09/09/2024
تقاریر 172 قراءة
تكتيكات المقاومة الفلسطينية لمواجهة حرب استنزاف محتملة في غزة!
الاشراق|متابعة
تغيرات عديدة طرأت على تكتيكات المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، ما يمكن أن يشكّل تحوّلاً كبيراً على صعيد إدارة المعركة، وعلى صعيد الإمكانيات المستخدمة فيها أيضاً.
ليس غريباً أن نقول إن هناك قناعة باتت تترسّخ أكثر فأكثر لدى فصائل المقاومة الفلسطينية، ولدى بقية أطراف محور المقاومة في المنطقة، بشأن إمكانية تحوّل الحرب التي يشنّها العدو الصهيوني على قطاع غزة منذ أكثر من أحد عشر شهراً، إلى ما يشبه حرب الاستنزاف طويلة المدى، والتي لا تتوفّر حتى الآن على الأقل معظم المعطيات الميدانية أو السياسية التي يمكن أن تساعد على إنهائها أو حتى توقفها لفترة مؤقّتة، إذ إن هذه الحرب التي تتوسّع وتمتد، وإن بشكل غير منتظم، إلى بقية محافظات الوطن في الضفة الغربية المحتلة، باتت تأخذ أشكالاً ووضعيّات، سواء على مستوى التكتيك أو الاستراتيجيا، أقرب إلى الحروب الطويلة منها إلى الحروب ذات المديات الزمنية القصيرة أو حتى المتوسّطة.
في الميدان، وعلى الرغم من الكثير من الأخبار المتعلّقة بحالة الإرهاق والملل التي باتت تنتاب جنود الاحتلال في غزة، وعدم رغبة الكثير منهم، خصوصاً على مستوى الضبّاط، في مواصلة القتال، وأن هناك عجزاً واضحاً على صعيد هذه الفئة من الجنود، تبدو التطوّرات غير مشجعة فيما يخص إمكانية ذهاب هذه الحرب المجنونة إلى خواتيمها، إذ إن ما يتم فرضه من وقائع ومتغيّرات على الأرض من قِبل "جيش" الاحتلال مثل ما يحدث على الحدود الفلسطينية-المصرية من تثبيت للمنطقة العازلة في ما يُسمى محور "فيلادلفيا "، أو توسيع ممر "نتساريم" الفاصل بين المنطقة الشمالية من القطاع والمناطق الوسطى والجنوبية منه، والذي يشهد منذ أكثر من ثلاثة أسابيع عملية عسكرية واسعة تسعى من خلالها قوات الاحتلال بتوجيه من المستوى السياسي إلى زيادة مساحة الأمان حول هذا الممر، وخصوصاً من ناحيته الشمالية باتجاه مدينة غزة.
تشير المعلومات الواردة من عين المكان أن الاحتلال يحاول جاهداً زيادة هذه المسافة إلى أكثر من ثلاثة كيلومترات، لتصل إلى الشارع رقم 8 وليس إلى الشارع رقم 9 كما كان أعلن سابقاً، وهذا يؤكد بشكل أو بآخر عدم وجود نية صادقة لدى "الدولة" العبرية بإنهاء الحرب، بل أكثر من ذلك، بأنها تسعى إلى احتلال مستدام لأجزاء من القطاع المحاصر والصغير، ومصادرة مساحات واسعة من أراضيه تحت ذريعة إقامة مناطق عازلة على الحدود الشمالية والشرقية والجنوبية منه، بالإضافة إلى تقطيع أوصاله من خلال محور "نتساريم"، الذي سيقضم وحده أكثر من 35 كيلومتراً من أراضي القطاع البالغة 365 كلم، أما في حال تم تثبيت المناطق العازلة على حدوده الثلاثة المشار إليها أعلاه بعمق يتراوح بين كيلومتر واحد إلى كيلومترين اثنين، فإن هذه المسافة قد تصل إلى نحو 140كلم، أي نحو 35 % من المساحة الإجمالية للقطاع.
على المستوى السياسي، فالأوضاع ليس بأحسن حالاً من نظيرتها في الميدان، إذ تشير كل المعطيات إلى أن كل ما يتم الحديث عنه من تقدّم في مفاوضات وقف إطلاق النار، والتي يحاول الجانب الأميركي تحديداً إشاعة أجواء إيجابية حولها خدمة لأهداف داخلية تصب في مصلحة الحزب الديمقراطي ومرشحته كامالا هاريس من جهة، ومحاولة للتخفيف من حجم الانتقادات اللاذعة التي باتت توجّه إلى الدور الأميركي المتماهي والمتساوق مع الموقف الإسرائيلي بشكل غير مسبوق من جهة أخرى، فإن الوقائع التي باتت واضحة كالشمس تشير إلى عكس ذلك تماماً، وهي تؤكد ما ذهب إليه الكثير من المحللين منذ أشهر طويلة حول وجود مصلحة مشتركة لدى الجانبين الإسرائيلي والأميركي في إطالة أمد الحرب إلى أطول فترة ممكنة، لا سيّما في ظل فشل العدو الصهيوني وإخفاقه المستمر في تحقيق أيٍ من أهداف الحرب المعلنة، وهو الأمر الذي يعني حاجته إلى مزيد من الوقت على أمل تمكّنه من تحقيق إنجاز ما قد يعيد إليه ما فقده من قدرة الردع، ويجنّب نتنياهو وائتلافه اليميني المتطرف المزيد من الفشل بما يمكن أن يؤدي إلى تفكك هذا الائتلاف، وإلى انتهاء المستقبل السياسي لكل أقطابه، وفي المقدمة منهم نتنياهو والأحمقان بن غفير وسموتريتش.
بناءً على ما تقدّم، وقياساً على الكثير من المعطيات الأخرى التي لا يتّسع المجال لذكرها في هذه العجالة، بالإضافة إلى ما بحوزة المقاومة من معلومات مؤكدة كونها أقرب إلى الميدان وإلى طاولة المفاوضات كذلك، فإن تغيّراً ما قد طرأ على تكتيكات المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، تحديداً الطريقة الأمثل للتعامل مع هذا الواقع المختلف، والذي يمكن له- كما تقول بعض المصادر- أن يشكّل تحوّلاً كبيراً ومهماً على صعيد إدارة المعركة، وعلى صعيد الإمكانيات المستخدمة فيها أيضاً، وقد بدت بعض تأثيرات ذلك التغيّر تظهر إلى العلن في ميدان القتال، وإن من دون إعلان مسبق خلال الأسبوعين الأخيرين تحديداً.
أحد هذه التغيّرات له علاقة بحجم ونوع العمليات التي تنفذها المقاومة ضد قوات العدو الصهيوني، سواء أثناء عمليات التصدّي للتوغلات والاقتحامات، كما يحدث حالياً في رفح والزيتون على سبيل المثال، أو في ما يتعلق بالهجمات الصاروخية التي تستهدف مستعمرات غلاف غزة وبعض المدن المحتلة مثل عسقلان وأسدود وغيرها.
فالمتتبّع لخط سير عمليات المقاومة خلال الفترة الأخيرة يجد أنه بدأ يأخذ منحنى هبوط بشكل ملحوظ، وهذا يدل عليه انخفاض واضح وملحوظ في البيانات التي تصدرها الفصائل للإعلان عن عملياتها العسكرية ضد قوات الاحتلال، ومرد هذا الانخفاض، كما يبدو، يعود إلى محاولة المقاومة الاقتصاد في مخزونها التسليحي الذي استخدمت منه نسبة كبيرة خلال الشهور الماضية، مع أن هذا الأمر -حسب اعتقادنا- لا يعني أنها تعاني عجزاً تسليحياً أو على مستوى القدرات، خصوصاً أنها أعادت تشغيل العديد من ورش التصنيع التابعة لها، كما نشرت أكثر من مرة من خلال فيديوهات موثّقة، لا سيّما تلك المخصّصة لصناعة الصواريخ والعبوات الناسفة