فك رموز حرب "ميتا" ضد The Cradle

ishraq

الاشراق|متابعة 

 فرضت شركة "ميتا"، عملاق وسائل التواصل الاجتماعي، حظرا دائما على موقع The Cradle على كل من فيسبوك وإنستغرام. وحُذِفَت حسابات هذا الموقع الإعلامي الذي حصد مئات الآلاف من المتابعين وملايين المشاهدات، من جانب واحد، ومن دون سابق إنذار أو فرصة للطعن. وعزت "ميتا" قرارها إلى انتهاكات مزعومة للإرشادات العامة للمستخدمين من خلال "تمجيد المنظّمات الإرهابية"، عبر تغطية أنشطة وتصريحات حركات المقاومة التي لا تعرف التعب في غرب آسيا. وجاء في رسالة مختصرة وجهتها الشركة إلى موقع The Cradle "لا يمكن لأحد أن يرى حسابك أو يجده، ولا يمكنك استخدامه. سيتم حذف كل معلوماتك بشكل دائم. لا يمكنك طلب مراجعة أخرى لهذا القرار".

هناك أسباب تدعو للاعتقاد بأن كيانات مرتبطة بالاستخبارات الإسرائيلية كانت مسؤولة عن الحملة المنسقة التي شنتها "ميتا" ضد The Cradle. هذه الرقابة الفاضحة على وسيلة إعلامية معارضة وناقدة للصهيونية لن تكون بالتأكيد آخر عملية إغلاق للحسابات وللمستخدمين الذين يجرؤون على كشف هولوكوست القرن الواحد والعشرين التي تتكشّف في غزة. إذ إن هناك علاقة خفية وغير شفافة بين شبكة مارك زوكربيرغ للتواصل الاجتماعي وجماعات ومنظمات صهيونية تتمتّع بنفوذ كبير وقدرة على التأثير في السياسات والقرارات. تحدّد هذه المنظمات الأهداف والمحتوى الذي ينبغي أن يخضع للتنقيح والحظر والقمع، بينما ينصاع التنفيذيون في "ميتا" لهذه الطلبات بشكل متزلف ومبالغ فيه.

ويقول الباحث المستقل في صناعة التقانة جاك بولسون لـ The Cradle "حظر ميتا لمصدر إخباري مثل The Cradle، الذي ينتقد إسرائيل ليس مفاجئا عندما تأخذ في الاعتبار تاريخ الشركة. إضافة إلى أن المسؤولة عن الإشراف على السياسات المتعلقة بإسرائيل في ميتا، جوردانا كاتلر، كانت سابقا رئيسة موظفي وزير الشؤون الإستراتيجية الإسرائيلي، وفي منصب يشبه منصب المدير العام في مكتبه، فإن منظمة CyberWell التي تعتبر ذراعا للدعاية الحكومية الإسرائيلية، هي أيضا شريك موثوق لميتا. وفي تموز/يوليو، ساعدت المنظمة في تعديل سياسة ميتا بشأن التعامل مع الانتقادات التي توجّه إلى الصهيونية".

في الشهر السابق، كشف بولسون مع الصحافي المنشق لي فانغ كيف كانت CyberWell جزءا من جهود حكومية إسرائيلية خبيثة لمنظمة "أصوات إسرائيل Voices of Israel" التي تعمل على تشكيل السردية الصهيونية حول حرب غزة ونشرها في الغرب. ونفت CyberWell أي علاقة لها بعملية الترويج للدعاية الصهيونية التي تموّلها تل أبيب منذ فترة طويلة، وأنكرت تلقيها تمويلا حكوميا "من أي بلد". مع ذلك، أجرت المنظمة غير الربحية فورا عملية تنظيف واسعة لموقعها الإلكتروني، وإزالة الإشارات كلها إلى مؤسسيها وموظفيها ومستشاريها.

الدوافع وراء ذلك واضحة. إذ إن الأرشيفات التي لا تزال متاحة لهذه الصفحات تشير إلى أن "فريق العمل الديناميكي" في هذه المنظمة غير الربحية، يتألف من "أكاديميين، وجنرالات متقاعدين، ورجال استخبارات، ومتخصصين في مجال التقانة المبتكرة"، ممن عملوا في أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية أو ضمن قوات الاحتلال أو لديهم ارتباطات مع الحكومة الإسرائيلية. على سبيل المثال، تال - أور كوهين مونتيميور، المؤسسة الأميركية للمنظمة، هاجرت إلى تل أبيب في سن المراهقة، وتطوعت للخدمة في قوات الدفاع الإسرائيلية (IOF) كـ "جندي منفرد" (أي لا عائلة لها في إسرائيل). ثم دخلت مجال الاستخبارات عبر شركة الاستخبارات الخاصة الإسرائيلية Argyle Consulting. وخدمت تحت قيادة زوهار غورغل، وهو ضابط استخبارات في جيش الدفاع الإسرائيلي يتمتع بخبرة تزيد على عقد من الزمن في مسؤوليات مختلفة في مجالات الأمن السيبراني والتقانة. وبـ"تشجيع من الزملاء والموجهين"، قرّرا معا إطلاق مشروع "لتحسين معايير المجتمع" عبر الإنترنت. بمعنى آخر، إضعاف التضامن العالمي مع القضية الفلسطينية وتقليل الانتقادات التي توجه إلى الكيان الصهيوني. كثرة "العملاء السابقين" لقوات الاحتلال الإسرائيلي وكبار المحاربين العسكريين في صفوف CyberWell، تدفع إلى التساؤل حول ما إذا كان إطلاق المنظمة غير الربحية قد شُجِّع من عناصر خبيثة داخل الحكومة الإسرائيلية.

دعوة إلى العمل

وتعزز هذه الشكوك بشكل كبير بعد نشر وزارة الشؤون الاستراتيجية في تل أبيب تقريرا في شباط/فبراير 2021، بعنوان "عوامل الكراهية"، حدّد عددا من الاستراتيجيات "لمكافحة معاداة السامية على الإنترنت"، بما في ذلك استخدام الذكاء الاصطناعي لتحديد وحظر مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي الذين ينشرون محتوى نقديا للكيان الصهيوني. وبعد بضعة أشهر فقط، أُسست CyberWell تحت عنوان "المركز العالمي لأبحاث معاداة السامية"، مروجا للذكاء الاصطناعي باعتباره العنصر الأكثر أهمية في عمله. وعلى الفور، بدأت المنظمة غير الربحية الغامضة في تلقي تبرعات كبيرة من منظمات اللوبي الصهيوني.

وسرعان ما أبرمت CyberWell اتفاقيات رفيعة المستوى مع عمليات التأثير التي تمولها الحكومة الإسرائيلية وتديرها، مثل وحدة التصيد والتحرش Act. IL السيئة السمعة التي لم تعد موجودة، والتي كانت تديرها وزارة الخارجية في تل أبيب. لسنوات، شجعت Act. IL الناشطين الصهاينة سرا على استهداف المقاطعة والمقاطعين، وتبرير قمع الفلسطينيين وذبحهم، وممارسة التنمر الإلكتروني ضد مجموعات حقوق الإنسان والنشطاء الداعمين للقضية الفلسطينية عبر الإنترنت. وتم وقف هذه الوحدة من دون سابق إنذار عام 2022.

من اللافت أنه في العام نفسه، أشار التقرير السنوي لـ CyberWell إلى أنها "كانت تقدم بيانات لوحده Act. IL في مراجعتها السنوية لتقييم معاداة السامية على الإنترنت". وقد يقدّم هذا تفسيرا لإغلاق Act.IL. إذ أصبح الكيان الصهيوني الآن، عبر CyberWell، يمتلك وسيلة أكثر فعالية لاستئصال المحتوى وصانعيه ممن يفضحون جهود إبادة الشعب الفلسطيني، ولمنع الحقائق المزعجة من دخول المجال العام.

اليوم، تثبت CyberWell فعاليتها الهائلة في مهمتها. في 10 تموز/يوليو، أُعْلِن عن أن شركة "ميتا" ستوسع نطاق رقابتها وقمع المحتوى المتعلق بالإبادة الجماعية في غزة. والآن، أصبحت المنشورات التي تسيء إلى الصهاينة على فيسبوك وإنستغرام سببا للحظر الدائم. وتم تعديل هذه السياسات تحت ضغط مكثف من CyberWell ومنظمات اللوبي الصهيوني الأخرى. ولم تعد المنظمة غير الربحية مجرد "شريك موثوق" لـ "ميتا"، بل أيضًا لـ TikTok وX.

ويبدو أن CyberWell قد استخدمت بالفعل نفوذها لإجبار TikTok على تبني إرشادات مماثلة بشأن المحتوى المتعلق بالصهيونية مثل "ميتا". وليس هناك ما يشير إلى أن المنظمة تنوي التوقف عند هذا الحد. فقد قدمت توجيهات رسمية إلى "ميتا" بشأن فرض الرقابة على عبارة التضامن مع فلسطين "من النهر إلى البحر، فلسطين ستكون حرة"، التي يزعم الصهاينة زورا أنها دعوة واضحة للإبادة الجماعية لليهود، بينما ينشرون تقارير عن "معلومات مضللة معادية للسامية" مزعومة تُتَدَاوَل خلال الحملات الانتخابية الغربية.

في هذا السياق، يبدو من المحتم تقريبا أن CyberWell أدت دورا في حظر The Cradle على فايسبوك وإنستغرام. حُظِرَت حسابات هذه The Cradle بفارق ساعات، رغم أن الحسابين غير مرتبطين رسميا، وكل منهما مسجّل تحت بريد إلكتروني مختلف تماما. كما تم أيضا حذف حساب احتياطي على Instagram، رغم أنه لم ينتهك أيا من إرشادات المنصة. من الواضح أن "ميتا" أرادت أن لا يبقى أي أثر لـ The Cradle على منصاتها. ومن المؤكد أن تل أبيب كانت مسرورة بحظر The Cradle.

حظر غير مرئي

مع ذلك، ينبغي التذكير أن لـ"ميتا" سجلا طويلا ومدانا في الرقابة المنهجية للمحتوى المتعلق بفلسطين. وقد زادت هذه الرقابة بشكل ظاهر منذ بدء الإبادة الجماعية في غزة. وكشف تقرير صادر عن "هيومن رايتس ووتش" في كانون الأول/ديسمبر 2023 أن فيسبوك قامت خلال الشهرين السابقين بـ "أكثر من 1,050 عملية حذف وعمليات قمع أخرى للمحتوى" على فيسبوك وإنستغرام، "نشرها فلسطينيون ومؤيدون لهم، بما في ذلك ما يتعلق بانتهاكات حقوق الإنسان". من بين هذا الإجمالي، كان 1,049 منها "تشمل محتوى سلميا يدعم فلسطين قُمِع بشكل غير مبرر". وتضمنت الحالات الموثقة "محتوى نشأ من أكثر من 60 دولة حول العالم، وبالاساس باللغة الإنكليزية، وكلها تدعم فلسطين بطرق متنوعة". وحددت "هيومن رايتس ووتش" ستة أنماط رئيسية من الرقابة غير المبررة، تضمنت: إزالة المنشورات والقصص والتعليقات؛ تعليق أو تعطيل دائم للحسابات؛ قيود على القدرة على التفاعل مع المحتوى؛ قيود على القدرة على متابعة أو وسم حسابات أخرى؛ قيود على استخدام ميزات معينة مثل البث المباشر على Instagram/Facebook، وتحصيل الأرباح؛ و"الحظر غير المرئي"، وهو التقليص الكبير في رؤية منشورات أو قصص أو حساب فردي، من دون إشعار، بسبب تقليص توزيع المحتوى أو وصوله أو تعطيل البحث عن الحسابات.

من جهة أخرى، وثّقت مجموعة Access Now الحقوقية الرقمية كيف تُفرض الرقابة على المحتوى الذي يلحق ضررا بالكيان الصهيوني، لا علاقة لها بـ "المعلومات المضللة" أو "معاداة السامية" وفق قواعد "ميتا"، أو بناءً على معلومات من منظمات مثل CyberWell. على سبيل المثال، بعد قصف المستشفى المعمداني في غزة، في 17 تشرين الأول/أكتوبر 2023، والذي أدى إلى مقتل 471 فلسطينيا وإصابة 342 آخرين، قام فيسبوك وإنستغرام بإزالة المحتوى الذي يوثق الانفجار، ويظهر جثث الضحايا، بموجب سياسة "ميتا" بشأن "العري والانتهاكات الجنسية".

سهولة اختراق المنظمات الصهيونية مثل CyberWell لـ"ميتا" والضغط عليها، وصمت المنصة على إبادة الفلسطينيين، قد يُعزى إلى وجود عدد ممن خدموا سابقا في الجيش والمخابرات الإسرائيليين ممن يشغلون مناصب رفيعة داخل الشركة. على سبيل المثال، غاي روزن، الذي كان سابقا جزءا من وحدة 8200 التابعة لقوات الاحتلال الإسرائيلي والمتخصصة في التجسس والمعلومات المضللة، يشغل منصب رئيس قسم أمن المعلومات في الشركة منذ عام 2022. وهو أيضا أحد مؤسسي شركة التقانة الإسرائيلية Onavo التي تمتلكها فيسبوك.

ستواصل The Cradle فضح الإبادة الجماعية في غزة، وتقديم تقارير واقعية عن الأحداث في غرب آسيا، رغم حظر "ميتا" على فيسبوك وإنستغرام. ولا يمكن التكهن بما إذا كانت الرقابة الوقحة والمتصاعدة التي تفرضها المنصة على الأصوات المنشقة من المشارب جميعها في السنوات الأخيرة هي السبب في الانخفاض السريع لقاعدة مستخدميها، وانهيار قيمتها في سوق الأوراق المالية باستمرار. وقد تكون أيام إبداعات زوكربيرغ، كأيام الكيان الصهيوني، معدودة.

Copyright © 2017 Al Eshraq TV all rights reserved Created by AVESTA GROUP