05/10/2024
تقاریر 153 قراءة
الاقصى..من التقسيم الزماني إلى التهويد الكامل!
الاشراق
الاشراق | متابعة.
منذ السابع من أكتوبر ومحاولات تغيير الواقع القائم في المسجد الأقصى المبارك في حالة تصاعد من طرف مؤسسات الاحتلال، وتحديدًا الوزير في حكومة الاحتلال إيتمار بن غفير والمجموعات الاستيطانية المرتبطة به.
ويركز بن غفير ومجموعاته على فكرة تغيير الواقع القائم في المسجد الأقصى، وفرض واقع جديد يقوم على فرض التقسيم الزماني والمكاني في أولى القبلتين، والسماح بممارسة أعمال تلمودية أكثر تطرفًا من الممارسة في الفترة الماضية.
وتستغل جماعات الهيكل الأعياد اليهودية لممارسة طقوسها التلمودية والتوراتية في المسجد الأقصى، أبرزها الصلوات والدعاء والصوم وذبح القرابين والنفخ في البوق وغيرها، في مساعي تهويده وفرض واقع جديد فيه وتقسيمه زمانيًا ومكانيًا.
وتسعى السلطات الإسرائيلية إلى تحقيق أمنيتها بتحويل المسجد الأقصى إلى معبد يهودي، عبر تقاسمه بداية مع المسلمين، وخلق واقع جديد داخله، وبدأ هذا المخطط بالتنفيذ مع السيطرة الصهيونية على حائط البراق، وتحكم الاحتلال في بوابات الدخول والخروج المحيطة بالمسجد.
وحتى العام 2000، كانت مديرية الأوقاف الإسلامية بالقدس التابعة لوزارة الأوقاف الأردنية، مسؤولة عن دخول الأجانب، لكن بعد اقتحامه من قبل رئيس الحكومة آنذاك أرييل شارون، تغير الأمر، وتحكمت شرطة الاحتلال بالبوابات، وقيّدت حركة الفلسطينيين.
واتبعت الحكومات الإسرائيلية سياسة تراكمية لتهويد المدينة القديمة في القدس المحتلة، حيث وضعت حكومة بنيامين نتنياهو عام 2009 خطة (2030) لتهويد القدس، حيث جرى أسرلة المدينة بشكل كامل، وتحويل الأسماء العربية إلى يهودية وإسرائيلية، وعملت سلطات الاحتلال على تهجير الفلسطينيين من المدينة القديمة، ودفعهم إلى الخروج منها عبر قانون أملاك الغائبين.
ويعني التقسيم الزماني للمسجد الأقصى، تحديد أوقات محددة لدخول المسلمين إلى المسجد وأخرى لليهود، ويتضمن ذلك منع دخول المسلمين إليه في الأعياد اليهودية، ومنع رفع الأذان في أوقات محددة، وبالتالي يصبح المسجد الأقصى مشتركًا بين المسلمين واليهود.
أما التقسيم المكاني فهو تخصيص أماكن محددة لليهود، لكن الأخطر من ذلك هو السماح لهم ببناء معبد يهودي داخل المسجد الأقصى، وبالتالي تغيير هويته الدينية الإسلامية منذ آلاف السنين، ومن هنا تكمن خطورة تصريحات بن غفير، وخطط بشأن بناء كنيس في ساحات المسجد الأقصى.
الدور والوصاية الأردنية: أين العرب؟
لفهم الوضع القائم (مصطلح مرتبط بتنظيم إدارة المقدسات الإسلامية في القدس)، لا بدَّ من العودة قليلًا إلى تاريخ احتلال الجيش الاسرائيلي مدينة القدس عام 1967، ودخول وزير حرب العدو آنذاك موشي ديان إلى المسجد الأقصى، حيث وُضع المسجد تحت إدارة وزارة الأديان الإسرائيلية، كبديل عن وزارة الأوقاف الإسلامية، وبالتالي باتت الوزارة الصهيونية تشرف على خطبة الجمعة وعلى كل المحتويات في داخل المسجد الأقصى.
غير أن المسلمين وبعد رفضهم هذا الأمر، جاء إنشاء الهيئة الإسلامية العليا، وتم وضع المسجد الأقصى تحت وصاية وزارة الأوقاف الأردنية، وبالتالي باتت حماية المسجد الأقصى من مهمة السلطات في عمّان، وأي اعتداء عليه هو اعتداء بالدرجة الأولى على الأردن، لكن عمّان لا يقدم على أي شيء في الوقت الحالي للدفاع وحماية المسجد الأقصى من الخطط التهويدية.
وبالتالي إن الوضع القائم الحالي في المسجد الأقصى مختلف عما كان في الوقت السابق، حيث كان الدخول والخروج إليه يستلزم الاستئذان من وزارة الأوقاف الأردنية، أما اليوم فإن واقع المسجد الأقصى هو احتلال بكل ما للكلمة من معنى.
ويتركز العدوان على الأقصى بحسب تقرير “عين على الأقصى الـ18” لمؤسسة القدس الدولية، ضمن 3 مسارات رئيسية، هي المضيّ في مخطط التأسيس المعنوي للمعبد، وتكريس حصار الأقصى وتثبيت مسارات التقسيم المكاني والزماني.
ورفعت “جماعات المعبد” المدعومة من حكومات الاحتلال المتعاقبة، شعار “معركة المعبد” في وجه “طوفان الأقصى”، فسخّرت جهودها لحثّ المستوطنين على المشاركة في العدوان الإجرامي على قطاع غزة، وشجّعتهم على اقتحام المسجد الأقصى قبل المشاركة في قتل الأطفال والنساء والشيوخ في غزة. وترى تلك الجماعات، التي تعدّ ركنًا أساسيًا في حكومة نتنياهو، أن انتصارها يعني القدرة على بناء “المعبد” والتسريع بالخلاص وقدوم المسيح المنتظر.
وتؤكد المقاومة الفلسطينية أن المساس بالمسجد الأقصى وتغيير الواقع القائم، هو حرب دينية تشنها حكومة الاحتلال، تهدف إلى السيطرة المطلقة على المسجد الأقصى، وتحويله مسجدًا يهوديًا تحقيقًا لنبوءات تلمودية. ومن شأن هذه السياسات تفجير الوضع بالكامل، وتغيير الواقع السياسي والعسكري في فلسطين المحتلة، وفي المنطقة ككل.
المشاريع الصهيونية في المسجد الأقصى بعد السابع من أكتوبر
بداية لا بدَّ من استحضار المشروع الصهيوني العام تجاه المسجد الأقصى المبارك، والذي بدأ من سقف السيطرة خلال فترة هيمنة حزب العمل، وتلاه سقف فرض السيادة الصهيونية على المسجد الأقصى خلال حكم حزب الليكود، وهو السقف الذي اقتحم أرييل شارون المسجد الأقصى لفرضه، وصولًا إلى السقف الحالي الذي تتبناه الصهيونية الدينية وتحاول فرضه، وهو الإحلال الديني في المسجد الأقصى بتأسيس الهيكل المزعوم في مكانه وعلى كامل مساحته.
والسقف الحالي المتعلق بالإحلال الديني في المسجد الأقصى المبارك يحاول الاحتلال فرضه عبر استراتيجية تدريجية قائمة على مبدأ التقاسم، أي تغيير هوية المسجد الأقصى المبارك من مسجد إسلامي خالص إلى مقدس يهودي خالص، مرورًا بمرحلة من التقاسم بين المسلمين واليهود، وقد تجلى هذا التقاسم في 3 أهداف مرحلية حتى الآن: الأول هو التقسيم الزماني، والثاني هو التقسيم المكاني، والثالث هو التأسيس المعنوي للهيكل بفرض كامل الطقوس التوراتية فيه، وباعتبارها مقدمةً لتأسيسه المادي.
جاء السابع من أكتوبر بينما كان التقسيم الزماني قد وصل مرحلة متقدمة، ومحاولات التقسيم المكاني قد حاولت قضم الساحات الجنوبية الغربية ثم الشرقية من الأقصى وفشلت لكنها لا تزال مستمرة.
وبينما كان فرض الطقوس التوراتية في الأقصى يحتل واجهة الاستراتيجية الصهيونية لتغيير هويته، وردّ الاحتلال بالمقابل بمزيد من التمسك بتهويد المسجد الأقصى وتغيير هويته باعتبار ذلك بوابة لإفراغ “طوفان الأقصى” من معناه، وتكريس معاني اليأس والهزيمة وعدم جدوى المقاومة فلسطينيًا وعربيًا وإسلاميًا، وللتمسك باستراتيجية الحسم الشامل التي كان يحاول فرضها قبل السابع من أكتوبر، وباعتبار تهويد المسجد الأقصى يشكّل ردًّا عمليًا على السابع من أكتوبر وليس إفشالًا لأهدافه فقط.
وخلال الحرب يقدم الاحتلال على مسارات محاولات تغيير هوية المسجد الأقصى في عدة اتجاهات أساسية، تتمثل في التالي:
الأول: حصار المسجد الأقصى، حيث كان قد فرض حصارًا مؤقتًا عليه مع بدء موسم الأعياد التوراتية السابق من السابع من أكتوبر، باعتبارها سياسة جديدة لتكريس الاستفراد بالأقصى في موسم الأعياد التوراتية، فكان يمنع المصلين من دخوله منذ ما قبل صلاة المغرب لليوم السابق للاقتحام وحتى عصر يوم الاقتحام، ما كرّس عمليًا حصارًا مستمرًّا لـ 3 أسابيع متتالية كانت الصلوات فيها تنعقد أحيانًا بصفٍّ واحد غير مكتمل في الجامع القبلي.
فلما جاء السابع من أكتوبر كانت استدامة هذا الحصار أولى ردود الفعل الصهيونية، فقيدت التجمع في الأقصى دون سقف الـ 5 آلاف مصلٍّ طوال 10 أسابيع من بداية الحرب، ولم يُكسر هذا الحصار إلا بعد مواجهة الليلة الأولى من رمضان.
اليوم يسعى الاحتلال إلى تجديد هذا الحصار مع اقتراب موسم الأعياد التوراتية القادم الممتد ما بين الخميس 3 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري وحتى الجمعة 25 من الشهر، وهو الموسم الذي حوّلته الصهيونية الدينية إلى أعتى مواسم العدوان على المسجد الأقصى المبارك.
المسجد الأقصى في خطر ماذا سيحدث في أكتوبر القادم؟
الثاني: استئناف محاولات تغيير هوية المسجد الأقصى وفرض الطقوس التوراتية فيه بوتيرة أعلى من السابق، ويمكن التأريخ لذلك من عيد الفصح التوراتي منتصف شهر أبريل/ نيسان 2024، حيث عادت شرطة الاحتلال إلى رعاية اقتحامات المسجد الأقصى دون تحفظات أو محاولات لخفض أو تحديد سقوف العدوان فيها.
الثالث: استئناف فرض الطقوس التوراتية في الأقصى، حيث بات الانبطاح أو “السجود الملحمي” الجماعي يجري بشكل متكرر وبرعاية شرطة الاحتلال وحمايتها بشكل متكرر، بدءًا من 13 أغسطس/ آب 2024، كما باتت محاولات فرضه تتوزع على مساحات أكبر من الأقصى وتنتقل إلى ساحته الغربية بعد أن كانت مركزة في ساحته الشرقية.
الرابع: التقدم في مسار إدخال الأدوات الطقوسية التوراتية في المسجد الأقصى من خلال فرض اللفائف السوداء “التيفلين” لأول مرة في تاريخ المسجد منذ احتلاله في يوم 5 يونيو/ حزيران 2024، وكذلك فرض شال الصلاة “ألطاليت” بشكل متكرر، وهو مسار تسعى الصهيونية الدينية لاستئنافه بفرض نفخ البوق علنًا في الأقصى ولمرات متكررة يوم الخميس القادم 3 أكتوبر/ تشرين الأول 2024، ومحاولة الاستعراض الكثيف للقرابين النباتية أو ما يسمّى “ثمار العرش” داخل الأقصى في “عيد العرش” التوراتي أيام 17-23 من شهر أكتوبر/ تشرين الأول 2024.
مشروع المصعد قرب ساحة البراق
مؤخرًا، أعلن الاحتلال الإسرائيلي عن مشروع المصعد قرب ساحة البراق ضمن رؤية تغييرية شاملة تجاه المسجد الأقصى المبارك، تتناول المسجد الأقصى بذاته، وتتناول ما تحته من خلال الحفريات، وتتناول محيطه بمحاولات التهويد المستمرة، فتحويله إلى قلب توراتي لمدينة يهودية متوهَّمة يتطلب بالضرورة تغيير هوية جواره أو جزء من جواره على الأقل، وهو ما يعمل عليه الاحتلال رسميًا أو بجهود المنظمات الاستيطانية منذ منتصف ثمانينيات القرن الماضي.
وفي هذا الإطار، يقول الباحث والمختص في شؤون القدس والأقصى زياد إبحيص، إن مشروع المصعد الكهربائي لساحة البراق يأتي ضمن محاولة ربط الساحة بالحي اليهودي المجاور لها، والمقام على أنقاض حارة المغاربة وحارة الشرف.
ويضيف إبحيص أن ساحة البراق التي نشأت عن هدم تلة المغاربة لم تكن مرتبطة بالحي الاستيطاني اليهودي المستحدث إلى الغرب منها، بل كان باب المغاربة في سور المدينة مدخلها الوحيد.
ومع تطور مشاريع تهويد القدس ما بعد طرح رؤية القدس القديمة عام 2007، كان ربط الحي الاستيطاني اليهودي بساحة البراق هدفًا مركزيًا، بدأ بحفريات وتأهيل لأدراج حجرية عريضة، ثم تلاه مباشرة عام 2010 اقتراح تأسيس مصعد كهربائي مجاور، استغرقت مرحلة تخطيطه وإقراره 7 سنوات لتبدأ الحفريات التأسيسية له عام 2017، وقد أعلن الاحتلال في 22 سبتمبر/ أيلول 2024 عن انتهاء مرحلة الحفريات الاستكشافية -والتي دمر خلالها كثيرًا من الآثار الإسلامية- وبدء مرحلة البناء.
ووفق الباحث والمختص في شؤون القدس والأقصى، فإن الاحتلال يحاول تغليف الكثير من مشاريع تغيير الهوية الدينية للمقدسات الإسلامية بقشور إنسانية يتحدث فيها عن تمكين ذوي الاحتياجات الخاصة مثلًا، كما في مشروع المصعد في ساحة البراق وفي المسجد الإبراهيمي، لكن حقيقة الأمر أن هذا ليس مجرد مصعد، بل محطة تهويدية متكاملة سيكون ارتفاعها 26 مترًا مع نفق للمشاة طوله 65 مترًا.
تقرير بقلم يوسف سامي