الآلاف من الهكتارات من المحاصيل. وتأثّر نحو 5 ملايين طن متري من الذرة - أي ما يعادل 2% من إنتاج البلاد - بينما انخفض إنتاج الأرز الوطني بنحو 5% نتيجة الفيضانات.

الانجرافات في إنكلترا وفرنسا
في عام 2024، شهدت إنكلترا ثاني أسوأ موسم حصاد لها على الإطلاق بعد هطول أمطار غزيرة، بحيث انخفض محصول القمح بنسبة الخمس. وتوقّعت وحدة معلومات الطاقة والمناخ أن يخسر المزارعون 600 مليون جنيه إسترليني في محاصيل القمح والشعير الشتوي والربيعي والشوفان وبذور اللفت الزيتية. كما انخفضت محاصيل العنب بنسبة تصل إلى 75% في بعض المناطق. 

كما شهدت فرنسا انخفاضاً بنسبة 25% في إنتاج القمح الليّن، وهو أدنى محصول لها منذ 41 عاماً. وكما هو الحال في إنكلترا، عرقلت الأمطار الغزيرة جميع مراحل الزراعة.

كارثة في جنوب أفريقيا
أعلنت كلّ من ليسوتو وملاوي وناميبيا وزامبيا وزيمبابوي حالة كارثة وطنية بسبب الجفاف في أوائل عام 2024. وقد تمّ القضاء على نصف محصول الذرة في زيمبابوي، في حين تمّ تدمير أكثر من مليون هكتار من الذرة في زامبيا. وعلى الرغم من أنّ الجفاف قد يعود جزئياً إلى ظاهرة النينيو (El Niño) المناخية، إلّا أنّ تغيّر المناخ يزيد من تفاقم سلوكها في تأثير "الضربة المزدوجة".

الولايات المتحدة تشهد خريفاً هو الأشد جفافاً على الإطلاق
في عام 2024، شهدت الولايات المتحدة خريفاً هو الأشد جفافاً على الإطلاق، بحيث عانت ثلاثة أرباع أراضيها من جفاف غير معتاد. وتسبّبت الظواهر الجوية المتطرّفة في خسائر زراعية تجاوزت 20.3 مليار دولار (15.1 مليار جنيه إسترليني) في جميع أنحاء الولايات المتحدة العام الماضي.

الجفاف في الأمازون
تعرّضت منطقة الأمازون لواحدة من أسوأ موجات الجفاف على الإطلاق في تشرين الأول/أكتوبر وتشرين الثاني/نوفمبر 2024. وتأثّر ملايين الأشخاص في كولومبيا والبرازيل والبيرو وبوليفيا، وتضرّرت المجتمعات الأصلية بشكل خاصّ. وفي البيرو، تضرّر أكثر من 18 ألف هكتار (44500 فدان) من المحاصيل ونحو 1000 رأس من الماشية. ولم يقتصر تأثير ذلك على الأمن الغذائي على المحاصيل فحسب، بل واجهت الباراغواي صعوبة في تصدير المحاصيل بسبب انخفاض منسوب الأنهار. كما تسبّبت سنتان من الجفاف الشديد في المنطقة في معاناة نحو نصف مليون طفل بسبب نقص المياه والغذاء.

فيضانات الفلبين وماليزيا وإندونيسيا
ساهمت الأمطار الغزيرة التي هطلت بين تشرين الأول/أكتوبر وكانون الأول/ديسمبر 2024 في حدوث فيضانات مدمّرة في كلّ من ماليزيا وإندونيسيا والفلبين. وخسرت ماليزيا ما يُقدّر بنحو 5.3 ملايين كيس من الأرز. وواجهت آلاف الهكتارات في إندونيسيا شُحّاً في المحصول، بينما فُقد نحو 600 ألف طن من محصول الأرز غير المقشور في الفلبين.

مشكلة عالمية
لا تمثّل دراسات الحالة المذكورة سوى جزء يسير من الصورة الكاملة. فمن أستراليا إلى البرتغال إلى بورتوريكو إلى الهند، تؤثّر الظواهر الجوية المتطرّفة على إنتاج المحاصيل في جميع أنحاء العالم، وتمتدّ آثارها لتشمل سلاسل التوريد والصناعة والأفراد. 

إنّ العلاقة بين المناخ والأمن الغذائي معقّدة. فليست كلّ المحاصيل تُستخدم للغذاء، وقد تُؤدّي ظواهر مثل ظاهرة النينيو إلى تعقيد التوجّهات طويلة الأجل. ومع ذلك، فإنّ العلاقة بين الظواهر الجوية المتطرفة وانخفاض المحاصيل واضحة. وتُعدّ الذرة المحصول الأكثر إنتاجاً في العالم، ومن المتوقّع أن تتأثّر بشدة. وتشير التوقّعات إلى انخفاض المحصول بنسبة 6% بحلول نهاية القرن في حالة الاحترار المنخفض، وبنسبة تصل إلى 24% في الحالات المتطرّفة.

وقال أندرو هولتغرين، الأستاذ المساعد في الاقتصاد الزراعي والاستهلاكي في جامعة إلينوي في أوربانا-شامبين: "سيؤدّي تغيّر المناخ والظواهر الجوية المتطرّفة إلى انخفاض المحاصيل الحرارية العالمية بنحو 24% في ظلّ ارتفاع الانبعاثات المستقبلية. وسيؤدّي ذلك إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية، وهو ما سيشعر به الأفراد في الدول الغنية على أنه تضخّم. أما في الدول الفقيرة، فسيؤدّي ذلك إلى تفاقم مشكلات الأمن الغذائي وقد يؤثّر سلباً على الاستقرار السياسي". 

ومن المتوقّع أن يواجه أكثر من 600 مليون شخص حول العالم انعدام الأمن الغذائي - أو ما هو أسوأ - بحلول عام 2030. ولن تؤدّي التغيّرات المناخية المتزايدة إلّا إلى تفاقم الوضع ما لم يتمّ اتخاذ إجراءات.

من جهته، قال كافيه زاهدي، مدير مكتب تغيّر المناخ والتنوّع البيولوجي والبيئة في منظمة الأغذية والزراعة (الفاو): "إنّ المعدّلات العالمية تخفي قدراً هائلاً من الفوضى الكامنة وراءها وليست لدينا القدرة على التنبؤ". ولمواجهة هذه التحدّيات، يشير الخبراء إلى ضرورة تحقيق أهداف المناخ، وتعزيز قدرة النظم الغذائية على الصمود، والحد من هدر الطعام. وتدعو منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) إلى مبادرات مثل زراعة الأرز بطرق أكثر ذكاءً، واستصلاح الأراضي الزراعية المتدهورة.

وأشار زاهدي إلى أنّ "الاستدامة بمفهومها الشامل تُعدّ جزءاً من هذا الحل. ويجب أن تتمحور حول المرونة، وزيادة دخل المزارعين، وضمان توفير غذاء مغذٍ، وتوفير الغذاء بأسعار معقولة. كلّ هذه العوامل تدخل في الحسبان".

وأضاف هولتغرين: "سيتضرّر المنتجون في الكثير من المناطق الرئيسة المنتجة للغذاء من الاحتباس الحراري، وكذلك مزارعو الكفاف الفقراء في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى وأميركا الجنوبية وأوقيانيا. وتؤدّي الخسائر التي تلحق بالمناطق الرئيسة المنتجة للغذاء إلى خسائر إجمالية في الإنتاج العالمي للطاقة الحرارية. وتُعدّ الخسائر التي تلحق بمزارعي الكفاف الفقراء مثيرة للقلق بشكل خاصّ من منظور الأمن الغذائي، إذ يواجهون مخاطر متزايدة بسبب سوء التغذية والمجاعة المتفشّية بين أسرهم بعد موسم حصاد سيّئ".

وختم قائلاً: "من أفضل الأمور التي يمكننا القيام بها خفض الانبعاثات. فالانتقال من ارتفاع درجات الحرارة إلى ارتفاع أكثر اعتدالاً يقلّل من خسائر الطاقة الحرارية العالمية إلى النصف. وهذا يفيد الجميع - من مزارعي السلة الغذائية إلى مستهلكي العالم المتقدّم وصولاً إلى الفقراء في العالم".

Copyright © 2017 Al Eshraq TV all rights reserved Created by AVESTA GROUP