"داعش" في سوريا .. أسباب العودة والتحديات المستقبلية

ishraq

الاشراق

الاشراق | متابعة.

على الرغم من إعلان "سقوط الخلافة"، فإنه لم تتم هزيمة "داعش" والقضاء عليه بشكل كامل، فالتنظيم لا يزال يمتلك القدرة على القيام ببعض الهجمات الإرهابية، التي تنفذها ذئابه المنفردة على غرار ما حدث مؤخراً في صحراء تدمر.

لم تكن العملية التي نفذها تنظيم "داعش" الإرهابي في مدينة تدمر السورية أولى العمليات التي قام بها التنظيم هذا العام ولا أخطرها، لكن استهدافه جنوداً أميركيين كان هو السبب في ما رأيناه من عودة الحديث عن التحالف الدولي لقتال "داعش". 

يبدو أن التنظيم سعى من خلال عمليته إلى تحقيق جملة من الأهداف وإيصال رسائل عدة. كان من أبرز تلك الأهداف رفع معنويات أفراده، وإعادة إحياء صورته أمام أنصاره، وربما استقطاب المزيد من الدعم المالي. كما يبدو أنه حاول تنشيط خلاياه النائمة وإعادتها إلى العمل.

العملية شكلت خرقاً أمنياً وأثارت الكثير من التساؤلات لجهة وجود عناصر يحملون فكر التنظيم داخل القوات الحكومية، وهو ما يحتم على الحكومة إعادة النظر في ملفات المنتسبين إلى وزارتي الداخلية والدفاع، والتدقيق أكثر في الراغبين بالانتساب إلى المؤسستين العسكرية والأمنية مستقبلاً.

وجرى الحديث عن أن منفذ العملية كان معتقلاً في سجون "داعش" التي تشرف عليها "قسد"، وبالتالي فإن الكثير من التساؤلات تثار حول مسؤولية "قسد" وقدرتها على الاستمرار بهذا الدور. 

كانت الحكومة السورية قد أعلنت انضمامها إلى التحالف الدولي لقتال "داعش" لتكون بذلك الدولة رقم 90 في هذا التحالف الذي تم تشكيله منذ عام 2014 بقيادة الولايات المتحدة الأميركية. 

يعد تنظيم "داعش" أحد أبرز التحديات الأمنية في سوريا، حيث تمكن من تحقيق عودة ملحوظة إلى المشهد السوري بعد هزيمته في معركة الباغوز في عام 2019. 

نشاط "داعش" تجاوز سوريا ليصل إلى أستراليا، حيث أعلن التنظيم مسؤوليته عن الهجوم الذي وقع في سيدني، والذي أدى إلى مقتل 15 شخصاً وإصابة أكثر من 40 آخرين. المنفذان، ساجد أكرم (50 عاماً) وابنه نافيد أكرم (24 عاماً)، كانا على صلة بالتنظيم، وفقاً لتحقيقات الشرطة الأسترالية، وهو ما يحتم على المجتمع الدولي دعم الحكومة السورية لقتاله.

وهنا، لا بد من الإشارة إلى أنه، وعلى الرغم من ادعاء الولايات المتحدة محاربتها "داعش"، فإن هناك الكثير من الاتهامات حول قيام القوات الأميركية بنقل عناصر التنظيم داخل الأراضي السورية من منطقة إلى أخرى، وفقاً لشهادات أبناء تلك المناطق.

لعل أهم أسباب عودة التنظيم هي:

- الفراغ الأمني: الناتج من انهيار النظام السابق، ما أتاح لـ"داعش" فرصة إعادة تنظيم صفوفه والانتشار في مناطق البادية السورية. 

- التدهور الاقتصادي: تفاقم الأزمة الاقتصادية في سوريا أدى إلى زيادة معدلات الفقر والبطالة، ما جعل بعض الأفراد أكثر عرضة للتأثر بأيديولوجية التنظيم والانضمام إليه. 

- الانقسامات السياسية: فالاختلافات والصراعات بين الفصائل المسلحة داخل سوريا وفّرت لـ"داعش" بيئة مناسبة للتمدد واستغلال تلك الانقسامات لتعزيز نفوذه.

كان "داعش" قد نفذ عدداً من الهجمات الإرهابية في سوريا، بما في ذلك الهجوم على حافلة عسكرية في دير الزور، والذي أدى إلى مقتل 33 جندياً. كما قام التنظيم بالسيطرة على عدد من المناطق في البادية السورية، بما في ذلك مناطق في دير الزور والرقة. ويستمر "داعش" في تجنيد مقاتلين جدد، خصوصاً من مخيمات اللاجئين في سوريا.

لماذا اختار التنظيم البادية السورية مقراً له؟
تبلغ مساحة البادية السورية نحو (80) ألف كيلومتر مربع، وتتوزع على محافظات: دير الزور، الرقة، حلب، حماة، حمص، ريف دمشق، والسويداء، وتشغل البادية السورية نحو (55%) من مساحة سوريا، وتعد جرءاً من بادية الشام التي تتوزع بين سوريا ولبنان والأردن وتتصل بالصحراء العربية، وتمتد الكتل الجبلية فيها على مساحة (360) كم.

يعود سبب قدرة تنظيم "داعش" على التحرك بحرية نسبية في منطقة البادية إلى استغلاله الجيد لمعطيات معارك هذه المنطقة وتحركاته في صحراء الأنبار بالعراق. ويبدو أن لدى التنظيم، على المدى المتوسط، خططاً تهدف إلى السيطرة على بلدات ومدن سورية، وخصوصاً في المناطق المأهولة الواقعة في أرياف إدلب وحماة. وتتمثل الغاية الرئيسية من هذه التحركات في تعزيز أعداد مقاتليه وزيادة موارده المادية والبشرية.

تنطوي البادية السورية على مجموعة من العوامل التي تجعلها ملاذاً آمناً للتنظيم واستمرار نشاطه، نظراً لاعتبارات جغرافية وأمنية واقتصادية، ما يعقد عمليات رصد تحركاته وملاحقته من قبل القوات الحكومية والتحالف الدولي.

أولاً، تتميز البادية بطبيعتها الصحراوية الشاسعة، ذات الارتفاعات المتفاوتة، ما يجعل تتبع عناصر التنظيم أمراً بالغ الصعوبة بسبب التضاريس القاحلة والمعقدة. ثانياً، الكثافة السكانية القليلة لهذه المنطقة، تقلل من احتمال تعرض التنظيم لخطر الاكتشاف المباشر. ثالثاً، تعدّ البادية مصدراً للموارد الطبيعية مثل حقول النفط والغاز، التي يمكن للتنظيم استغلالها كمصدر تمويل رئيسي لدعمه اللوجستي والعسكري.

علاوة على ذلك، تلعب بعض القبائل المحلية دوراً مهماً في تقديم الدعم لـ"داعش"، سواء عن طريق توفير ملاذات آمنة أو تسهيلات لوجستية. كما أن انشغال الحكومة السورية بالصراعات ضد قوى المعارضة في مناطق أخرى أسهم في منح التنظيم فرصة لإعادة تنظيم صفوفه وترسيخ وجوده في هذه البقعة النائية.

على الرغم من هذه التحديات، تعمل الحكومة السورية بالتعاون مع التحالف الدولي على تقويض نفوذ "داعش" ومحاصرة نشاطه في البادية، لكنها بحاجة إلى دعم استخباري ومساعدات لوجستية لنجاحها في تلك المهمة.

تُفيد تقديرات صادرة عن الأمم المتحدة عام 2022 بأن العدد الإجمالي لعناصر تنظيم "داعش" بين سوريا والعراق يبلغ نحو 10,000 مقاتل. أما بشأن عدد مقاتلي التنظيم في البادية، فمن الصعب تحديد أرقام دقيقة وثابتة، نظراً للتغيرات المستمرة الناتجة عن الخسائر البشرية وتغيير المناطق استعداداً لتنفيذ عمليات خاصة. ومع ذلك، يُقدّر وجود أكثر من 3,000 مقاتل في منطقتي الكوم والبشري، اللتين تُعدّان أبرز مراكز تجمعاتهم، في حين لا يتجاوز عددهم 35 مقاتلًا فقط في ريف السويداء حتى حزيران/يونيو 2023.

دول الجوار وسعيها لحماية حدودها مع سوريا:
تستشعر دول الجوار لسوريا، ولا سيما تركيا والعراق والأردن، خطر وجود "داعش" في سوريا، وتسعى لحماية حدودها، وتبادل المعلومات الأمنية والاستخبارية مع الجانب السوري. 

وفي سبيل ذلك، قامت تلك الدول ببناء جدار عازل على طول الحدود مع سوريا، حيث بدأت تركيا في عام 2014 ببناء حاجز حدودي على الحدود مع سوريا، يبلغ طوله نحو 909 كيلومترات، تم الانتهاء من نحو 763 كيلومتراً من السور حتى الآن. يتضمن السور أبراجاً وكاميرات للمراقبة، وأسلاكاً شائكة. 

أما العراق فيخطط لبناء جدار حدودي يبلغ طوله نحو 600-620 كيلومتراً، تم إنجاز نحو 400 كيلومتر منه حتى الآن. ويعد السور جزءاً من الجهود العراقية لتحسين أمنها الحدودي وتعزيز الاستقرار في المنطقة. وعلى الجانب الأردني، شرعت الحكومة الأردنية ببناء جدار يبلغ طوله نحو 375 كيلومتراً، الهدف منه تجنيب البلاد خطر "داعش" وتجارة الكبتاغون وسوى ذلك.

القضاء على "داعش"..
القضاء على "داعش" يتطلب تعاوناً دولياً واسعاً وجهوداً مشتركة من الدول المتضررة والمجتمع الدولي. وهنا، لا بد من التركيز على الخطوات الآتية:

1. تعزيز التعاون الدولي بين الدول المتضررة والمجتمع الدولي لمكافحة "داعش".

2. توفير الدعم المالي والعسكري للدول المتضررة لمساعدتها في مكافحة "داعش".

3.  تطوير استراتيجية شاملة لمكافحة "داعش"، تشمل الجوانب العسكرية والاقتصادية والاجتماعية.

4. مكافحة التطرف والفكر المتطرف الذي يغذي "داعش".

5. إعادة الإعمار في المناطق التي تم تحريرها من "داعش"، وتوفير الخدمات الأساسية للسكان، بالإضافة إلى جهود لتحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في سوريا.

6. محاكمة المجرمين الذين ارتكبوا جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، لمنع تكرار مثل هذه الأحداث في المستقبل.

7. توفير الدعم النفسي للضحايا والمتضررين من "داعش".

أما التحديات التي تقف في مساعي الحكومة السورية لمواجهة التنظيم فهي:

1. التمويل: يتمتع "داعش" بموارد مالية قوية بفضل أنشطة التهريب والسرقة التي يقوم بها. كما اعتمد التنظيم على استخدام العملات المشفرة لتعزيز قدرته على التكيف المالي وتحقيق مرونة أكبر في هذا المجال. ورغم التراجع الملحوظ في حجم موارده المالية مقارنة بفترات قوته السابقة، فإن احتياجاته المالية الضرورية لاستمراره انخفضت بشكل كبير أيضاً نتيجة فقدانه السيطرة على العديد من الأراضي.

2. الانتشار: انتشار التنظيم في العديد من الدول يعقد الجهود الرامية إلى القضاء عليه بشكل كامل. 

3. الفكر المتطرف: يمتلك "داعش" أيديولوجيا متطرفة قادرة على جذب الأفراد من مختلف أنحاء العالم، كما أن التنظيم لا يزال مستمراً في تنفيذ برنامجه المعروف باسم "أشبال الخلافة"، والذي يهدف إلى تجنيد الأطفال داخل مخيم الهول.

4. الصراعات الإقليمية: تعقيد الصراعات المستمرة في منطقة الشرق الأوسط يعيق جهود القضاء على التنظيم.

أيديولوجيا متطرفة
لم يعد التنظيم يشكل خطراً استراتيجياً، كما أنه من غير المتوقع سيطرته على إحدى المدن في سوريا، إلا أنه سيكون قادراً على تنفيذ بعض الهجمات بكل تأكيد. 

إن خطورة تنظيم "داعش" تتوقف على عاملين: الأول يتمثل في قدرة أفراده على إعادة هيكلة وتنظيم صفوفهم ضمن المناطق الصحراوية، والثاني يرتبط بمدى قدرة التنظيم على تحرير أعضائه المحتجزين في السجون التي تشرف عليها "قوات سوريا الديمقراطية".

لا يزال تنظيم "داعش" يمثل أيديولوجيا متطرفة راسخة، إذ إن القضاء عليه عسكرياً لا يعني انتهاء وجوده. يتطلب هذا الأمر تبني مقاربات أمنية شاملة إلى جانب معالجة الأسباب العميقة للتطرف والإرهاب، إذ إن الجهود العسكرية وحدها لن تكون كافية لتحقيق هزيمة نهائية ودائمة للتنظيم.

إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي الاشراق وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً

شاهر الشاهر - أستاذ الدراسات الدولية في جامعة صن يات سين- الصين.

Copyright © 2017 Al Eshraq TV all rights reserved Created by AVESTA GROUP