27/07/2024
ثقافة و فن 226 قراءة
النقد السينمائي والصحافة..اختلاف المقاربات
الاشراق
الاشراق | متابعة.
ليس النقد السينمائي صحافة سينمائية، على الأقل في المهرجانات. هو جزء منها، النقد جزء من العمل الصحافي الشامل لما هو دونها، كالأخبار والتقارير والتحقيقات والمقابلات. النقد مقالة تموج بين الرأي والتحليل، وموضوعها سينمائي، فيلمٌ ما مثلاً. للنقد موضوعه هو العمل الفني.
الأنواع الصحافية الأخرى لا تحتاج مشاهدة، وعموماً لا ضرورة لرأي أو تحليل فيها. لا يقلل ذلك من قيمتها، فلكل منها مكانته. الناقد السينمائي مثلاً يحتاج معلومات يجدها في تلك الأنواع الصحافية، ليكوّن رأياً وتحليلاً تجاه فيلم بعينه (أو مُخرج أو تيّار..). في المهرجانات السينمائية، لطبيعتها، تتمايز هذه الأدوار بين العمل الصحافي وذلك النقدي، وتتقاطع لكن قليلاً. فالناقد يمضي وقته بين المشاهدة والكتابة، مجهداً في تأمين تذاكر للأولى وتخصيص وقت للثانية.
أمرُّ عادةً في الردهات والقاعات المخصصة للصحافة في المهرجانات الكبرى، وأجد المقاعد ممتلئة والصحافيين على أنواعهم، كالمصوّرين، منهمكين أمام شاشاتهم، بعضهم يكتب ودفتره إلى جانبه، محاطاً بمجلات ونشرات يومية، والآخر يتفحّص صوره محاطاً بكاميرات وعدسات وأسلاك. الجميع غارق في شاشته.
ظروف العمل صعبة على الكاتب الصحافي في المهرجانات، لمحاولة يائسة ودائمة للتوفيق بين المشاهدة ولو بالحد الأدنى (وهي أولوية لدى الناقد دون غيره وبحدّها الأعلى) وبين الإلمام بالأخبار وحضور مؤتمرات صحافية (وهي آخر همّ الناقد) وحفل تكريم، وربما التقاط الأخبار الغريبة والمغرية. يعيش النقّاد حالة ضغط أخف نسبياً، فمن تتكرّر وجوههم في صالات هذه المهرجان وذاك، لا يظهرون في قاعات الصحافة تلك. الصحافيون في قاعات الصحافة والنقّاد في صالات السينما، خارجين من فيلم لكاريزماكي داخلين آخر لموريتي.
النقّاد يتجولون ويخرجون من أجواء المهرجان بين فيلم وآخر، وقد تكون الكتابة مهمَّة أخيرة ما قبل النوم أو أولى فور الاستيقاظ، أو يمررونها سريعاً إن كان النهار طويلاً وفاصلاً بين فيلم صباحي وآخر مسائي. لكن الناقد عموماً لا يقلق حيال الوقت اللازم للكتابة، فهي حاضرة، افتراضاً، دائماً وتتكيّف مع باقي مواعيده وحجوزاته.
ليس سهلاً على الصحافي إعداد التقارير يومياً من المهرجان وإرسالها سريعاً. ذلك يستلزم الإلمام والقراءة والمتابعة والملاحقة، قبل المشاهدة، هذا ما يتعب أكثر من غيره، الناقد، فيتفاداه طالما استطاع. هو يحتاج الانفصالَ عن تلك الملاحقات الصحافية غير المجدية للرأي النقدي، والانعزالَ مع فيلمه، أو مع نفسه فور خروجه من الصالة. لذلك ربما يسرع أحدنا للتجوال من بعد المشاهدة (إضافة إلى حاجة الجسد للتحرّك). الانعزال ضروري ليكون التعليق النقدي، برأيه وتحليله، صلة الوصل الوحيدة بين الناقد والفيلم، الأول بوصفه متلقياً والأخير بوصفه عملاً فنياً منقطعاً عما يحيط به.
لا بد أن يخرج الناقد من الصالة بأفكار أولية حول الفيلم، ثم أثناء الكتابة تتوارد الأفكار وتتلاحق وتتمنطق تلقائياً على الصفحة البيضاء وبوقت قصير. هي حالة كاتب هذه السطور وقد تكون كذلك عند كثيرين. يحتاج أحدنا طبعاً التأكد من معلومات بعينها أو البحث عنها، وهذا ضروري ليكون الرأي والتحليل النقديين مبنيين على معطيات صحيحة.
الصحافة السينمائية إذن غير النقد السينمائي، تجاورهما في المهرجانات يوضح ذلك. هي كذلك من ناحية طبيعة المواد أولاً ومن ناحية طبيعة العمل على كل منها ثانياً. الصحافة تستلزم شغلاً مهنيّاً قد لا يحسنه الناقد الذي تستلزم كتابتُه شغلاً إبداعياً وفكرياً قد لا يحسنه الصحافي. هذا ما يجعل الناقد مستقلاً في مادته المكتوبة، وفي توقيتها، فيمضي قدر الإمكان من الوقت في المشاهدة. فيلمان أو أكثر يومياً هو النموذجي، ما يتيح له مشاهدة أفلام المسابقة الرسمية جميعها أو معظمها (في مهرجانات كان وبرلين و البندقية مثلاً).
الفيلم مقصد الناقد، وكلما استقلَّ عن موقع نشر مقالاته تضاءل أيُّ اعتبار غير سينمائي لأي فيلم في المهرجان، كأن يكون من بلد أو لمخرج أو بموضوع ما. أما الصحافي الساعي إلى الفيلم/الخبر/الحدث، فلا اعتبار سينمائياً أوّل للفيلم في مادته المطلوبة، بل لما حولها، وغالباً يكون الصحافي هنا أقل استقلالية من الناقد، عن الناشر، وأكثر انسجاماً مع السياسة التحريرية وأولويات موقع النشر. الاعتبار هنا صحافي أولاً. الاعتبار لدى الناقد فنّي أولاً.
تقرير للكاتب سليم البيك