أدلة سرية تكشف..غالبية المعتقلين في غزّة أبرياء!

ishraq

الاشراق

الاشراق | متابعة.

كشفت صحيفة الغارديان، بالتعاون مع و "مجلة +972" وموقع "Local Call" ، عن أدلة سرية إسرائيلية تُظهر أن الغالبية الساحقة من المعتقلين الفلسطينيين من غزة مدنيون لا علاقة لهم بأي نشاط عسكري، رغم وصمهم من قبل سلطات الاحتلال كمقاتلين "غير شرعيين" على حد وصفها.
وتشير البيانات إلى أن واحداً فقط من كل 4 معتقلين جرى التعرف عليه كمقاتل فعلي من قبل الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، بينما احتُجز الباقون بلا تهمة أو محاكمة، بينهم أطباء ومعلمون وصحفيون وكتّاب ومرضى وأطفال ومعاقون.

تصنيف جنوني

وتناول التحقيق قصص بعض المعتقلين من غزة، حيث يقبع كبار السن والنساء والأطفال في السجون تحت ظروف مهينة، بلا ذنب سوى أنهم مدنيون. ومن بين هذه الحالات فهمية الخالدي (82 عاماً)، المصابة بمرض الزهايمر، والتي اختُطفت من غزة في ديسمبر/كانون الأول 2023. افتقدت خلال فترة اعتقالها الرعاية الطبية اللازمة على الرغم من حالتها الصحية الحرجة وتشوشها المستمر، إذ كانت تعتقد أنها ما زالت في غزة. صُنّفت من قبل الجيش الإسرائيلي كمقاتلة "غير شرعية". أحد الجنود وصف الأمر قائلاً: "طريقة استخدام هذا التصنيف جنونية."

أما عبير غباين (40 عاماً)، الأم لثلاثة أطفال، فقد اعتُقلت عند حاجز عسكري بعدما اختلط الأمر على الجنود بين زوجها المزارع ورجل آخر يحمل الاسم نفسه. وعلى الرغم من إقرارهم بالخطأ، بقيت في السجن ستة أسابيع. وعندما عادت إلى غزة، وجدت أطفالها يتسولون في الشوارع. قالت والدموع تملأ عينيها: "كانوا على قيد الحياة، لكن رؤيتهم بهذا الشكل حطمتني. تمنيت لو بقيت في السجن بدلًا من رؤيتهم على هذا الحال."

ويذكر التحقيق أن الألم لا يقتصر على من يُحتجزون خلف القضبان، بل يمتد ليخنق عائلاتهم التي تعيش في دوامة البحث والانتظار. فسياسة الاحتجاز بمعزل عن العالم الخارجي تُضاعف مأساة الأسر، إذ لا تصلهم أي أخبار عن مصير أحبائهم.

من بين هذه القصص المؤلمة ما تعيشه نسرين ضيف الله، والدة الفتى معتصم (16 عاماً)، الذي خرج في الثالث من ديسمبر/كانون الأول 2024 باحثاً عن الطعام لعائلته في غزة ولم يعد منذ ذلك الحين. مضت شهور طويلة والأم تجوب المستشفيات وثلاجات الموتى علّها تعثر على خيط يقودها إلى ابنها. حتى أنها وصلت إلى حد تفقد الجثامين المتحللة، باحثة في ثياب الموتى عن أثر لملابس ابنها المفقود.

هذه الحكاية، مثل مئات غيرها، تُلخّص حجم المأساة التي يعيشها الفلسطينيون، حيث يتحول الغياب القسري إلى عذاب يومي للأمهات اللواتي لا يعلمن إن كان أبناؤهن أحياء خلف القضبان أم جثامين محتجزة لدى سلطات الاحتلال.

ولم تقتصر المعاناة على المسنين والأمهات فقط؛ فقد تحدث طبيب عسكري عن معتقلة نزفت بشدة إثر إجهاضها، وأخرى انفصلت عن رضيعها وطلبت مضخة حليب حتى لا يجف صدرها.

جنود خدموا في قاعدة سدي تيمان، وهي من أكبر مراكز الاعتقال، أكدوا وجود ما أطلق عليه "قلم المسنين"، وُضع فيه كبار السن والمرضى والمعاقون، بينهم رجال مقعدون على كراسٍ متحركة وآخرون مبتورو الأطراف، في مشهد يلخص القسوة التي تُمارس ضد أضعف الفئات.

وذكر التحقيق أنه منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، اعتقلت "إسرائيل" نحو 6 آلاف فلسطيني من قطاع غزة بموجب ما يُعرف بقانون "المقاتلين غير الشرعيين"، وهو التشريع الذي يتيح للاحتلال احتجاز المدنيين إلى أجل غير مسمى دون تهمة أو محاكمة.

غير أن البيانات الإسرائيلية نفسها تكشف مفارقة صارخة؛ ففي مايو/أيار 2024 لم يُصنَّف كمقاتلين فعليين سوى 1450 معتقلاً فقط ضمن قاعدة بيانات الاستخبارات العسكرية. وبالمقابل، اضطرت "إسرائيل" إلى الإفراج عن أكثر من ألفي معتقل مدني بعد أن تبيّن عدم وجود أي صلة لهم بالمقاومة.

ورغم هذه الاعترافات، لم تُعقد حتى اليوم أي محاكمة معروفة لمعتقل من غزة منذ اندلاع الحرب، ما يعكس الطابع التعسفي لسياسة الاعتقالات الجماعية التي تمارسها سلطات الاحتلال بحق الفلسطينيين.

يُشكّل ما يُعرف بقانون "المقاتلين غير الشرعيين" أحد أخطر الأدوات التي تستخدمها "إسرائيل" في اعتقال الفلسطينيين من غزة، إذ يتيح الاحتجاز إلى أجل غير مسمى دون توجيه تهمة أو عقد محاكمة. وبموجب القانون، يمكن منع المعتقل من مقابلة محامٍ لمدة تصل إلى 180 يوماً، كما يُمنع عرضه على قاضٍ قبل مرور 75 يوماً.

منظمات حقوقية محلية ودولية اعتبرت هذا التشريع غطاءً قانونياً لما وصفته بـ"الاختفاء القسري" ووسيلة لتسهيل "الاعتقال الجماعي للمدنيين"، في انتهاك صارخ للقوانين والمعاهدات الدولية التي تضمن الحماية الخاصة للمدنيين في أوقات الحرب.

لا يتوقف الأمر عند حدود الحرمان من الحقوق، بل يتجاوز ذلك إلى استخدام المعتقلين المدنيين كأداة ضغط ومساومة سياسية. فقد أقر جنود إسرائيليون بأن بعض الوحدات عارضت الإفراج عن مدنيين أبرياء حتى بعد التأكد من براءتهم، معتبرين بقاءهم خلف القضبان وسيلة لتعزيز أوراق التفاوض في ملف الرهائن.

منظمات حقوقية فلسطينية أكدت بدورها أن هذه السياسة ليست جديدة، فـ"إسرائيل" سبق أن احتجزت جثامين مئات الفلسطينيين وامتنعت عن تسليمها لعائلاتهم بهدف استخدامها كورقة مساومة، وهو النهج ذاته الذي يُمارس اليوم بحق آلاف المعتقلين الأحياء.

حدود الأعداد أو هوية المعتقلين

ويكشف التحقيق أنه رغم إصرار سلطات الإحتلال على وصف المعتقلين من غزة بـ"المقاتلين غير الشرعيين"، إلا أن شهادات حقوقية تفنّد هذا الادعاء. يقول سمير زقوت، نائب مدير مركز الميزان لحقوق الإنسان، إن المعطيات الميدانية تشير إلى أن الغالبية العظمى من المحتجزين هم مدنيون لا علاقة لهم بالعمل العسكري. ويوضح: "نعتقد أن نسبة المدنيين بين المعتقلين أعلى بكثير مما تعلنه "إسرائيل". في أقصى تقدير، واحد فقط من كل 6 أو 7 له ارتباط بالمقاومة الفلسطينية."

هذا التقدير يعني أن آلاف الأشخاص الذين جرى سلب حريتهم منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، هم في الواقع سكان عاديون: مزارعون، عمّال، نساء، وأطفال، لا تربطهم أي صلة بالأجنحة العسكرية للفصائل الفلسطينية. ومع ذلك، يجدون أنفسهم محتجزين لفترات طويلة في ظروف وصفتها منظمات دولية بأنها "مهينة وغير إنسانية".

أما جيسيكا مونتيل، مديرة منظمة "هموكيد" الحقوقية، فترى أن المشكلة لا تقف عند حدود الأعداد أو هوية المعتقلين، بل في الإطار القانوني نفسه الذي يتيح استمرار هذه الانتهاكات. وتقول: "القانون الإسرائيلي أداة لتبرير الاختفاء القسري لمئات وربما آلاف الأشخاص".

وتشير مونتيل إلى أن بنود قانون "المقاتلين غير الشرعيين" صُممت لتتيح احتجاز الأفراد إلى أجل غير مسمى من دون تهمة أو محاكمة، مع إمكانية حرمانهم من التواصل مع محامٍ لفترات طويلة. وهذا يعني فعلياً أن آلاف الفلسطينيين أصبحوا خارج أي رقابة قضائية أو حماية قانونية، في ممارسة تشبه ما وصفته الأمم المتحدة مراراً بـ"الاختفاء القسري".

Copyright © 2017 Al Eshraq TV all rights reserved Created by AVESTA GROUP