19/04/2025
ثقافة و فن 27 قراءة
لوموند..عالم متعدد الأقطاب وإعادة كتابة السرديات!

الاشراق
الاشراق | متابعة.
في سياق متصاعد من التحديات، تسلط تقارير نشرتها لوموند الفرنسية الضوء على تراجع النفوذ الإعلامي الغربي، خاصة بعد قرارات إدارة ترامب بوقف تمويل شبكات مثل "صوت أمريكا" و"إذاعة أوروبا الحرة"، ما فتح الباب أمام روسيا والصين لتعزيز حضورها الإعلامي بموارد ضخمة، في معركة السرديات التي تُعيد تشكيل خريطة القوة الناعمة عالمياً.
الأزمة المالية: إدارة ترامب تُفكك "أدوات الدعاية"
باتت مؤسسات الإعلام الموجهة من واشنطن، التي لطالما اعتُبرت ذراعاً لـ"القوة الناعمة" الأمريكية، تواجه انهياراً مالياً غير مسبوق، بعد تصنيفها ككيانات "غير ضرورية" بقرار من ترامب، ما أدى إلى إغلاق أقسام وتسريح مئات العاملين، رغم محاولات الكونغرس التصدي عبر قرارات قضائية.
في مقر "إذاعة أوروبا الحرة" ببراغ، حيث تُزيّن الجدران صور صحفيين قضوا في مناطق النزاع، يعيش العاملون أجواءً من القلق، وسط إجراءات أمنية مشددة تشبه السفارات الأمريكية، في مشهد يعكس تحوّل هذه المنصات من أدوات إعلامية إلى مشاريع أمنية تابعة للسياسة الخارجية لواشنطن.
الصين وروسيا تملآن الفراغ: معركة السرديات
في الوقت الذي تتراجع فيه المنصات الغربية، تُوظف موسكو وبكين إمكانياتهما لـملء الفراغ الإعلامي، عبر شبكات مثل "روسيا اليوم" و"CGTN"، مستفيدتين من الميزانيات الضخمة التي تُقدّر بأضعاف ما تُنفقه الدول الغربية، وفقاً لتقديرات "تحالف الإعلام العام".
وتُظهر حالة لبنان مثالاً صارخاً: بعد إغلاق "بي بي سي" العربية، سيطرت القنوات الروسية على تردداتها، فيما احتفت مارغاريتا سيمونيان، رئيسة تحرير "روسيا اليوم"، بقرار ترامب واصفة إياه بـ"الضربة الذاتية لواشنطن".
لا يقتصر التحدي على التمويل، بل يمتد إلى ملاحقة الصحفيين لكن الأزمة الأكبر، بحسب العاملين، هي تآكل مصداقية الإعلام الغربي، الذي يُوصف اليوم بـ"الترف الدعائي" في ظل تناقضاته، كما علق إيلون ماسك منتقداً إنفاق مليارات الدولارات على "خطاب داخلي بين اليساريين".
أوروبا بين التراجع والمشاركة: دعوات للإنقاذ
أمام هذا التراجع، حاولت دول أوروبية مثل فرنسا وألمانيا إنقاذ ما تبقى من "إذاعة أوروبا الحرة" عبر بيانات دعم، لكن دون التزام مالي حقيقي، في مؤشر على أزمة الإرادة السياسية الأوروبية. يان ليبافسكي، وزير الخارجية التشيكي، حذّر من خسارة "أداة التواصل مع شعوب الخصوم"، لكن المحادثات مع واشنطن لم تُجدِ نفعاً.
المعركة الإعلامية: هل الخسارة حتمية؟
رغم الإصرار الرسمي على أهمية الإعلام الغربي، تُظهر الأرقام تفوقاً روسياً–صينياً واضحاً حيث ميزانية الإعلام الروسي والصيني تتراوح بين 6-8 مليارات دولار، مقابل 2.1 مليار للغرب و"إذاعة أوروبا الحرة" تصل إلى 47 مليون شخص أسبوعياً، لكن تقليصات التمويل تهدد بإغلاقها. اما ستيفن كابس، رئيس الإذاعة، يعترف: "الروس يربحون المعركة الآن"، لكنه يعدّ بمواصلة الكفاح لـ"كشف انتهاكات الأنظمة"، كما في تغطية محاكمة شابين في داغستان رفضا الحرب على أوكرانيا، أو فضح الفساد في سيبيريا والقوقاز.
خلاصة: انكفاء غربي وتصدّع في "القيم"
ما تشهده الساحة الإعلامية اليوم ليس سوى انعكاساً لـتراجع المشروع الغربي بشكل عام، حيث تتحول أدوات الدعاية القديمة إلى أعباء مالية، بينما تفرض القوى الصاعدة روايات بديلة، تُعرّي ازدواجية الغرب وتفتح الباب لعالم متعدد الأقطاب، تُعاد فيه كتابة السرديات بعيداً عن الهيمنة الأمريكية.